رغد دحام/
ألحق تنظيم”داعش” الإرهابي دماراً جسيماً وخراباً لاتخطئه عين مراقب في المدن التي قبعت تحت سيطرته، بيد أن أخطاراً أخرى غير منظورة تمثلت بتأثيره على سلوك المجتمع، لاسيما الأطفال الذين عمل التنظيم على غسل أفكارهم، ماخلق شخصية عنيفة وغير سوية تأثرت سريعاً بالأفكار المتطرفة التي زرعها التنظيم في عقول هؤلاء الأطفال.
منظمة العفو الدولية أكدت في تقرير لها أن “بنات لم تتجاوز أعمارهن 11 سنة لم يسلمن من الاغتصاب، بينما أكره الصبيان على الالتحاق بالتدريب العسكري، ولُقنوا كيف يقطعون رؤوس البشر، وأجبروا على مشاهدة أشخاص يعدمون أمام أعينهم.”
علاوة على تأثر الشرائح الشبابية من المراهقين وقليلي الوعي والثقافة بتلك الأفكار، فسرعان ما انجرفت هذه الشرائح إلى موجة الإرهابيين لتجد حواضن ترسخ قيماً ومفاهيم مختلفة عن تلك التي اعتادها المجتمع العراقي قبل دخول الإرهاب إليه.
قصص مرعبة
أكثر من قصة مرعبة حدثت في مدينة الموصل الحدباء إبان سيطرة عصابات داعش الإرهابية لعل أكثرها رعباً قصص تلك العوائل التي استخدمتها عصابات داعش الإرهابية كدروع بشرية في معركة تحرير المجمع السكني في مدينة الموصل، والتي أثرت بشكل كبير في سرعة إنجاز تحرير المجمع حتى ألغي دور الطيران بسبب استخدام داعش لنساء هذه العوائل كدروع بشرية لحماية القناصين المنتشرين على عدد من مباني المجمع السكني والذي حال دون القضاء عليهم عن طريق القصف الجوي.
في سياق مشابه، عمد الدواعش خلال العمليات العسكرية الجارية في الجانب الأيمن لمدينة الموصل وبعد محاصرتهم في أحد الأحياء إلى التحصن والتدرع بالأطفال حتى رصدت القوات الأمنية والأجهزة الاستخبارية عدداً كبيراً من الرهائن الرضع لدى مقاتلين داعش خصوصاً الأجانب منهم.
فجوة في النسيج
لقد أحدثت عصابات داعش الإرهابية فجوة كبيرة في النسيج المجتمعي والثقافي لمدينة الموصل والمعروفة بتنوعها الثقافي والعرقي، حيث عمدت خلال سيطرتها إلى زرع الفتنة وتهجير العديد من القوميات والديانات التي كانت تقطن المدينة،علاوة على اتباعها أسلوب التصفية العرقية، وهذا ما حدث مع أبناء الديانة الإيزيدية حيث تعرضت إلى أكبر تصفية عرقية عرفها العراق خلال تاريخه الحديث، ومن هنا ندرك أن وجود عصابات داعش الإرهابية أحدث تغييراً كبيراً في المجتمع الذي سيطرت عليه ويقع على الحكومة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وضع حلول عاجلة وآنية لتدارك الواقع الاجتماعي في تلك المناطق.
أساليب وحشية
ويؤكد قائد القوات الخاصة الأولى الفريق الركن سامي العارضي أن “عصابات داعش الإرهابية انتهجت أساليب بالغة الوحشية مع العوائل الموجودة في المناطق التي سيطرت عليها”، مشيراً إلى أن “الإرهابيين قاموا بخطف الفتيات المراهقات لتلك العوائل وإجبارهن على الزواج القسري من عناصرهم الأجانب، علاوة على اختطاف الأطفال دون سن الـ13 وزجهم في معسكرات تدريبية تحت مسمى أشبال الخلافة وإجبارهم على مشاهدة الإعدامات وذبح المدنيين.”
وأضاف العارضي أن “القوات الأمنية كانت شاهدة على مآسٍ متعددة لتلك العوائل حيث رصدت الأجهزة الاستخبارية عدداً من العوائل ممن انشق أبناؤها والتحقوا بالعصابات الإرهابية بالرغم من بقاء الأب والإخوة إلى جانب القوات الأمنية.
وبيّن قائد قوات النخبة أن “من مفارقات عمليات التحرير تسليم عدد من الآباء أبناءهم ممن انضووا تحت راية عصابات داعش الإرهابية حال دخول القوات الأمنية إلى المدينة”، لافتاً إلى أن “أغلبهم كانوا من المراهقين الذين اعتبرتهم القوات الأمنية من المغرر بهم بعد اجراء العمليات الاستخبارية بحقهم.”
