شط العرب.. اللسان الملحي يأكل الثروة السمكية

البصرة / صبا سامي/
يعد قضاء شط العرب هوية منفردة تركت بصمتها وسمتها التجارية والسياحية والترفيهية في محافظة البصرة، حيث جعل القضاء من أرضه ومياه شط العرب محتوى ثقافياً وسياحياً واقتصادياً لأهالي البصرة، بل لكل السائحين، بدءاً من شواخصه الحضارية، كنصب السياب وشط العرب والبواخر والزوارق العشارية التي تمخر في مياهه ومبنى متحف الآثار الطبيعي. شط العرب بات متنفساً للعائلة البصرية، حيث نجد أن غالبية العائلات تتجه يومياً الى كورنيش الشط للاستمتاع بأجوائه الرائعة.
يقول قائممقام قضاء شط العرب (حيدر طعمة خضير): “لقد تحولت البقعة الزراعية الخضراء في قضاء شط العرب إلى مناطق سكنية عشوائية، وهناك نزاعات قائمة على تلك الأراضي، إذ لا يوجد تصميم تفصيلي وخطة لتقديم الخدمات، سواء للمواطن أو الفلاح أو المزارع، وهذا بدوره أدى إلى حدوث فوضى، وما ساعد أكثر في انتشار الفوضى هو تجريد رئيس الوحدة الإدارية من الصلاحيات الجزائية والاعتماد على القضاء في حل مشكلة تملك الأراضي، والنزاعات القائمة عليها والخلافات المترتبة على ذلك، وهذا الحديث يخص الأراضي الزراعية المملوكة ملكاً صرفاً، أو ذات الحقوق التصرفية. إضافة الى ذلك فإن إعادة الواقع العماري يسير باتجاه معاكس للواقع الزراعي، وهذا يؤثر على البقعة الخضراء، فاليوم نجد أن تردي الواقع الزراعي هو لمصلحة السكن العشوائي، إضافة إلى غزو اللسان الملحي بين فترة وأخرى لمياه شط العرب، الذي أتلف كثيراً من مزارع النخيل في القضاء، ما أنهك الفلاح، ولاسيما مع قلة سعر المنتج والاعتماد على الخضراوات الورقية الواردة من المحافظات الأخرى، ما ضيق الفرصة أمام الأيدي العاملة بالزراعة، التي كانت تسد رمق الكثير من الفلاحين، الذين قاموا -وللأسف- ببيع أراضيهم وتركوا فلاحتهم وبصورة اضطرارية. هذه الأسباب والأمور برمتها أدت إلى تحول البقعة الزراعية الخضراء في قضاء شط العرب إلى مناطق سكنية عشوائية.”
خطة عمل
وأشار قائمقام شط العرب الى أن “هناك خطة أعدت لحل جميع مشكلات السكن والبناء العشوائي في القضاء، الذي كاد أن ينهي الخصوصية الزراعية له، فنحن نسعى للنهوض بواقع القضاء وإعادة السمة الزراعية الخضراء التي كانت عنواناً لقضاء شط العرب منذ القدم، إذ عرف بها، لذلك نسعى بجهود مبذولة الى إزالة كل المعوقات التي تؤثر سلباً على جماليته. لذلك فإن الأراضي العامة، أي أراضي (البلدية)، قد شهدت تصاميم تفصيلية وتوزيع أراضٍ لشرائح مختلفة من المواطنين تقدر بعشرات الألوف، تتخللها مشاريع خدمية واستثمارية متمثلة بالحدائق الخضراء والمتنزهات والأسواق العامة، وهذا الأمر ما يزال العمل فيه قائماً في الجزء الشرقي من قضاء شط العرب، وبذلك سيكون هذا الجزء -قريبا جداً- مدينة مثالية في محافظة البصرة، علماً بأن هذا الأمر قد أسهم بارتفاع أسعار الأراضي في القضاء، كذلك ساعد على الجذب السكاني للعيش والاستقرار فيه. ولأجل الإسراع في أن يكون الجزء الشرقي من قضاء شط العرب مدينة مثالية بمواصفات ممتازة ومتكاملة وواجهة سياحية مهمة للمحافظة، سارعنا في إعداد ما يمكن إعداده لإزالة التجاوزات وإيجاد الحلول السريعة والفورية لإنهاء مشكلة البناء العشوائي الذي انتشر مؤخراً في القضاء وأثر سلباً على المزارع والبساتين والبقعة الخضراء، حيث نقوم بإزالة التجاوزات التي تتعارض مع المشاريع، إذ تقوم بعض الشركات بتقديم المساعدة للعائلات التي تسكن في تلك التجاوزات، وتقوم بإزالتها لتنفيذ مشاريعها، وهناك حلول أخرى نتمنى أن تكون واقعية وعملية متمثلة في تبني الدولة (المركز في البصرة والمركز في بغداد) ببناء بيوت واطئة الكلفة وتأجيرها الى تلك العائلات بمبالغ رمزية لإعانة تلك العائلات التي لا تتمكن حتى من توفير قوتها اليومي.”
الغوارق البحرية
ولفت حيدر الى الجهود المتواصلة التي تقوم بها كوادر شركة موانئ العراق، منها انتشال غالبية الغوارق البحرية التي شوهت ضفاف شط العرب وأثرت بصورة سلبية على جمالية القضاء وعلى الحركة البحرية، ولايزال ذلك العمل والمجهود مستمرين بغية أن يبقى قضاء شط العرب محافظاً على سمته الجمالية والتجارية والحضارية.
واجهة سياحية وتجارية
من جانبه، يقول مدير قسم الأسماك في مديرية زراعة البصرة (عباس دخيّل جولان) إن “قضاء شط العرب هو الواجهة في جوانب السياحة والتجارة وصيد الأسماك وحركة القوارب والحركة الملاحية، إلا أن غزو اللسان الملحي الذي يخترق مياه شط العرب بين موسم وآخر يتسبب كثيراً في قلة نسبة الأسماك وحركة الصيد، فالأسماك بحد ذاتها ثروة اقتصادية كبيرة، إذ إن معظم الصيادين يعتمدون على صيدها كمصدر رزق لهم ولعوائلهم.”
ويوضح جولان أن “العام الماضي -والحمد لله- لم يشهد أية شحة مائية، وذلك نتيجة فتح نهر الكارون الذي يصب في شط العرب، إذ إننا في العام الذي سبقه شهدنا شحة مائية وارتفاع اللسان الملحي، ما أدى حينها إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك في نهر العشار وشط البصرة، وهذا أثر بالتأكيد على الثروة السمكية التي هي مصدر رزق لمعظم الصيادين، بل ولعامة الناس، ما شكل صورة سلبية انعكست على قضاء شط العرب، الواجهة التجارية والاقتصادية. ومن هذا المنطلق نجد أن هناك كثير ممن حاولوا إنقاذ الثروة السمكية وإنعاش اقتصادها، بإنشاء مشاريع مزارع تربية الأسماك لتحقيق ثروة سمكية، بشرط أن تكون متمثلة بجدوى اقتصادية كي ينجح مشروعها، لأنها وكما هو معروف توفر مجالاً اقتصادياً لمرحلتين، الأولى هي مرحلة المربي الذي يربي الأسماك في مزرعة ما ومن ثم يقوم ببيعها مقابل مردود مالي، فلابد من وجود جدوى اقتصادية للكيلوغرام الواحد. أما المرحلة الثانية فهي الوسطية لمن هم من أهل العلاقة، مثلاً تجار الأعلاف وتجار الأسماك أيضاً، الذين يحققون مردوداً اقتصادياً.”