رأس السنة الإيزيدية.. عيد الخلق وبشارة الربيع

بغداد / ريا عاصي/
احتفل أبناء الطائفة الإيزيدية في العراق بعيد رأس السنة الإيزيدية، الذي يصادف أول اربعاء من شهر نيسان الشرقي من كل عام، وهو أحد أهم أعياد الإيزيديين الذين يعدونه عيداً للخلق وبشارة الربيع.
ومع أن هذا العيد لا يستمر لأكثر من يوم واحد، إلا أن احتفالات الإيزيديين تمتد الى معظم أيام نيسان، احتفاء منهم بالربيع، مثلهم مثل غالبية الديانات العراقية القديمة. وفي ليلة العيد تقوم العوائل الإيزيدية بذبح خروف كقربان للرب وشكره لأنه نصر الملك (طاووس) الذي حارب وانتصر في معركته مع الشر، على حد اعتقادهم. ومن ثم يقيمون مآدب الطعام التي يتشاركونها مع المحتفلين لسبعة أيام.

معبد لالش
وعند صباح الأربعاء يتوافد الزائرون على معبد لالش قادمين من مدن وبلدان عديدة. يقع هذا المعبد في جبل سنجار غربي محافظة دهوك، ويعد من أقدس أماكن عبادات الإيزيديين، حيث قبل وصولهم الى مكان المعبد بما يقارب الكيلومترين يقوم الوافدون بخلع أحذيتهم والتوجه حفاة الى نبع مياه يتوضأون بمائه ويرشون بعض الماء على حجر أمام نبع الماء، فبحسب معتقداتهم أنه الحجر الذي ظهر بعد الطوفان لنبي الله نوح. بعدها يحمل كل زائر شعلة من نار يجري إيقادها بزيت الزيتون الذي يستخلصونه داخل الكهوف القريبة الى معبد لالش من ثمر أشجار زيتون جبل سنجار.
قناديل العيد
يسكن معبد لالش ثلاثة أشقاء من الطائفة الإيزيدية نذروا أنفسهم لخدمة المعبد، وهم زاهدون في الحياة، إذ يقوم أحد هؤلاء الأشقاء بإشعال 366 شعلة من القناديل حول معبد لالش، رمزاً لبداية العام الجديد، وكل شعلة تمثل يوماً من أيام السنة. عند أحد ابواب المعبد نحتٌ في الجدار يمثل أفعى سوداء، يعتقد الإيزيديون بأنها رمت بجسدها على أحد شقوق سفينة نوح لتمنع غرقها، مضحية بحياتها، لذلك فإن هذه الأفعى مقدسة في ديانتهم.
الزرع والنماء
إن أكثر أعياد الإيزيديين ترتبط بالمواسم والزرع، وبما تجود به الأرض، حالهم حال معظم الشعوب التي تحتفي بخيرات الأرض. ويشترك الإيزيديون مع بقية الأديان في أعياد أخرى، فتجدهم مثلاً يحتفلون بعيد الأضحى، ويقيمون صلاة ليلة القدر في رمضان على الجبل، كما أنهم يحتفلون بعيد خضر الياس الذي تحتفل به غالبية الطوائف العراقية من مسيحيين ومسلمين ومندائيين.
شهد احتفال هذا العام توافد العديد من العائلات الإيزيدية المهاجرة بعد استتباب الأمن في مناطقهم التي شهدت أقسى أنواع التهجير والتنكيل والإبادة خلال فترة سيطرة داعش الإرهابي (2014 – 2018). يعيش الإيزيديون البالغ عددهم نحو المليون ونصف المليون في دول المهجر، أما في العراق فيقارب عددهم الـ 700 ألف نسمة، يعمل غالبيتهم في زراعة الزيتون والسمسم وصناعة الأغذية مثل زيت الزيتون والراشي. ويتركز الإيزيديون في محافظتي دهوك والموصل وبعض القرى الكردية، كما يوجد قسم منهم يعيشون في سوريا وتركيا. يتحدثون باللغة الكردية (البادينانية) او (الكرمانجية) وبعضهم لغته الأم هي العربية، لذلك يعتقد أميرهم الراحل (تحسين بك) أن الديانة الإيزيدية هي قومية كذلك. وهم أكثر أقلية سكنت وادي الرافدين وتعرضت للإبادة في مختلف الحكومات التي حكمت العراق، إذ تعرض الإيزيديون الى 72 إبادة جماعية.
لكن الدولة العراقية اليوم تعمل على رد اعتبار هذا المكون الأصيل في العراق، لذلك يوجد في البرلمان العراقي من يمثلهم، كما أن حكومة كردستان أعلنت أن أعياد الإيزيديين عطل رسمية منذ 2020.
يُقام عيد الإيزيديين للاحتفال ببداية السنة الزراعية الجديدة، وهو يوم يصادف بداية الربيع، عادة في أوائل نيسان (إبريل) من كل عام. يُعتبر هذا العيد فرصة للتجديد والبدايات الجديدة، وتحتفل الطائفة بوقوفها على رأس السنة الزراعية بأمل الخير والثمرات الوفيرة في الموسم المقبل. وتشمل الاحتفالات العديد من النشاطات الثقافية والدينية، مثل الصلوات الجماعية والأنشطة الترفيهية والاحتفالية مثل الرقص والغناء وتبادل التهاني والهدايا بين الأفراد. كما تعتبر هذه المناسبة فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتعزيز الهوية الثقافية للطائفة الإيزيدية، وتجسيد الأمل والتفاؤل بموسم زراعي مزدهر مليء بالبركات والأمان والرخاء.