زهراء سعدون /
ناقوس الخطر يدق ليعلن عن خطورة ظاهرة الانتحار، وسط صمت مطبق، وغياب تام للمعالجات التي لا ترتقي الى المستوى المطلوب للحد من هذه الظاهرة، ففي كل عام ترتفع معدلات الانتحار عن العام الذي يسبقه.
يربط الكثير من الباحثين الاجتماعيين وعلماء النفس بين ارتفاع معدل حالات الانتحار وجملة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، أبرزها الفقر والبطالة والإدمان على المخدرات وانعدام الأمل بوجود تغيير إيجابي.
عنف أسري
تروي ريهام، وهي صديقة إحدى ضحايا الانتحار، الأسباب التي دفعت بصديقتها إلى إنهاء حياتها حرقاً، مؤكدة أن الضحية كانت متزوجة لكنها تعاني من مشاكل مستمرة تدفعها الى مغادرة منزلها والذهاب الى منزل والدها لطلب الطلاق، غير أنها كانت تتلقى تعنيفاً آخر من أهلها، خوفاً من أن تسمى ابنتهم (مطلّقة)، ولاسيما أن أباها يحظى بمكانة اجتماعية وقبلية، وهذا ما يهدد مكانتهم ويلحق الضرر بسمعتهم -وفق اعتقادهم- فتعود إلى بيت زوجها دون أن توضع حلول للمشاكل المستمرة، إلى أن أُصيبت بحالة نفسية جعلتها منزوية مع ذاتها، خائفة طوال الوقت، وهكذا استمر الحال بها، إلى أن بلغ السيل الزبى ونفد صبرها، وبينما هي في منزل أهلها تعاني من الضغوطات المستمرة من الطرفين، قررت إنهاء حياتها، فالتجأت الى سطح الدار ليكون مسرحاً للحادث وشاهداً عليه، أغرقت نفسها بمادة النفط وأشعلت اللهب لتطفئ بذلك وهج حياتها تاركة خلفها طفلاً يتيماً.
أسباب وحلول
يشير الباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي الى أن الظروف الحالية أفرزت الكثير من الظواهر الاجتماعية الخطرة ومنها الانتحار، إذ يقول: “التخلص من الحياة ليس بقرار سهل يتخذه الفرد، ولاسيما إذا كانت وراءه عائلة، إذن هناك عوامل وأسباب تؤدي بالفرد الى التخلص من حياته، أول هذه العوامل هو الإحباط الذي يصل إليه الفرد وعدم قدرته على توفير أبسط مقومات الحياة، فشعور الفرد باليأس والإحباط يجعله يفكر بالانتحار. كذلك نجد عامل التقليد من خلال تقليد الأفراد الذين سلكوا هذا الطريق ظناً منه أن المنتحر تخلص من الحياة واكتسب الراحة. كذلك تأثير الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعرض مثل هذه الحالات وانتشارها بين صفوف الشباب، حتى كادت أن تصبح سلوكاً اعتيادياً، ناهيك عن أهم عاملين، ألا وهما الفقر والبطالة اللذان يجعلان الفرد غير قادر على مواكبة الحياة. أما الإجراءات التي يمكن اعتمادها للحد من هذه الظاهرة فمنها: القضاء على البطالة والفقر وإشغال وقت فراغ الشباب ومحاولة بث روح الأمل والتفاؤل من خلال الإعلام ومواقع التواصل الأخرى.”
أسباب غير مباشرة
إلى ذلك، تشير الأستاذة في علم النفس التربوي إيناس هادي الى أن “وسائل التواصل الاجتماعي رصدت أخبار وحالات انتحار مستمرة في المجتمع العراقي، ولاسيما بين الشباب الذين يقبلون على إنهاء حياتهم كسبيلٍ للخلاص من ضغوطات الحياة بسبب تأزم الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، التي تؤدي الى تفكك الأُسر واتخاذهم طرقاً غير سليمة للهروب من الواقع، كالإدمان على المخدرات والكحول، فضلاً عن النساء اللاتي يتعرضن للاضطهاد والتمييز والعنف من قبل الأهل أو الزوج، بالتالي فإن تعرض هؤلاء الأفراد من كلا الجنسين لهذه الأزمات والمشاكل الخطيرة، يثبت الصلة بشكلٍ مباشر بين الانتحار والاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والصدمات والضغوطات.”
ماذا يعني الانتحار؟
يعرّف الباحث مهدي سعد البديري، ماجستير في علم الاجتماع، الانتحار بأنه: “إنهاء الحياة، أو وضع حد لها، او أنه قتـل الإنسان نفسه عمداً. وكان الانتحار معروفاً منذ القدم، فهو معروف منذ وجود الإنسان. ويعد الانتحار حالة مرفوضة اجتماعياً ودينياً لدى جميع المجتمعات، واستخدمت كثير من الوسائل من أجل الحد من حالات الانتحار، لكنه لم يكن ظاهرة اجتماعية حتى منتصف القرن الماضي، حين ازدادت حالات الانتحار لتصبح ظاهرة اجتماعية على مستوى العالم. وفي مجتمعنا العراقي تفاقمت حالات الانتحار بعد عام 2003، حيث كان للتغيير والانفتاح المفاجئ على العالم الخارجي ودخول التقنيات الحديثة دورها في تعقيد الحياة.”