من جانبه، أكد قائد عسكري ميداني في قاطع محافظة الأنبار رفض الكشف عن اسمه أن “العوائل العراقية بدأت بالعودة إلى أحضان الأعراف والتقاليد التي طالما تعودت وتربت عليها خصوصاً بعد تطهير جملة من المناطقة الغربية من المحافظة.”
وأكد أن “الأهالي أسهموا خلال الأيام الماضية في إحباط التعرض الذي شنته عصابات داعش الإرهابية على منطقة الخمسة كيلو من خلال رفع الأسلحة والقتال إلى جانب القوات الأمنية لإفشال واحباط التعرض، وفعلاً نجحوا في ذلك وكبدوا عصابات داعش الإرهابية خسائر بشرية ومادية كبيرة تمثلت بإبادة القوة المهاجمة.”
واسترسل أن “هذا التعرض دفع الكثير إلى الاعتراف على عدد من عناصر عصابات داعش الإرهابية المندسين بين العوائل او الذين اتخذوا من صلات القرابة بالأهالي دروعاً لحمايتهم من السطوة الأمنية.”
وأشار إلى أن “الأسر العراقية باشرت بإعادة ترسيخ القيم والمفاهيم العربية في نفوس أبنائها لاسيما الأطفال منهم ومحو جميع المخلفات والآثار السلبية الناتجة عن سيطرة الإرهاب.”
وعاش العديد من أطفال مدينة الموصل كعبيد في بيوت عوائل التنظيم التي استخدمتهم للخدمات، وكبر العديد من الأطفال في مجتمع الرق الذي خلقه التنظيم ونظم أسواقه دون أن يعرفوا أسماءهم،وحتى بعد تحريرهم من قبضة التنظيم عاش الأطفال محنة التشتت ووصعوبة الوصول إلى عوائلهم.
الجهل والظلم
وتعتقد عضوة لجنة الأسرة والطفل النيابية انتصار الجبوري أن “أبرز مخلفات عصابات داعش الإرهابية على الأسر الموصلية بشكل خاص كان الجهل والظلم الذي عم وانتشر بشكل كبير بين الأطفال والمراهقين، والذي انعكس كحالات من الاضطرابات النفسية والكآبة لدى الكثير منهم”، مؤكدة أن “الخوف من القتل من أهم المخاوف التي تركتها العصابات الإرهابية في نفوس المدنيين.”
ودعت الجبوري إلى “ضرورة تكريس دور الحكومة والمؤسسات المعنية بالأمر على المشاريع التنموية للعمل على إعادة تأهيل وبناء الإنسان الموصلي من جديد وإزالة الآثار السلبية والوحشية كافة التي خلفها الدواعش.”
مؤكدة على ضرورة “تحسين الواقع الاقتصادي من خلال دفع الرواتب المتراكمة للموظفين وإعادة بناء الحياة بصورة جديدة من خلال فتح المحال التجارية ومراكز التسوق لإعادة الاطمئنان إلى الأسر المتخوفة من الإرهابيين إلى وقتنا هذا.”
وقال الأكاديمي والباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي إن “على الحكومة معالجة الآثار السلبية التي خلفتها عصابات داعش الإرهابية عبر استغلالها للطفولة وتغيير الاتجاه المجتمعي نحو التفكك الأسري، ونشر ثقافة التمرد بين المراهقين.”
وبيّن الخفاجي أن “من أهم المعالجات الواجب على الحكومة اتباعها تغيير المناهج الدراسية التي فرضتها عصابات داعش الإرهابية على المدارس إبان سيطرتها، علاوة على تغيير أسلوب العنف الديني من خلال تجديد مادة الإسلامية إلى تربية الأخلاق الدينية وتغيير الأسماء التي حاولت داعش ترسيخها في النفوس.”
ولفت إلى ضرورة “زرع ثقافة الاختلاط بين العوائل التي سيطرت عصابات داعش الإرهابية على مناطقها والعوائل في المناطق الجنوبية والوسطى من خلال تشجيع الهجرة والعيش في المدن المحررة وتقديم مغريات حول الهجرة، والعكس، ليسهم هذا الاختلاط بتلاقح الأفكار بين العوائل واعادة ترميم الأواصر الاجتماعية داخل النسيج العراقي الواحد
ومن هنا يجب على الحكومة الأخذ بنظر الاعتبار كل الآثار والمخلفات التي تركتها عصابات داعش الإرهابية في المجتمع الذي سيطرت عليه لسنوات، والعمل على تكريس جهد لا يقل عن الجهد العسكري في تخليص المجتمع من هذه المخلفات التي قد تسبب الدمار للأجيال المقبلة وتسهل من أي اختراق جديد لتلك المجتمعات من خلال ترصين الصفوف للمجتمع الواحد وترسيخ روح المواطنة فيه.