بغداد : ملاذ الأمين
تصوير : حسين طالب/
يتبنى العديد من الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا واليابان، معايير ونظماً لتقييم أهمية الأعمال التي تقوم بها الشركات والمؤسسات والأفراد، أطلق عليها (إدارة الجودة) بهدف تطوير مؤسساتها وأعمالها، وبالتالي إحداث قفزة تنموية تقود الى تقدمها العلمي والاقتصادي.
إدارة الجودة هي منظومة ستراتيجية يضعها خبراء تهدف الى استثمار الموارد البشرية والطبيعية عبر أساليب علمية تحفز العاملين على الإبداع.
وقد حققت الدول التي عملت بمنظومة الجودة الشاملة نجاحات اقتصادية وعلمية دفعتها الى مصاف الدول المتقدمة، كما حدث ذلك في عدد من دول شرق آسيا. ومنذ العام 2013 سعى العراق الى تطبيق هذه المعايير، لكن الحرب مع داعش والمناكفات السياسية عطلت هذا المشروع الحيوي. وتعمل حكومة دولة رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني على تفعيل العمل بهذه المنظومة إيمانا منها بأن النجاح في تطبيق هذه المعايير يدفع التنمية ويطور مؤسسات البلاد.
يوضح رئيس قسم إدارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي في شبكة الإعلام العراقي، باسم غفوري، مفهوم الجودة الشاملة بأنها “منظومة متكاملة من البحوث والدراسات العملية، التطبيقية والتنفيذية، لمشاريع ستراتيجية ومؤسساتية، تشمل جميع المؤسسات الخدمية والأمنية والصحية والإنتاجية وشركات القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمختلط، تتوافق في الرؤى العلمية، وتنسجم في المناهج التطبيقية، وتعنى أيضاً بتنمية الموارد البشرية الوظيفية وكيفية استثمارها بالطريقة المثلى في إنتاج (الإبداع الوظيفي) بمختلف اختصاصاته العلمية وعناوينه الوظيفية، التي من شأنها أن تنعكس على خدمة موارد التنمية البشرية المتعلقة بالدولة والمجتمع والمواطن، كما أن إدارة الجودة بالمفهوم العام تعد مشروع الدولة المؤسساتية الخادمة الراعية لحقوق مواطنيها.”
تحفيز قدرات الموظف
ويؤكد غفوري في حديثه مع “الشبكة العراقية” أن “هذا المشروع العالمي للدولة الخادمة، يعنى بالاهتمام في تحفيز قدرات الموظف غير المنتج، ودعم المنافسة للموظف المثابر القادر على إنتاج المعارف بطريقة علمية حداثوية بما ينسجم مع مستوى سعيه للإبداع.
وتمثل الجودة الشاملة فلسفة علمية لإدارة وتطوير الجودة لمؤسسات الدولة، وهي متكاملة ومترابطة ترتکز إلى عدد من المفاهيم الإدارية القائمة على الحداثة وتقدير الجهود الابتکارية والخبرات المتخصصة. وقد بدأ تطبيق هذه الفلسفة في العديد من المؤسسات لإنتاجها خدمات رصينة للوصول إلى النجاح العمراني والخدمي لتحسين معيشة مواطنيها ومنافسة مثيلاتها في الدول الأخرى “.
ولفت غفوري إلى “نجاح تطبيق المشروع في بواكير تطويره في العديد من الدول المتقدمة، مثل بريطانيا وأميركا واليابان وفرنسا والصين واستراليا ودول شمال أوروبا، بينما جاء إلينا منذ عدة سنوات وطبق في دول عالمنا العربي التي واكبت التطور العلمي والتكنولوجي والعمراني بجميع اشكاله الخدماتية “.
وأوضح أن “إدارة الجودة الشاملة والتطوير، هي منظومة مترابطة في السعي لإنتاج الموظف المثابر المبدع، في كيفية تقييمه وتقويمه واستثمار خبراته وطاقاته وإدارتهما بالشكل الأمثل، ومحاولات دائمة لتحفيزه ومكافأته على نتاجاته الإبداعية، غير النتاجات الروتينية السطحية المألوفة.. كمثل تطبيق آلية الموظف الذي ينال علامة (الرضا الوظيفي)، كذلك آلية اختيار وتقييم (الموظف المثالي) بالكيفية الموضوعية، بعيداً عن العلاقات الشخصية والمحسوبية. كل حسب اختصاصه ونوع عمله الوظيفي.”
مشروع إدارة الجودة الشاملة
في العراق
أضاف غفوري قائلاً إنه “لابد من أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه هذا المشروع الوطني سداً منيعاً للحد من الفساد الإداري والمالي والقضاء على المحسوبية، كما لابد من أن يأتي اليوم الذي يصبح ستراتيجية عامة ومنهاج عمل وتقييم وشغلاً شاغلاً لجميع المؤسسات الأمنية والخدماتية والإنتاجية والهيئات غير المرتبطة بوزارة وشركات القطاعات الخاص والمختلط والمنظمات الربحية. إذ إن مشروع إدارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي، بعد قطف ثمار برامجه وأهدافه، من شأنه أن يعيد دورة إنتاج الدولة العراقية التي أسست في مطلع عشرينيات القرن الماضي، التي لطالما لمسنا ملامح تطورها في العهد الملكي والعهد الجمهوري القاسمي، برغم المناكفات السياسية، لكنها سرعان ما تراجعت كثيراً في عهد النظام الدكتاتوري لحكم البعث الشوفيني.”
معوقات تطبيق المشروع
وأشار غفوري الى أن “العراق تبنى هذا المشروع من خلال الأمانة العامة لمجلس الوزراء في العام 2013 برعاية الدكتور علي العلاق، لكنه توقف بعد خوض المعارك التاريخية لجيشنا وحشدنا الشعبي في محاربة الإرهاب الداعشي الذي تعرض له بلدنا الحبيب، وتسجيل أروع الملاحم البطولية، وبعد الانتصار على الإرهاب بفضل من الله، لم يرَ هذا المشروع النور بسبب التجاذبات والمناكفات السياسية للحكومات المتعاقبة، لكنه ظهر للنور مرة ثانية في مطلع العام 2023 بعد تسنم دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، وأعيد العمل بمواصلة تنفيذ المشروع الذي تتبناه الأمانة العامة لمجلس الوزراء وبجهد حثيث من لدن الأمين العام للمجلس الدكتور حميد الغزي ومحافظ البنك العراقي المركزي الدكتور علي العلاق، إذ جرى تشكيل فريق الجودة برئاسة مدير قسم إدارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الدكتور يعقوب يوسف حسن، من خلال إشراك جميع مدراء ورؤساء اقسام (إدارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي)، ودعوتهم الرسمية للمشاركة الفعالة في الشروع بالعمل بروح الفريق الوطني الواحد بعنوان (فريق الجودة الوطني) لجميع مؤسسات الدولة والهيئات المستقلة غير المرتبطة بوزارة وعموم محافظي المحافظات.”