زكريا محمد/
الكاتب الفلسطينيّ المعروف زكريا محمد يروي هنا حكاية عراقية ملؤها أسى ودموع، حكاية عراقية قد تبدو تقليدية بالنظر لما عشناه وللظرف الذي كنا شهوده وشهداءه.
زكريا محمد له ابن يعيش في ألمانيا اسمه أحمد، وقد التقى في ألمانيا بشاب عراقيّ تقطعت به السبل لتنشأ بين الاثنين صداقة عميقة أشبة بالأخوة. لكن نهاية هذه القصة مؤسية ككل قصةٍ يكون العراقيّ أحد أبطالها.
كان محمد تائهاً، لا يعرف الألمانية ولا الإنكليزية. التقى بابني أحمد مصادفة في برلين. كان أحمد ينتظر القطار. أحس محمد بأن أحمد عربيّ فقال له السلام عليكم، بتحكي عربي؟ فرد عليه أحمد: أهلاً، نعم أنا عربي.
كان محمد قادماً من مأوى للاجئين في إحدى المدن الصغيرة، وكان يريد الذهاب للسفارة العراقية كي تمنحه جواز سفر يعيده إلى العراق لأن أباه كان مريضاً. ولم يكن يعرف أحداً في برلين. كان في جيبه عشرة باوندات فقط. ولو لم يصادف أحمد لكان نام في الشارع.
لاجئ من دون وثائق
أخذه أحمد معه إلى سكنه، على أن يأتي معه، فيما بعد، إلى السفارة العراقية. وبعد يومين ذهب للسفارة. لكن السفارة لم تعطه جواز سفر لأنه لم تكن لديه الوثائق. وثائقه كانت قد غرقت، مع ما يملك من نقود، في البحر يوم غرق بهم القارب وأنقذتهم سفينة، ووصل أخيراً، بشكل ما، إلى ألمانيا. بقي عدة أشهر في المأوى. ثم علم أن أباه مريض جداً، فقرر أن يعود كي يرى أباه قبل أن يموت.
العودة الى بغداد
بقي محمد عند ابني أحمد شهراً كاملاً في برلين، حتى استخرج من السفارة وثائق مؤقتة تسمح له بالعودة. وعاد إلى بغداد. لكن أباه كان قد توفي قبل وصوله بيومين.
كان محمد العقيدي متزوجاً وعنده طفل صغير. قبل ذلك كانت سيارة مفخخة قد قتلت خطيبته الأولى قبل أسابيع من زواجهما. انضم لجهاز الشرطة، وخطب واحدة أخرى، وتزوجها، فأنجبت له طفله الصغير، وكان قد قام بمغامرته الألمانية كي يأتي به مع أمه بعد شهر أو شهرين إلى ألمانيا، كما كان يأمل. لكنه عاد إلى بغداد. عاد إلى سلك الشرطة.
محمد يستشهد
واليوم أرسلت أخت محمد إلى ابني أحمد رسالة تخبره فيها أن محمداً قد استشهد في معركة الموصل.
كان محمد قد حدّث أخته عن أحمد. عن أخيه الذي وجده صدفة في محطة القطار في برلين. رب أخ لك لم تلده أمك، كان يقول لها. لذا أرادت أن تخبره برحيله.
اتصل أحمد بنا كي يبلغنا بالخبر. كنا قد سمعنا قصة محمد منه من قبل.
لم يا رب فعلت بمحمد هذا؟
لم سمحت بالقضاء على طفل في الثالثة والعشرين، ولم تعطه فرصة أن تكون له حياة؟
لم يا رب تسمح بهذا؟
لم يا رب لم تتركه لأخته وطفله وزوجته؟