#خليك_بالبيت
ريا عاصي /
العزلة هي فن البقاء وحيداً، لكن لسنا جميعا قادرين على العزلة، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه يبحث عن السعادة في مشاركته الأوقات السعيدة، وحين الحزن يبحث عن كتف يرمي عليه همومه وأحزانه، لذلك شارك الإنسان أخاه الإنسان في الولادة فرحاً وفي الموت حزناً، وكل الشعوب لها عاداتها التي تتشارك فيها الأفراح والأحزان في مجموعات كبيرة وبطرق مختلفة يعبرون عن فرحهم وحزنهم بصور شتى.
يوجد مثل نمساوي يقول إن الفرح عند المشاركة يكبر، وحين المشاركة يصغر..
حظر التجوال …
في السابع عشر من آذار 2020 تم إعلان حظر التجوال في العراق وقاية من جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، وبدأت العائلات العراقية تحاول أن تنجز بعض الأعمال المتراكمة والمؤجلة داخل المنزل، وبدأت رحلة البحث عن المشاريع المنزلية غير المنجزة، لكن بعد تمديد الحظر أعلن الرجل بشكل واضح تململه، فهو لم يعتد على أن يُحبس بين الجدران، وأغلب الرجال لا يساهمون في الأعمال المنزلية، فصارت الساعات تبدو طويلة وثقيلة لابد من تجاوزها بشكل سلس. وهنا بدأ الإبداع في فن العزلة والشعور بالبقاء وحيداً، وبدأت العائلات العراقية تتشارك عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أفكاراً تجعل من العزلة لا عقاباً أبوياً كما اعتدنا، بل تحولت لأوقات من البهجة والتشارك.
التربية والتعليم
منصة العراق التعليمية تعدّ من المنصات التربوية الناجحة والمتطورة، وقد أضافت إليها وزارة التربية منصة نيوتن، وهي أحد الحلول المستخدمة حالياً للدراسة عن بعد للطالب العراقي، بالرغم من المساوئ التي يعاني منها الإنترنت وشبكات الاتصال التي لم تسهم ولو بشيء يسير لتسهيل أمور الطلبة كما فعلت سائر شبكات الاتصال في العالم، وقد تفاعلت العائلات والطلبة لمتابعة منصة نيوتن ومتابعة الدروس عن هذا الطريق.
كما تطوع كثيرٌ من المدرسين والمعلمين للتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع طلبتهم، ومن ضمنهم الست سهير نيازي (مدرسة رياضيات من محافظة البصرة) التي، على الرغم من إحالتها إلى التقاعد قبل أوانها، فقد تطوعت للعمل مع طلبتها لحين انتهائها من المنهج الدراسي. واليوم تتواصل عبر فيديوات شرح مكثف لطلبتها مستعينة باليوتيوب، كما سخّرت صفحتها في الفيسبوك لهذا الغرض أيضاً، وعند سؤالنا إياها عن دوافعها لبذل هذا الجهد أجابت: الطلبة هم أبنائي، ومثلما أتمنى لأبنائي أعلى الشهادات والمناصب فطلبتي كذلك، وأنا مدرسة والمدرس صاحب رسالة، وأنا أستثمر كل أنواع التكنولوجيا التي تمكنني من التواصل والشرح مع الطلبة.
الطفولة
الممرض سعد الكعبي يحاول بطريقته الخاصة زرع الابتسامة على وجوه الأطفال المحجورين صحياً بسبب كورونا في مستشفى الحكيم بالنجف، فيشغّل لهم الموسيقى ويقودهم كالقطار في الممرات ويغني ويرقص معهم للتخفيف عنهم .
علي النداف، طفل عراقي يصنع الكمّامات ويتبرع بها، انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي في جميع البلدان العربية وكل بلد ينسب هذا الطفل له، فمنحته الجزائر والسعودية وتونس ومصر والأردن جنسياتها مدعية بأنه ابن بلدها ومفتخرة به، لكن الجميل في الأمر أن مراسلة الجزيرة التقته في أحد البرامج وحين سالته: ألا تغتاض حين ينسبونك لبلد غير بلدك؟ أجاب: كلا، بالعكس، ففعل الخير عابر للحدود، هذا الطفل ومبادرته هي من أعلى وأرقى المبادرات التي مرت علينا خلال هذه الأزمة.
الشباب والتكنلوجيا
نشرت شبكة “الآن” خبراً عن المهندس المعماري العراقي زيد زهير من مدينة الموصل الذي يصنع كمّامات طبية ويتبرع بها لدائرة صحة الموصل، في اللقاء يقول زيد: في الفترة المظلمة أثناء احتلال داعش للموصل كنت أقرأ عن الطباعة الحديثة المجسمة، وبعد التحرير اشتريت هذه الطابعة وأحبارها وكنت سعيداً جداً وأنا أقدم خدمة لبلدي في أثناء هذه الجائحة.
المهندس صلاح جهاد من بغداد طوّر روبوتاً ليسميه “الروبوت المضمد”، إذ يعمل مع المصابين ويتم التحكم به عن بُعد من قبل الكوادر الطبية لحماية الأطباء من العدوى، وهذا الروبوت مزود بكاميرا مراقبة ولواقط صوتية.
أحد أشهر التطبيقات العراقية للهواتف الذكية تطبيق “مسواك”، إذ خصص المهندسون المشرفون هذا التطبيق لجمع التبرعات للعوائل المتعففة عن طريق شراء إحدى سلال التسوق التي تبدأ من 15 ألف دينار حتى خمسين ألف دينار، وعن طريق التطبيق يمكنك اختيار سلة وعنوان لإحدى العائلات التي تود التبرع لها ويتولى العاملون في هذا التطبيق توصيل السلة.
منصة “كافتريا” الفيصلية اعتاد القائمون عليها تقديم عروض مجانية للأصوات والموسيقيين الشباب ليتم تقديمهم للجمهور والتعريف بهم، وبسبب جائحة كورونا توقفت هذه المبادرة لكنهم أعادوها إلكترونياً عن طريق تقديم عرض حي في الأنستغرام لأحد المواهب العراقية كل يوم أربعاء.
أما “البيت الآمن”
والسيد هشام الذهبي وأبناؤه فلديهم مبادرة تسمى مبادرة “جدو”، وهم يستقبلون التبرعات من العائلات العراقية ويوصلونها إلى العائلات المتعففة.
العائلات العراقية
في حين نظّم الشباب بالتعاون مع أمانة عاصمة بغداد حملة لتعفير الطرقات والبيوت وتعقيمها، وهو ما فعله أغلب أبناء العراق.
المجمعات السكنية الحديثة تقوم يوميا بالتصفيق والتهليل شكرا وعرفانا للكوادر الطبية التي تقف اليوم وجها لوجه مع وباء كورونا.
العزلة بالرغم من صعوباتها إلا أن العديد من العراقيين اليوم يحاولون جعلها عرفاناً بهبات الله تعالى من الصحة والسلامة والمحبة والتآخي.