هند الصفار /
خلال سنوات القرن الماضي، كان الباعة المتجولون يرتجلون أبياتاً شعرية شعبية لتحبيب الناس وجذبهم لشراء بضاعتهم، فيما الأطفال يسيرون وراءهم ويصفقون ويغنون معهم ويرددون ما يقولون، والفرحة تملؤهم، والضحكات تعلو وجوههم. ومن هذه البضائع كان الـ (شعر بنات)، وهو نوع من الحلوى يصنع منزلياً ويشكل السكر مادته الأساسية، وتبدو الحلوى على شكل خيوط كأنها مغزولة، لذا سميت بـ (شعر بنات) إذ أن شكلها يشبه (كفشة) الشعر البناتية فعلاً.
والأغنية كانت تقول:
شعر بنات.. شعر بنات
وين اولي ووين أبات
أبات بالدربونة واخاف من البزونة
أما اليوم، فلم يعد بائع (الشعر بنات) يبات في الدربونة ولايخاف من البزونة.
اليوم يغني:
شعر بنات ..شعر بنات.. للحلوين وللحلوات.
مواكبة التطور
ولم تتطور أغنية (الشعر بنات) فقط، بل تطورت طريقة البيع والصناعة أيضاً، فقد واكبت التطور لتحاول جذب جيل الحلويات المستوردة بواسطة الآيباد والموبايل، ومع ذلك فإنها مازالت تبدأ بنفس الأغنية.
عربة مصممة على شكل (ستوتة) تحتوي على جهاز صنع حلوى الشعر بنات، وبعض العلب التي فيها مواد أولية لصنع تلك الحلوى، ومولد كهربائي، إضافة الى نشرات ضوئية تزين العربة التي تصبغ بألوان زاهية مميزة، إضافة الى جهاز مكبر صوت لتشغيل الأغاني. أما سابقاً فقد كانت الحلوى تصنع في البيت وترص كما ترص باقة الزهور ويحملها البائع على ظهره.
يقول كرار هادي (18 عاماً)، الذي يقود تلك العربة ويمر بها في طرقات مناطق عديدة، لا تتصف بالشعبية دائما :”لقد تعلمت الصنعة من أخوالي وأبلغتهم بأني أريد أن أعمل فيها، فأعطوني عربة بالتقسيط، وبدأت العمل فعلاً، واخترت أغنية من التك توك تتلاءم مع عملي، والحمد لله أنا أعمل فيها منذ سنتين تقريباً، أما والدي فهو يمتهن حرفة أخرى لاعلاقة لها بعملي.”
كرار، الذي ترك الدراسة من أجل العمل، وحسب قوله، فإنه يفكر بالعودة اليها من خلال الامتحان الخارجي، يحب عمله الذي يدر عليه رزقاً جيداً، يقول عنه :”الحمد لله خير من الله.” وهو لا يفكر بتركه حالياً، تحدث أيضاً عن عمله الذي وصفه بالموسمي: “الشعر بنات مطلوب شتاء فقط، أما في الصيف فهو غير مربح، لهذا أتحول إلى بيع الآيس الكريم المصنّع يدوياً بجهاز أضعه على العربة بدل جهاز عمل الشعر بنات.”
يتراكض الأطفال حينما يسمعون صوت أغنية الشعر بنات ويطلبون من ذويهم نقوداً للشراء، فسعر العود الواحد هو 500 دينار، إن كان كبيراً كما يصنعه كرار، وهناك من يبيعه معبأً بأكياس نايلون صغيرة وبكمية أقل بـ250 دينار فقط، وهذا يجذب الأطفال بوضع بالونة صغيرة مع الحلوى.
حلوى الشعر بنات
(زين العابدين)، طفل بعمر الـ 4 سنوات يصر على شراء الحلوى له ولأخته، لكنه لا يأكلها فقط، إذ تجذبه الأغنية وطريقة البيع بوقوف العربة أمام البيت فيشتري منها. زميله (صادق) يسرع أيضاً لشراء الشعر بنات لأنه يحب طريقة عرض الحلوى. أما (زهراء) فهي تحبها لأنها تجدها مختلفة عن بقية الحلويات في الأسواق.
غالبية الأطفال يحبون أن يقتنوا شيئاً مختلفاً، لذا فإنهم يرون في حلوى الشعر بنات ما يشبع رغبتهم تلك، لكنهم لا يرونها بديلاً عن بقية أنواع الحلويات.
كرار يعمل طول اليوم متنقلاً بين الأزقة والطرقات، ومكبر الصوت يردد: شعر بنات.. شعر بنات.. وعن متاعبه يقول: “قد لا أشعر بمتاعب معينة لأنها مهنة كما بقية المهن الأخرى، لابد من أن تكون متعبة إلى حد ما، وربما يؤخرني عطل العربة أو الجهاز عن الخروج للعمل، ولكن عموماً فإن الامور تسير على ما يرام بفضل الله.”
ومع كل التطورات تبقى الأشياء التراثية محط أنظار الصغار والكبار، فحتى الأهالي يرون أن مجرد مرور بائع الشعر بنات في شوارعهم يشعل في داخلهم الحنين إلى طفولتهم ويزرع ابتسامة على شفاههم.
هذا ما أكدته (الحاجة نورية) التي قالت: “أحب جداً شراء الشعر بنات لأنه يذكرني بالماضي، وهو بحد ذاته حلوى لذيذة تذوب في الفم ولها نكهة خاصة مازلت أحبها.”
إن توفير فرص عمل للشباب واستغلال مهن تراثية يحتاج فقط إلى فكرة جديدة، وبطرق تسويقية تتلاءم مع الحاضر.
ويبقى شعر البنات للحلوين وللحلوات.. وألف عافية.