الشبكة العراقية/
أساليب وبدع غريبة لاتمت بصلة لما يؤمنون به سوى التمسك بالسلطة وتغذية ذاتهم ونرجسيتهم المريضة وسعيهم الى تخليدها. فسلوك الطاغية صدام حسين كان محيرا عندما سعى إلى غزو الجنس الأدبي: الرواية الملحمية، بمساعدة بعض الكتاب.
وكانت أول تلك الأعمال وأشهرها هي رواية «زبيبة والملك» . ثم أصدر بعدها ثلاث روايات – «القلعة الحصينة» و«الرجال والمدينة» و«اخرج منها يا ملعون» لكن أغرب سلوكياته تلك التي عبر عنها بخط القرآن بدمه، الدوافع المريضة وهوس تخليد الذات جزءان مرتبطان بكل أعمال صدام وهما لاينفصلان عن اقتحامه ميدانا يعزز سلطته ويشبع غريزيته، لكن خلف كل عمل لصدام ثمة أحداثا لم يماط اللثام عنها.
“الشبكة” تكشف في هذا التقرير الجوانب الخفية من تفاصيل بدعة خط القرآن.
الحصول على إذن شرعي
كان لابد لصدام من أن يحصل على اذن شرعي بخط كتاب القرآن الكريم بدمه، وهو أمر مستحيل في الحسابات المنطقية لكن الطغاة لايضعون لتلك الحسابات أدنى اهتمام.. فالقرآن صريح ويؤكد في سورة المائدة الآية الثالثة أن الدم حرام بقوله تعالى:
“حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ”
ومع ذلك تمكن صدام بسهولة من تشكيل هيئة من “علماء ومشايخ” أفتوا له بما يريد ولم يأخذوا بالاعتبار أن الدم نجس.
تبدو فكرة خط القرآن في اطارها العام فكرة ترتدي الهالة الدينية وتدغدغ مشاعر شعوب يشكل الدين ركنا حيويا في وجودها وتكوينها لكنها ليست سوى نزوة طاغية وفي جوهرها، انما تلبس ثوب الباطل بكل تفاصيله فضلا عن الاشكالات الشرعية.
ومع شروع صدام بالعمل بمشروعه تحضر جوانب أخرى لاتعني الطغاة الا وهو البعد الانساني في التعامل مع منفذي نزوته.
ولتنفيذ هذه النزوة اختير أشهر خطاط في العراق وهو عباس البغدادي, كان البغدادي يعتاش على راتب محدود لايكاد يكفيه لتوفير الحاجات الأساسية لعيشه.
قصة الخطاط عباس
بدأت قصة الخطاط عباس شاكر جودي مع كتابة القرآن بدم صدام حسين حين استدعاه الطاغية إلى مستشفى ابن سينا في بغداد حيث كان يزور ابنه عدي الذي تعرض وقتها لمحاولة اغتيال في تلك الفترة وطلب منه أن يخط القرآن بدمه.
وافق البغدادي على الفور على تنفيذ الفكرة، والحق لم يكن أمامه خيار آخر، فضلا عما ينتظره من مغريات مادية لم يحصل عليها عباس من قبل.
شرع الرجل مباشرة بالعمل لكتابة السور الـ114 من القرآن في مهمة استغرقت سنتين بمساعدة طلبته وأبرزهم مثنى العبيدي وهو ابن الدكتور في كلية العلوم الاسلامية حميد العبيدي. وقد عرض العمل بعد الانتهاء منه في متحف أم المعارك ببغداد.
المهمة لم تكن سهلة, فقد حصل البغدادي على أول قارورة من دم الرئيس وبدأ العمل مباشرة, وقدم بعد أسبوع نموذجا” صفحة مكتوبة بدم صدام” لكي توافق عليها لجنة شكلت خصيصا لذلك, وكان دور لجنة الخبراء، فضلا عن دراسة دقة النص التأكد من أن الدم سيقاوم مرور الزمن.
