صارت نموذجاً للتحدي والتغلب على الجفاف أم غانم.. سيدة الأهوار القوية

ميسان ــ عبد الحسين بريسم
– مجلة الشبكة/
تعيش سناء فالح مزبان (أم غانم)، الأهوارية الأربعينية، برفقة زوجها (قاسم عبد السادة) وعائلتها المكونة من عشرة أفراد في قرية (السطيح) بناحية العزير.
اعتادت أم غانم النهوض باكراً، إذ إنها تعمل بهمة عالية منذ ساعات الفجر الأولى بمساعدة بناتها الثلاث في جمع الحليب الخام وتصنيعه كمنتجات عديدة، ثم تسويقه الى بقية مناطق محافظة ميسان.
تمتلك أم غانم أرضاً زراعية بمساحة عشرين دونماً، تمثل المرعى لجواميسها البالغ عددها عشرين رأساً، لكنها تواجه الجفاف والتصحر اللذين حولا المروج الخضر في الأهوار الى صحراء قاحلة، لكن أم غانم تعمل كل ما بوسعها على رعاية أرضها، وظلت تحافظ على مستوى إنتاج جواميسها من الحليب الذي يبلغ 90 لتراً في اليوم.
لا تكتفي أم غانم بجمع ما تنتجه جواميسها من الحليب، بل تقوم بجمع ما معدله (750 – 1000) لتر يومياً من مربي الجاموس المجاورين لمنطقتها، ويمكن أن تزداد الكمية حسب الوفرة من المنتج للحليب الخام، إذ يتوقف إنتاج الحليب على العديد من العوامل، لعل أبرزها توفر أعلاف الجاموس.
تتولى أم غانم عملية صناعة الحليب الخام المنتج من حيواناتها، والمجمع من مربّي الجاموس الآخرين وتحوله الى منتجات ألبان مختلفة، ومن ثم تسويقه الى مناطق المحافظة المختلفة. وتتنوع منتجات أم غانم التي نالت شهرة واسعة في المحافظة لجودتها ونظافتها، من لبن (شنينة) ومختلف أنواع الأجبان، كجبن (الحلوم) وجبن الضفائر، إضافة الى المنتج الأول الأكثر دخلاً وهو (القيمر) الذي يختفي ما إن تضع أم غانم قدمها في سوق المدينة، إضافة الى الزبدة والدهن الحر.
قوة وإصرار
يشكل الجاموس وعملية تجميع حليبه وبيع مشتقاته في السوق مصدر رزق لآلاف العائلات التي تسكن مناطق الأهوار، إلا أن هذا المصدر أخذ بالتراجع من جرّاء الأزمة المائية، فقد تقلصت أعداده بشكل كبير خلال الأعوام الماضية نتيجة تدهور الظروف المعيشية المناسبة للحيوان وصعود أسعار الأعلاف وانتشار الأمراض. ومع هذا، فإن أم غانم مصرّة على تحدي كل الظروف الصعبة التي تواجهها، وتصر على الاحتفاظ بحيواناتها ورعايتها والاستمرار في عملها الذي يحقق لها ولعائلتها مورداً جيداً.
تطمح أم غانم بفتح مشروع لتشغيل أفراد عائلتها وضمان حصولهم على مردود مادي مستدام، وتطالب بتقليل استيراد منتجات الألبان والاعتماد على المنتجات المحلية، مؤكدة أن المنتجات المستوردة لا يمكنها أن تنافس منتجات الأهواريين في الجودة والطعم، إلا إنها تنتج بكميات كبيرة وتباع بأسعار منخفضة.
برنامج واعد
تعمل مديرية زراعه ميسان على رعاية مربي الجاموس، ومن بينهم أم غانم، وقد أطلقت مؤخراً مشروع (استعادة وتعزيز صمود النظم الغذائية في جنوب العراق) في مناطق مختلفة من المحافظة. ويقول مدير زراعه ميسان المهندس (ماجد جمعة عبد الحسن) لـ “مجلة الشبكة” إن “هذا البرنامج ممول من الاتحاد الأوربي، وينفذ من قبل الأمم المتحدة – منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، بمشاركة أساسية لوزارة الزراعة العراقية ومديريات الزراعة في المحافظات (ميسان- البصرة- وذي قار).
ويهدف البرنامج الى دعم الاقتصاد الوطني من خلال تطوير القطاع الزراعي وتوفير فرص عمل للشرائح الفقيرة من أبناء الريف، وتمكين صغار الفلاحين الفقراء وأسرهم من تحسين الإنتاجية الزراعية وضمان حصولهم على مداخيل مالية تضمن لهم حياة كريمة. ويجري العمل على توفير التجهيزات التي ستوزع على المستفيدين من البرنامج من مصنعي منتجات الحليب.”
أدوات بسيطة
وأشار الى أن “أم غانم تمثل حالة لفتت الاهتمام، فمع أن الجميع من النساء المستفيدات قويات ورائعات، إلا أن السيدة أم غانم كانت رمزاً للمرأة القوية التي تمثل نموذجاً لشموخ المرأة الميسانية، وتستحق أن يطلق عليها (مجاهدة) في عملها، واستمرارية الإنتاج والتوزيع لمنتجات الألبان في عموم مناطق المحافظة، فضلاً عن توفيقها بين الإنتاج وإدارة العائلة الكبيرة.. مع أن إنتاجها يعتمد على أدوات بسيطة، والحق أن ام غانم تستحق أن تقدم لها الرعاية وتوفير المستلزمات التي تقلل من الجهد البدني الذي تبذله هذه السيدة القوية.”