ضحى مجيد سعيد /
حلوى “منّ السما” أو “المنّ والسلوى”، كما يسميها العرب، أو “بالكزو”، كما يطلق عليها في إقليم كردستان العراق، تجمع من على أوراق وأغصان الشجر في الجبال الممتدة مع إيران قرب مدينة السليمانية، وتحديداً منطقة بنجوين، ولا توجد معلومات دقيقة عن تاريخ نشأة هذه الحلوى، لكنها جاءت في كتب سماوية تشير إلى أنها تعود لعقود قبل الميلاد.
يرجح المهتمون بشأنها أنها الوحيدة في العالم التي تنزل من السماء على الجبال الواقعة قرب السليمانية، هذه المعلومات والمعطيات كانت من الأسباب التي جعلت من حلوى “منّ السما” منتجاً وطنياً يميز مدينة السليمانية عن المدن العراقية الأخرى المشهورة بصناعة هذه الحلوى ومن امتهنها صناعة وتجارة، هذه التجارة اليوم تتربع على عرش أسواق الحلويات.
وتشير المصادر إلى أن المبيعات السنوية لـ “منّ السما” تصل إلى ما يقارب عشرات الأطنان كونها مادة خالصة تتمتع بمذاق فريد، وربما هذا كان السبب الذي جعلها الأفضل في الأسواق وتلاقي إقبالاً واسعاً، ولاسيما من قبل السيّاح.
يقول جعفر حسن السيد “56 عاماً” الذي يعمل في مصنع حلوى المنّ والسلوى “إن هذه الحلوى من إنتاج الطبيعة، وتنزل هذه المادة مثل المطر على الأشجار والأغصان وشجر البلوط وشجر المازو، مثل الدقيق، أو الطحين، وتحديداً في مدينة بنجوين قرب محافظة السليمانية، لذلك تشتهر هذه المدينة بصناعة حلوى منّ السما العراقية. لافتاً إلى أن هذه المادة الخام تكون على شكل كتل متحجرة نكسرها لتصبح تراباً، وعادة ما يكون طعمها مراً، بالإضافة إلى ذلك فإنها ماده صمغية لزجة تميل إلى اللون الأخضر قبل تصنيعها، هذه هي المادة الأساسية لصناعة حلوى منّ السما. مشيراً إلى أن هناك خطوات وجهداً يبذلان لمعالجتها وتحويلها إلى حلوى لذيذة جداً.” يضيف السيد جعفر: نقوم بشراء المادة الخام بعد أن يجمعها الفلاحون من على الشجر على شكل كتل تزن ما بين 4 إلى 10 كيلوغرامات. وفي سؤال عن المدة التي يستغرقها في صناعة هذه الحلوى، أجاب السيد: تستغرق أياماً لكي تكتمل صناعتها بعد إضافة المكونات الأساسية لعمل منّ السما، وتتضمن المنّ والمكسرات والنكهات حسب الأذواق.
تبييض المادة
يكمل جعفر السيد: لقد انفرد العراقيون بصناعة هذه الحلوى التي تمر بمراحل، إذ تبدأ بغربلة وتصفية المادة الخام من الشوائب، وذلك بعد وضعها يوماً كاملاً في الماء من أجل تنقيتها، لتتحول بعد ذلك إلى مادة سائلة (شيرة)، كما يطلق عليها، بعدها تأتي عملية غلي المادة في قدر كبير لفصل الشوائب، وتستغرق هذه المرحلة نحو ثماني ساعات إلى أن يخسر السائل نصف كميته ويتحول إلى حلو المذاق بصورة طبيعية دون إضافة أي سكر، وهذا ما يميز المادة الخام الأصلية عن غيرها، ثم تجري بعد ذلك عملية تبييض المادة باستخدام بياض البيض، وهي عملية طبخ سائل الحلوى لمدة ثلاث ساعات، تليها إضافة المكسّرات من جوز ولوز ولب الفستق لإعطاء مذاق لذيذ، فضلاً عن إضافة نكهات ومواد أخرى، كالهيل أو ماء الورد، لإعطاء طعم مميز وحسب الأذواق، وقد يختلف طعم الحلوى من معمل إلى آخر، لكن في النهاية المادة الأساسية هي ربّانية طبيعية.
وعن الكمية التي يتم طهوها أو غليها في كل مرة أجاب السيد: ربما تصل الكمية إلى ما يقارب الخمسين إلى الستين كيلو غراماً من الحلوى، أما بالنسبة للبّ الفستق المضاف إليها فيبلغ ما يقارب الأربعين كيلو غراماً، وبهذه الخطوة نصل إلى المرحلة النهائية، بعدها يترك الخليط من يوم إلى يومين، ثم يقطع وفق الأشكال المطلوبة، بعدها توضع كميات من الدقيق كعازل يحول دون التصاق الحلوى بعضها مع بعض، ثم لاحقاً تعبئتها في علب خشبية مع الطحين للحفاظ عليها من الرطوبة والتعفن. وقال السيد إن هذه الطريقة هي التقليدية، او المعتاد عليها، وإما أن تغلف بأغلفة شفافة لتغدو جاهزة بالصورة التي يعرفها متذوقوها في العراق وخارجه. موضحاً وجود بعض الزبائن يطلبون علباً مغلفة بطريقه فاخرة لتقديمها في الفنادق أو مطاعم الدرجة الأولى.