العمل ليلا نهارا
وينقل المقربون ممن عملوا مع الخطاط عباس البغدادي الصعوبات الجمة التي واجهها الرجل حيث إن الدم كان كثيفا جدا ولم يتمكن من العمل به. ونصحه صديق له يعمل في مختبر بخلطه بقطرات من مركب يشبه الغلوكوز. وقد نجح الأمر. في بعض الأحيان ،كان عباس ينتظر عدة أيام أو حتى أسابيع من أجل الحصول على دم الرئيس الذي بلغ 27 ليتراً استخدمها الخطاط كحبر لكتابة القرآن., بينما كان هو واللجنة المراقبة للعمل على عجلة من أمرهم لإنجاز المهمة وكان يعمل ليلا نهارا لإنجازها.
عباس المواطن العراقي لم يكن يمتلك حتى جواز سفر.. لقد منع من اقتنائه لأن السلطات كانت تريد التأكد من بقائه في العراق وكان راتبه يبلغ 54 ألف دينار عراقي (24 دولارا آنذاك) وأنه تلقى مقابل إنجاز القرآن أقل من 3000 دولار, وهو المبلغ نفسه الذي تلقاه كل عضو من لجنة المراقبة التي كلفت آنذاك بمتابعة العمل وكانت تضم عدة أساتذة جامعات وأئمة مساجد وخطباء منهم عبد الكريم السعدي وعبد الغفار العباسي.
عقوبة من الله
كاد الخطاط عباس البغدادي أن يفقد نظره تقريبا في هذا العمل، هذا ماذكرته زوجته التي كانت تصاب (بقشعريرة) في كل مرة تفتح فيها الثلاجة وترى قارورة دم الطاغية وترتعب وكانت بحسب روايات المقربين تقول لزوجها عباس أن ألم عينيه قد يكون عقوبة من الله لان هذا العمل حرام ويغضب الله.
ويعترف الخطاط بأنه ساورته شكوك حول الشرعية الدينية لعمله لكنه يقول لم يكن لدي الخيار. أن أقول (لا) لصدام يعني الحكم بالاعدام.
اختفاء قرآن الدم
رئيس الوقف السني السابق في العراق الشيخ أحمد السامرائي قال ان ما فعله صدام كان خطأ، وكان حراما من الناحية الدينية، إلا أنه عمل على حماية هذه النسخة خلال فترة السلب والنهب والفوضى التي عمت اجزاء واسعة من البلاد في الاسابيع التي تلت سقوط النظام، وأنه خبأ تلك النسخة في بيته وبيوت أقاربه, ومنذ ذلك الوقت ظل المصحف بعيداً عن الأنظار، ومخفياً خلف أبواب مغلقة, في القبو الملحق بمسجد أم المعارك.
السامرائي ذكر أن الحكومة كانت تسعى خلف نسخة المصحف لذلك قررنا حمايتها.. ولكننا نعتبر أن ذلك كان صعباً, فهناك ثلاثة مفاتيح لم يكن أي منها محفوظاً في مكان واحد, كان عندي واحد منها، وعند قائد شرطة المنطقة مفتاح ثان، أما الثالث فكان في منطقة أخرى من بغداد. وكان لا بد من قرار تصدره لجنة للسماح بدخول القبو.
رأي الأزهر
اثنان من علماء الأزهر في القاهرة اكدا أن خط القرآن بالدم حرام وقال محمد عبد المنعم البري أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر وامين جبهة علماء الأزهر ويحيى اسماعيل حلبوش رئيس جبهة علماء الأزهر أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر: أنه لايجوز كتابة القرآن بالدم لان الدم نجس والله قال في كتابه العزيز عن القرآن لايمسه الا المطهرون” كما قال تعالى ” حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير” وبالتالي فأن القرآن لاتجوز كتابته بالدم. سبق للأزهر أن أصدر فتوى وقعها شيخ الأزهر جاد الحق نصت على تحريم كتابة القرآن بالدم رداً على استفسارت عدد من المسلمين.