علي لفتة سعيد /
شاب عراقي فنان فطري ينفذ أعمالا نحتية بمادة الإسمنت، بتحويل الجسور الصغيرة والحدائق في مدينته كربلاء الى أعمال فنية تسر الناظرين، يعمل (كرّاباً) حطاباً للنخيل ليجمع مال العمل. نفذ عشرات الأعمال لأشكال حيوانية وهندسية مختلفة.
لم يكن يعرف أن في داخله موهبة فنية، لكنه كان يتعامل منذ صغره مع الطين بتكوين أعمال فنية عبارة عن دمى صغيرة. كان يشغله المكان بسبب انتقالات العائلة ما بين إيران والعراق وحتى سكنه في قضاء الحسينية ( 15كم شمالي مدينة كربلاء)، وحين وجد نفسه عاطلاً عن العمل لم يكن أمامه سوى الصمت والسكون والتفكير. حصل على عمل لم يدر في خلده، لأنه يسكن في منطقة ريفية تكسوها أشجار النخيل، فكان يعمل (كرّاباً) للنخيل -باللهجة العراقية- ليعيل نفسه، لكنه ظل جليس الحدائق كمن يفكر في حياته وغربته، فانتبه الى أن هذه الأماكن عبارة عن أماكن (خربة).
كرّاب النخل
الفنان الفطري (علي قاسم كاظم) من مواليد 1985 حاصل على شهادة الثاني المتوسط، بدأ حديثه بمرارة، ليس عن حياته وبحثه عن العمل، لأنه يقول إنه شبه عاطل لكنه لا يريد الدفاع عن الأشياء المخالفة للقانون، بل الى الأشياء التي تصنع الجمال. لهذا يقول كاظم إنه في إحدى الجلسات في حديقة خربة من حدائق منطقة الحسينية “واتتني الفكرة لعمل نحتي من الإسمنت أقضي فيه الوقت وأزين المنطقة.” ويصف تلك اللحظة التي حصلت قبل أعوام بأنها “كانت لحظة غيرت حياتي وجعلتني أفهم أن الجمال هو الذي يصنع الحياة.” ولأنه لا يمتلك المال والأدوات الأولية “فقد خصصت أجور (تكريب النخل) لأشتري اسمنتاً وشيش حديد، وبدأت أعمل أمام الناس تمثالاً لدولفين بالاستعانة بالصور واليوتيوب.” وهو العمل الذي حالما أنجزه في إحدى الحدائق القريبة من بيته حتى “استحسنه الناس والجيران وطالبوني بعمل تماثيل أخرى”، لكن ضيق الحال والمال -كما يقول كاظم- “جعلني ألجأ الى جمع التبرعات من الناس.. وضعت صندوقاً في المكان الذي أعمل فيه أناشد من خلاله المارين والميسورين وأصحاب البساتين في المنطقة الذين كانوا يشجعونني لأعمل تماثيل أخرى.” وذكر أنه بدأ بعمل حافات الجسور التي تربط ضفتي الأنهار الصغيرة بتغيير أسجيتها على شكل أشجار وجذوع وحيوانات تقف فوقها. أضاف: “اكتشفت أن لدي موهبة لا أعرفها ولا أصدق أنني أمتلكها، لكنها الفطرة في داخلي والتأمل.”
يتحدث بغصة لأنه لم يجد أي اهتمام من قبل البلدية او المسؤولين، بل “إنهم ربما لا يقبلون على عملي ولا يوافقون على طلبي بتوفير ولو أموال الأدوات الأولية، حتى أن أموال المساعدات لم تكف لذا اضطررت أن استدين المبلغ من المعارف على أمل بدء عملي كـ (كرّاب نخل).” ويضيف أنه بحاجة الى مواد (الإسمنت وشيش حديد وبورك وطابوق وحتى بلوك). وعن قبول عمله دون الاعتراض من قبل الدوائر المعنية يقول “إن مديرية الموارد المائية قالت إنه لا يوجد دعم لأن الدائرة ليست لديها موارد مالية، لكنها شجّعتني.”
يستدرك كاظم بأن الشعور بالفن يختلف، إذ يجعل حتى العاطل عن العمل يتأمّل الحياة والجمال. ويعدّد بعض الأعمال التي نفذها ومنها (صقر كبير وأرانب وسلحفاة ودولفين وفراشة كبيرة في منتصف حديقة، ودلة قهوة عربية ومحجر اسمنتي، وكذلك كراسي وجلسات استراحة وضفدع ومصابيح إنارة تزين المنطقة وشلال، فضلاً عن نحت ورود جميلة.” معتبرا أن هذه الأعمال “لا تحتاج الى المال فقط بل الى جهد عضلي وفكري كبير وتطبيق فني بأبعاد يقبلها الناس ويرضون عنها.” مناشداً الحكومة المحلية في كربلاء والبلدية بضرورة الاهتمام به بإيجاد فرصة عمل لإدامة عمله لتحويل كل مناطق المحافظة الى لوحات فنية عراقية فطرية.
الفطرة والإبداع
يعاني العراق من شح في تجميل الأماكن.. لذلك تحول الكثير من مناطق العراق الى أعمال نحتية لفناين فطريين شغلت الساحات بأعمال غير جيدة، وهو الأمر الذي ولد ردة فعل تطالب الحكومة بوقف أعمال مثل هذه، والاتجاه الى تكليف فنانين معروفين لتجميل الساحات والجسور والحدائق والجزرات الوسطية وتقاطعات الشوارع.
يقول الناقد والفنان التشكيلي (فاضل ضامد) عن أعمال الفنان علي قاسم كاظم “الأجمل في رؤيته الجمالية سعيه لمشاركة الناس وذائقتهم في تسويق أفكاره بين الحدائق والشوارع والممرات لتزيينها بجمالية غير مألوفة، تتوزّع بينها الأشجار والزهور والفضاءات الجميلة.” ويضيف “ربما كان مصدر إلهامه هو إظهار مدينته بحلة جديدة، وهي مدينة الخضرة والمنائر، وهذا يكفي أن يكون الإلهام حاضراً في براعة جديدة وابتكار أخاذ.” لكنه يقول عن الفن “ربما لا تتحقق الهدفية الفنية من أعمال كهذه لأنها تخلو من الممازجة بين الفطرية والدرس الفني، ولذا فإن على الدولة والحكومة المحلية الاهتمام بهذا الجانب الجمالي، لأن فناني كربلاء قادرون على إضفاء لمسات الجمال والحداثة بطريقة لا تترك واقع المدينة حتى نكون أقرب لساكني المكان كمتذوقين، من تماثيل وتصاميم حديثة وفي المكان المناسب.” منتقدا إهمال المسؤولين الذين يفتقدون الثقة بالآخرين او الذين لديهم مآرب أخرى.”