خبرات عالمية وعراقية أسهمت بإنتاج خرسانة إسفلتية جديدة كيف نجح العراق في تطوير تقنية تعبيد الطرق؟

إياد عطية الخالدي/
تعود أولى دراسات مشكلات شبكة الطرق في العراق الى سبعينيات القرن الماضي عندما حدّدها الاستشاري الألماني (كولج فورست)، الذي عمل دراسة عن أبرز عيوب تلك الطرق بأنها تكمن في ظاهرة التخدّد، ويحدث التخدّد بسبب الأحمال الثقيلة وارتفاع درجات حرارة الجو ونوعية القير المستخدم. وقد وضع بنفسه حلولاً لهذه المشكلة وطبّقت في عدد من الطرق، لذلك تلاحظ أن طريق المرور السريع الذي افتتح عام 1990 ما زال لحد الآن يتمتع بمستوى جيد على الرغم من غياب الصيانة بشكل كامل %100،
وهذا دليل على جودة العمل والقدرة على تلافي العيوب ومعالجتها بحلول جذرية.
تكلّف عمليات إصلاح الطرق أكثر من نصف الموازنة المخصّصة لدائرة الطرق، بسبب تعرّض أغلب الطرق في البلاد الى أضرار كبيرة، وقد استمر الخبراء والجهات الحكومية بإجراء بحوث مهمة عن مادة القير في العراق، ومشكلات هذه المادة عند تحويلها الى إسفلت.
ويؤكد الخبير هاشم خليل قنبر الذي قدّم العديد من الدراسات والبحوث في مجال عمله، وشارك في بحوث لمعالجة عيوب الطرق العراقية، وكان آخر البحوث والدراسات والأعمال التطبيقية مع أحد المعاهد اليابانية التي عملت على تحسين مادة القير لتناسب المناخ في العراق، أنَّه بدأ ببحوث ودراسات متواصلة للوصول الى ما يسمى بـ (الخرسانة الإسفلتية) التي تستخدم فيها مواد جديدة، وقد بدأ بتنفيذ أول تجربة عن الفكرة – أو البحث – ونفّذّت على أرض الواقع في عدد من المشاريع، أبرزها طريق دورة ـ يوسفية السريع.
الخرسانة الإسفلتية
يوضح قنبر أن مشروع الخرسانة بدأ عام 2010 من خلال تعاون مشترك بين وزارة النفط والجانب الياباني، وكانوا يعملون مع معهد متخصّص في نوعية الإسفلت بالمصافي العراقية، في حينها وجّهت الدعوة الى دائرة الطرق والجسور للمشاركة في هذه البحوث، كونها الجهة المستفيدة من العمل، لأن وزارة النفط كانت تنتج الإسفلت آنذاك، فعملنا مع المعهد الياباني وأنجزنا بحوثاً ودراسات عديدة تتعلق بالموضوع. وقد توصّل اليابانيون إلى أن نوعية القير المنتج في المصافي العراقية غير ملائمة للعمل في بيئة العراق، وتابعوا بحوثهم ودرسوا تجارب عدّة بهدف الوصول الى حلّ جذري لهذه المشكلة المعقّدة، لذلك اقترحوا استخدام المضادات لتحسين النوعية. من هنا بدأنا بالتفكير بالحل وبموضوع الخرسانة الإسفلتية، وقد كنت في ذلك الوقت المهندس المقيم لمشروع طريق المرور السريع ط ٦ديوانية ـ سماوة ـ ناصرية، فعملنا في مختبرات المشروع كوننا الشركة المنفذة، أقصد شركة حمورابي، واشتغلنا بالفعل على تجربة الخرسانة الإسفلتية وواصلنا العمل بعد تجارب عملية عديدة في ذلك المشروع، وعقدنا الكثير من النقاشات مع الجانب الياباني، وفي كل اجتماع كنّا نقدّم تقارير عما يدور من أفكار في تلك الاجتماعات. واستمر العمل لغاية عام 2016 وكانت النتائج جيدة، لكن على ما يبدو فإن البحوث لم تحظَ بالاهتمام المطلوب، مع العلم أن جميع الدول سبقتنا الى هذه التجارب، وكلّها تستخدم أسلوب الخرسانة الإسفلتية في مشاريع الطرق.
ثم انتهينا الى معالجة الموضوع من خلال الطبقات السطحية باستخدام مضاد البوليمر للإسفلت، الذي هو أساس بحثنا مع الجانب الياباني، وكنّا رواد هذه الأفكار والتجارب التي جرى نقلها إلى المهندسين في شركتنا والشركات العراقية العاملة في مجال الطرق.
نتائج مذهلة
وأشار الخبير قنبر الى أن النتائج كانت كما توقعنا إيجابية بالطبع، لأنها جاءت بعد بحوث ودراسات وتجارب وتطبيقات ناجحة، وحالياً أصبحت الأسلوب العملي الناجح في كل مشاريع الطرق التي يجري تنفيذها، ولاسيما أن الجانب الياباني ساعدنا كثيراً في كل مراحل البحث والدراسة. حتى أنهم كانوا يعملون معنا في مرحلة التطبيقات، وجهزونا بالمواد التي تستخدم لتحسين مادة القير، كما إننا أجرينا تجارب عديدة، لأنهم في وزارة النفط ليست لديهم إمكانيات لتخطيط مقاطع تجريبية، بينما تمتلك شركة حمورابي معامل إسفلت، وبالفعل أنجزنا العديد من التطبيقات على مقاطع تجريبية، وكانت النتائج مبهرة والحمد لله.