هدايا من العراق
من جانبه، يقول سعد عبد النبي، بائع حلوى في أحد اسواق القيصرية في أربيل -يبلغ من العمر ٤٩عاماً- : يقبل الزائرون إلى الإقليم على شراء منّ السما، سواء من العرب، وحتى الأجانب، كونها منتجاً من الطبيعة، وعادةً ما تعرف هذه الحلوى في البلدان الغربية باسم (النوغا)، مشيراً إلى أن هذه الحلوى قد تصنّع في كثير من الدول العربية، لكن تضاف إليها مواد صناعية، وتختلف اختلافاً كلياً عن طعم حلوى المنّ العراقية التي تكون خالية من أية مواد صناعية. وأضاف: هناك موسم لجمع وشراء هذه المادة من الفلاحين، وعادة ما يكون فصل الخريف من كل عام، ونقوم بخزنها في مكان جاف وبارد بكميات كبيره لإنتاجها على مدار السنة. وبخصوص أسعار الكيلو غرام من حلوى منّ السما يقول عبد النبي: سعر الكيلو غرام يتراوح بين الخمسة عشر ألفاً والثلاثين ألف دينار عراقي، بحسب طريقة الصناعة والمواد الخام المستخدمة، مضيفاً أن الطلب عليها موجود على مدار السنة، ولاسيما من قبل إخواننا العرب الذين يشترونها كهدايا مميزة من الجبل، بالإضافة إلى ذلك يقبل كبار السن عليها أيضاً وعادة يزداد الإقبال عليها في شهر رمضان المبارك وأعياد نوروز.
ورد ذكرها في القرآن الكريم
ويؤكد الأستاذ المختص في تفسير القرآن الكريم محمد ابن الحسن: أن اسم المنّ والسلوى ورد في الكثير من الكتب السماوية، كما ورد في القران الكريم في ثلاثة مواضع من القرآن في سورة البقرة وفي سورة الأعراف، وكذلك في سورة طه. سألناه عن ما معنى المنّ وما معنى السلوى؟ فأجاب: المنّ والسلوى هما طعام أنزله الله -عز وجل- على بني إسرائيل في فترة التيه عندما قال لهم نبي الله موسى (عليه السلام) “ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله عليكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين.” لكنهم أبوا أن يدخلوا وقالوا “يا نبي نحن قوم جبارون وإنا لن ندخلها”، فلما أبوا ورفضوا أن يستجيبوا ضرب الله عليهم التيه أربعين سنه خلالها كان طعامهم المنّ والسلوى. مضيفاً: اختلف العلماء في التفسير حول صفة المنّ على عشرة أقوال، خلاصتها أنه شيء يشبه العسل ينزل من السماء على الأشجار. وأضاف: ورد في حديث عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن المنَّ كان ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا، ما يعني أنه شيءٌ ينزل على الأشجار، وأيضاً هناك حديث قدسي لرسول الله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): “الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين”، وهذا الحديث متفق عليه، وهناك من قال إن السلوى هو العسل وإن لفظة “المنّ” معناها المقطع، وأما السلوى فهو طير السمّان أو طير آخر يشبهه، وهذا بإجماع المفسرين، لكن المتفق عليه أنه طعام لبني إسرائيل.
عسل رباني
ويقول الدكتور محمد الحمد، اختصاصي التغذية، إن حلوى “منّ السما” ذات قيمة غذائية كبيرة تشبه العسل (عسل ربّاني)، لها فائدة كبيرة للبدن، مضيفاً أن ما تحتويه حلوى المنّ والسلوى من مادة غذائية تشبه المادة الغذائية في الطيور كالسمّان والحمام واليمام، هذه الطيور لحومها تحتوي على بروتينات سهلة الامتصاص وتسهم بشكل كبير في بناء العضلات وتقويتها، ولا يوجد هناك أي ضرر في الإكثار منها لأنها لا تصيب بالتخمة، واستدرك قائلاً: لهذه الحلوى فوائد متعددة لكبار السن تتعلق ببناء الأنسجة، ولاسيما لمن لديهم مشكلات صحية من مرضى القلب والسكر، ولمن يعانون من تأثر الجهاز العصبي، فضلاً عن إعطاء الحيوية للعقل وتنشيط الذاكرة، كما أنها تحتوي على سعرات حرارية منخفضة.