السليمانية ــ ضحى مجيد سعيد/
كثيرون ممن يفرحون برداء الثلج وهو يغطي الجبال وسفوحها، هذا الزائر الأبيض تأتي طقوسه وذكرياته ومشاعره وهواجسه معاً، علاقة خاصة تجمع بين الثلج والناس والأمكنة، فهو الزائر الذي ينشر الجمال والنقاء والهدوء أينما حل، ولنا ونحن في كردستان أن نحسد أنفسنا لأن الثلج يكون ذلك الضيف الدائم الذي نتمنى أن يطول مكوثه عندنا.
يقول الحاج (كامل حمه)، الذي تقاعد من وظيفته قبل ثلاث سنوات، الذي شدني بوقوفه الصامت الناظر إلى الثلج بلهفة العاشق الذي يطيل النظر الى وجه حبيبته: “ومن منا أعطى الثلج حقه؟ وهل نعرف كيف نتعامل معه؟ هل أوجدنا طقوساً تليق به؟ هل أدخلناه في قصائدنا وقصصنا وأحلامنا؟ هل أوجدنا أنشطة سنوية تخص الثلج؟ أرى أننا ظلمنا الثلج، عن نفسي (يقول هذا الأديب) فإني أقدس الثلج، فهو يدعوني للتأمل والى كتابة المزيد.”
عاشق الثلج
أما صاحب المقهى (حمه كريم)، فقد بدا منزعجاً بعض الشيء، مع ذلك فإنه قال: “على الرغم من برودة الثلج، إلا أننا نفرح ونبتهج بقدومه، فهو من أجمل المناظر التي نشاهدها على الإطلاق، لكن على مستوى رواد المقهى، فإن تواجدهم يكون قليلاً في موسم الثلج، خوفاً من البرد، او أنهم يذهبون الى أماكن أخرى.”
أما عاشق الثلج فإن له قصة معي، إذ جدته يراقبني وأنا اقوم بجولتي وحديثي مع الناس حول الثلج، وما إن وصلت إليه، وجدته أكبر (هامس) في التاريخ، إذ قال موضحاً: “نعم، الثلج هو أكبر هامس في التاريخ، حين يهطل بهدوء ويمنح الأرض عباءة بيضاء، فهو ليس كالمطر الذي يصاحبه البرق والرعد، انه يعلن عن نفسه بهمسه ولونه الأبيض، وكأنه يقول لنا (لا تصرخوا فالصراخ يشوّه كل اللوحات، ويسيء إلى العشاق والعصافير)، ابتسمت بوجهه وقلت له (أتعلم بأني حتى الآن لم أعرف اسمك)؟”
بهجة ودهشة
يقول الأخ (علي)، الذي يزور السليمانية مع عائلته، إنه “شعور جميل جداً أن ترى حبات الثلج تهطل ببطء على الشوارع والطرقات وتنتظر حتى تتكون بشكل كثيف على باب المكان الذي تسكن فيه، وتقوم بتصوير المنظر بهاتفك المحمول. إن الثلوج هي من روعات فصل الشتاء، برغم انخفاض درجات الحرارة الهائل في هذه الحالة، التي قد تصل دون الصفر، إلا أن الأطفال يحبون كثيراً تلك الثلوج، التي لا تكون متاحة في كل بلاد العالم مع الأسف.”
أما (خانزاد سليم)، الطالبة في كلية الآداب جامعة صلاح الدين، فقالت: “قفزت من على أريكتي في الشرفة، بلّلت يدي بذلك الثلج، الانبهار والشوق أخذاني بعيداً، حتى أنني صرخت من البهجة والدهشة، ودعوت ربي أن يكثر المطر وأن يجمعني مع أحبتي لكي أدندن معهم (سيأتي الشتاء، محمّلاً باللقاءات والصباحات البيضاء، سيأتي الشتاء وأكون برفقة صديقاتي، سنحتسي القهوة ونتحدث عن أشياء لا تليق إلّا بنا، سنضحك حتى البكاء).”
تواضع الثلج
أما (لؤي سامر)، فقد ربط بين الثلج والتواضع، وقد استغربنا من هذا الربط، لكنه أوضح لنا قائلاً إن “الثلج لولا تواضعه لما سقط من السماء إلى الأرض.” داعياً الجميع إلى الاقتداء بالثلج والتحلي بالتواضع والبساطة، اختم بهذه النصيحة: “إن كنت من المحظوظين الذي يهطل عندهم الثلج فاغتنم الفرصة واخرج والعب مع أطفالك به، ولا تفوت فرصة المتعة والمرح معهم.”
الى ذلك، يقول (أبو محمد)، من أهالي بغداد، الذي وصل الى السليمانية رفقة أصدقائه وعائلاتهم:
“لم يكن الوقوف على أعلى قمة جبل أزمر في السليمانية مجرد وقوف على قمة جبل، إذ إن الأجواء الباردة لم تمنعنا من الصعود على قمة الجبل، وحين وصلنا كان الطقس شديد البرودة، لكن الأجواء من أعلى قمة الجبل كانت تشعرنا بسعادة كبيرة، ولا سيما أن المنظر يطل على المدينة بأكملها، وما زاد المشهد جمالاً أننا وصلنا ليلاً وكانت أضواء المدينة تتلألأ، للوهلة الأولى يذهب أي شخص بخياله بعيداً، وتدور في مخيلته أمنيات كثيرة يستذكرها من شدة جمال الطبيعة هناك. وفي نفس الوقت غمرتنا السعادة أن في بلادنا مواقع جميلة كهذا المكان، الشاي على الحطب أو الموقد كان حاضراً، ومع احتساء كوب او استكان الشاي والسيكارة معه في ظل أجواء خلابة تشعرك أن لا شيء أجمل من الطبيعة.”
من جانب آخر، يقول (كاكا زانا) إن “السياحة في السليمانية مستمرة صيفاً وشتاء، لكنها تزداد في الصيف بشكل أكبر قياساً بفصل الشتاء الذي يزور فيه السياح مواقع مختلفة وتحديداً مناطق نزول الثلوج، التي تجذب الناس، مع أن هناك من يخشونه، لكن الكثيرين يعشقون اللقاء به ليعيشوا أجواءه ويتمتعون بنقائه، ويقطعون مسافات طويلة من أجل ان يمضوا ساعات في الجبال التي تتوشح بالثلج.”