ماهي الخرسانة الإسفلتية ؟
تعدّ الخرسانة الإسفلتية التي توصّل اليها الخبراء والمهندسون في دائرة الطرق والجسور أحد العوامل المهمة التي ساعدت على نجاح المشاريع الجديدة ولاسيما مشروع طريق الدورة ــ اليوسفية السريع، الذي أنجز بمستوى عال من الجودة، بعد أن أسهم خبراء الشركة في العمل مع شركات يابانية لإيجاد خلطة إسفلتية تعالج عيوب الطرق في العراق، الناشئة عن ارتفاع درجات الحرارة في البلاد، وقد توصّل الخبراء اليابانيون الى خلطة إسفلتية بإضافة مادة (بوليمرية) لإنشاء الخرسانة الإسفلتية، بهدف تحسين متانة تبليط الطرق بمواصفات أعلى من المواصفات القياسية التي تستخدم الإسفلت التقليدي في الخرسانة الإسفلتية، من خلال تغيير خواص الإسفلت (الريولوجية) باستخدام بوليمر أورماتي. وأدت زيادة قطبيته باستخدام حامض الماليك اللامائي إلى زيادة قيمة الثبات مقارنة مع نماذج الطرق التي استخدم فيها، كما زادت من درجة تحمّله لدرجات الحرارة والبرودة، كذلك أدت إضافة البوليمر بنسب معينة الى زيادة اللزوجة، التي بدورها تؤدي إلى تقليل النزف للأسفل ( draindown)، كما إن استخدام البوليمر يطوّر بشكل عام الخصائص الحجمية، الميكانيكية والوظيفية، والديمومة للخلطات الإسفلتية، ويزيد أيضاً من مقاومة عمق التخدّد ويحسّن مقاومة الانزلاق.
وقد نجحت المعامل الاسفلتية في إنتاج المزيج القيري بتقنية عالية الجودة ، بعد أن اكتسب خبراء الشركة خبرات عالمية مكّنتهم من إنتاج الخرسانة الإسفلتية.
تقنيات عالمية
وأكد مدير مشاريع شركة حمورابي حيدر عاجل الأسدي أن العراق أفاد من التقنيات العالمية، ولاسيما في ما يخص مادة القير، كونه يشكّل مشكلة أساسية بسبب تأثره بارتفاع درجات الحرارة، إذ تصل في غالبية مناطق البلاد إلى أكثر من 50 درجة مئوية. في هذه الحالة فإنّ “القير العادي” لا يستطيع مقاومة الحرارة العالية، إضافة إلى وجود أحمال غير مسيطر عليها، وبالتالي تؤدي كل هذه الأمور إلى تهالك الطرق، فتكثر فيها التخسفات.
بيد أنّه أشار الى أن التقنية التي وصلت إلينا واستخدمتها قبلنا الدول الرائدة في مشاريع الطرق، ساعدتنا في حل هذه المعضلة باستخدام المواد المضافة إلى الإسفلت، التي جرى تعميمها في طرق العراق كافة، بحيث لا توجد طبقة نهائية إلا “بالقير المحسّن”. ففي طريق دورة – يوسفية استخدمنا في الطبقة النهائية القير المحسّن الذي تستخدم فيه مادة مضافة وخلطات من مناشئ أوروبية، فالقير والإسفلت ينتجان من مواد جيّدة جدّاً، ويجري العمل بهما في كل المشاريع التي أنجزت في العام 2019.
وبيّن عاجل أن هذا الموضوع اعتمد عراقيا منذ العام 2014، لكن حرب داعش وجائحة كورونا أجلتا العمل بها، وبعد أن انتهت هذه الأزمات نفّذت في الطرق العراقية. فقد تمكّنت الملاكات الهندسية والفنية من إنتاج المزيج القيري بسعات مختلفة تصل الى 250 طناً في الساعة رغم الأزمة المالية التي كانت تمر بها البلاد، مبيناً أنّ المعامل موزعة بين محافظات الديوانية والنجف وواسط وكركوك، فضلاً عن العاصمة بغداد.
وتعمل الشركة على زيادة إنتاج معامل الإسفلت لمادة القير في المدّة المقبلة للنهوض بواقع الخدمات المقدّمة للمشاريع العمرانية في عموم البلاد وقد انتشرت معامل إنتاج المزيج القيري في الـ 14 معملاً للإسفلت في عموم المحافظات.
ويحتوي كل معمل إسفلت على خزانات للتغذية الباردة تخزّن المواد بأحجام مختلفة وتنقلها إلى النظام حسب وصفة المنتج، كما يشتمل على معدات التغذية لمصنع الإسفلت، إضافة إلى أن خزانات التغذية الباردة لها تصميم وظيفي بسبب الأجزاء المثبّتة بمسامير، سهل التنصيب، وبفضل جسم الصومعة العالي القوّة والجسم الملتوي، لا يحدث أي تشوّه في خزانات التغذية الباردة تحت الضغط، وتجري عملية تغذية المنتج بدقة بفضل ناقل الجرعات المتحكّم فيه بالتردّد.
حماية الطرق من الأوزان الثقيلة
من جهته دعا الخبير عدنان أحمد مظلوم الى مزيد من الاهتمام بموضوع الطرق البرية وتطويرها وحمايتها من نقل البضائع ذات الحمولات العالية، فهي تتحمل 99% من مجمل النقل في العراق، مشيرا الى أهمية جعل الطرق والجسور إما وزارة أو هيئة مستقلة وتأمين كل متطلباتها من تخصيصات ومتابعة، مشيرا الى أن حل مشكلات الطرق يتطلب جهداً فنياً وقانونياً وإدارة ناجحة لهذا الموضوع، مقترحا تطوير السكك وربط كل المدن والمنافذ بسكك متطورة، وحصر نقل الحمولات بالقطارات حصرا.