الموصل / ضحى مجيد سعيد/
موقعٌ أثري موصلي جميلٌ ومهم، لم يسلم من خراب ودمار العصابات الإرهابية ومن وقف معها، فقد استخدم مقراً ومخرناً لهذه الجماعات الظلامية التي تسببت بدماره ومحو آثاره بنسبة وصلت إلى ٩٠٪، لكنه لم يستسلم وعاد من جديد متألقاً متأنقاً بعد أن شملته أيادي الإعمار بجهود دولية ومركزيه ومحلية. فقد أعلن (بيت التوتنجي) عن نفسه معلماً أثرياً متجدداً، وفتح أبوابه للجميع في الربع الأول من هذا العام..
خلال جولتنا في الموقع المعاد ترميمه وإعماره، حدثنا السيد (رويد موفق محمد الليلة)، مفتش آثار وتراث نينوى، قائلاً: “يقع البيت في محلة (سوق الصغير)، وهي إحدى محلات مدينة الموصل القديمة على الطريق الذي يربط شارع (السرجخانة) بشارع النجفي، بالقرب من جامع النعمانية في المنطقة التي تُعرف بـ (سوق القطّانين)، ويُعرف في الوقت الحاضر باسم (بيت التوتنجي) نسبة إلى مالكه في نهاية القرن الماضي الحاج مصطفى أغا بن محمد التوتنجي، المتوفى سنـــــــــة 1902 م، ثم انتقل البيت إلى ملكية الآثار عند شرائه من مالكيه سنة 1979 م. ويعود تاريخ بنائه إلى سنة 1815م ـ كما مثبت على الشريط الكتابي من حجر الفرش الذي يُزين أعلى نوافذ الغرفة الكبيرة في الجناح الغربي من الداخل، وتبلغ مساحة البيت 602 متر مربع، تضاف له مساحة الجناح الخدمي البالغة 213 متراً مربعاً لتصبح المساحة الكلية للمبنى بحدود 816 متراً مربعاً.”
داعش يدمر المبنى
يضيف مفتش أثار نينوى أنه سبق “أن جرت صيانة المبنى بالكامل عام 2013 من قبل كوادر مفتشية آثار وتراث نينوى، إلا أنه تعرض إلى أضرار كبيرة بسبب سيطرة عصابات داعش الإرهابية على المدينة واستغلاله من قبلهم، حيث بلغت نسبة التدمير بحدود 90 %” موضحاً: “قمنا بزيارة البيت في مطلع شهر كانون الثاني من عام 2019 واختياره ضمن أعمال وزارة الثقافة والسياحة والآثار والهيئة العامة للآثار والتراث، في إعادة إعمار المباني التراثية المتضررة في مدينة الموصل، وباشرنا بمشروع إعادة البناء والترميم للمبنى بتاريخ 2019/11/3 بدعم من منظمة (أليف ALIPH) وجامعة بنسلفانيا، وبتنفيذٍ وإشرافٍ مباشر من قبل الكوادر الآثارية في مفتشية آثار نينوى والمكتب الاستشاري الهندسي في جامعة الموصل، وفي يوم 7 اذار 2024 أُعلن عن افتتاح بيت التوتونجي بعد الانتهاء من أعمال البناء والترميم.”
أعمال الصيانة
وأشار السيد رويد الى أن “البيت يتكون من طابقين وسبع غرف كبيرة، وثلاثة أواوين وسرداب ومدخل ومجموعة من الأروقة، اتخذ أحدها مدخلاً في الوقت الحاضر، ومجاز ودرج يفضي إلى الطابق العلوي ومنه إلى السطح، تطل هذه الأبنية على فناء داخلي (الحوش) الذي أبعاده (11x 14م)، تضاف إليه قنطرة قوس مدبب تقع على طريق المارة من مدخل البيت. وفي سنه 2013 انتهت اعمال الصيانة في البيت واستكملت التفاصيل التي يحتويها كافة. لكن عند احتلال عصابات داعش -كما ذكرنا- لمدينة الموصل جرى استغلال هذا البيت من قبل هذه العصابات للعيش فيه او استخدامه كمخازن لهم، حتى تحرير مدينه الموصل. وفي آخر أيام المعارك قصف البيت وتدمرت المنطقة من حوله بشكل كامل، وتحول إلى ركام مع بقاء أجزاء قليله منه، إلا أنها أيضاً كانت متضررة بشكل كبير.”
تاجر التبغ
بدوره، حدثنا (مصطفى يحيى فرج)، مسؤول وحده إعلام آثار وتراث نينوى عن تفاصيل البيت قائلاً: “شَيّدَ البيت أحد أثرياء مدينة الموصل عام 1817 م، وآخر من كان يسكنه هو الحاج مصطفى آغا التوتنجي، وهو ذات الشخص الذي باع البيت الى الهيئة العامة للآثار والتراث عام 1979م. أما عن كنية (التوتنجي) فهي تعني تاجر التبغ، والبيت غير مدرج على لائحة التراث العالمي، لكنه مؤهل لاستقبال الزوار، وهناك خطط لتحويله إلى متحف للتراث الشعبي، كما أقيمت فيه بعض الانشطة الثقافية.” وعن تفاصيله ووصفه أوضح فرج:
القنطرة
جرى إعمار القنطرة وصيانتها، فعادت من أجمل ما يكون، إذ إنها أنجزت بنفس المواد الأصلية وبنفس المواصفات التراثية، إلا أنها تحولت إلى كومة ركام من قبل عناصر داعش، فأعيد بناؤها كما كانت. يتكون البيت من جهته الشرقية من إيوان يعلوه قوس مرمري مدبب، ويستمر في العقدة إلى صدر الايوان، جدرانه مغلفة بالمرمر، على جانبية شبابيك وأبواب الغرف الجانبية، يلي ذلك شريط جصي مزين بخط الثلث الجلي، بشكل تراكيب على أرضية من الزخرفة النباتية، فيها سجل تاريخ إكماله 1232هـ، يلي ذلك السقف المبني بعقدة المهد وهو مزين بالنقوش المصبوغة باللون الأزرق وأرضيته المبلطة بألواح المرمر، وقد تهدم بالكامل ولم يبقَ من الإيوان سوى القطع المرمرية المغلفة للجدار، الذي أعيد بناؤه وتجديده.