رجاء الشجيري
هو عصمت عبد الحافظ ياسين، المعروف بـ (عصمت البصري). ولد في البصرة عام 1984م، كانت طفولته شبه عادية، إذ كان يرى جزءاً بسيطاً من الضوء والألوان التي بقيت في ذاكرته حتى عام 1997 وفقدانه البصر تماماً، ولم يدرك أنه كفيف إلا عندما سجل في مدرسة ابتدائية خاصة بالمكفوفين هي معهد النور عام 1991، حينها عرف أن ليس الجميع مثله يرون هذا الضوء البسيط، بل إنه حالة خاصة.
رحلة برايل
بدأت رحلة تعلم طريقة الكتابة والقراءة بلغة (برايل) في الأول الابتدائي في معهد النور للمكفوفين. يقول عصمت البصري: “كان الفضل يعود لأستاذنا إيشو شمعون (رحمه الله)، وهو مدرس مسيحي علمنا اللغة وجعلني أتقنها بسرعة فائقة عن بقية أقراني، بسبب حماستي ورغبتي الشديدة في التعلم، وهكذا كنا نقوم بواجباتنا المدرسية اليومية المنهجية من خلال القراءة والكتابة بلغة برايل كما في المدارس العادية. كنت أسكن في القسم الداخلي في التسعينيات حينذاك، فكنا نأتي من كل الأقضية إلى هذا المعهد الوحيد للمكفوفين في البصرة، فأهلي كانوا يجلبونني يوم السبت للسكن ويأخذونني الخميس بعد الظهر.”
إلى أن تخرج عصمت في الابتدائية ليكمل دراسته الثانوية في المدارس العادية، ويندمج مع المجتمع وأصدقاء مبصرين، وكان يعتمد على طريقة السماع وتسجيل (الكاسيت) للمواد وقراءتها وحفظها والامتحان بها، وهكذا الحال مع الإعدادية، ثم الجامعة.
التدريس والإعلام
اللغة العربية كانت حلمه، لذا اختار الدراسة في كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة البصرة، وعند تخرجه عام 2009 بدأت محنة البحث عن وظيفة وقبوله أسوة ببقية الخريجين، إلا أن جملة إحدى الموظفات في التربية عند رؤيته وهو يقدم للتعيين (خطية شلون نكله هو ميصير يقدم على التربية) عندما سمعها كان تأثيرها مدوياً، وخلق تحدياً أكبر داخله، فعمل على إقامة مؤتمر دعا فيه مسؤولين وأعضاء مجلس نواب وطالب بقبول المكفوفين ضمن تشريعات خاصة تلزم الوزارات بتعيينهم أسوة بالخريجين العاديين وحقهم في العمل، وتمت فعلاً الاستجابة وتشريع قانون حقوق ذوي الإعاقة عام 2013 وقبلته وزارة التربية، وجرى تعيينه مدرساً في إحدى مدارس البصرة.
عصمت تمنى أن تكون هناك مساحة إعلامية للمكفوفين الموهوبين أيضاً، فهو منذ طفولته كان محباً وشغوفاَ بالإعلام. وقد عمل على إرسال تقارير صوتية عبر إذاعة العراق الحر وإذاعة الـ بي بي سي، وهو يقدم الآن برامج إذاعية في إذاعة (هنا البصرة).
رحلة الطباعة التطوعية
أما البداية في طباعته المناهج الدراسية بلغة برايل فكانت أواخر عام 2018، إذ اشترى طابعة بأمواله الخاصة، ذاكراً أن الصعوبة كانت تكمن في أن الكتب المنهجية مطبوعة بصيغة (بي دي اف) والطابعة الخاصة ببرايل تطبع فقط بصيغة الـ (الوورد)، لذلك كان يكتبها بيده ثم يطبعها بالآلة.
يقول عصمت: “هي طريقة متعبة وأحتاج لطباعة الكتاب الواحد لمنهج الابتدائية 17 يوماً تقريباً، وقد استغللت فرصة فترة العطلة وحظر التجوال أيام جائحة كورونا وطبعت المناهج الابتدائية جميعاً، ووزعتها على معاهد المكفوفين في محافظات الموصل والديوانية وبابل، وكذلك في مدارس بغداد للطلبة في المدارس العادية. أما مناهج الثانوية فكانت أصعب ومكثفة، لذلك لجأت إلى من يكتبها لي بصيغة الـ (وورد) إزاء أجر، لكي أقوم بطباعتها بلغة برايل.”
وكان من المفارقات أن أرسلت له امرأة بطلب من المملكة المتحدة عام 2020 تطلب منه نسخة كتاب قراءة الصف الأول الابتدائي مترجم بلغة برايل، لأن المدارس هناك لديهم لغة برايل باللغة الإنكليزية فقط، وفعلاً أرسل لها ما طلبت وكانت سعيدة هي وابنها بالكتاب المترجم.
عصمت البصري طبع إلى الآن 3600 كتاب بلغة برايل للمناهج الدراسية، إضافة لطباعته مختلف الكتب الأخرى، منها الثقافية وقصص الأطفال على نفقته الخاصة، ورحلته التطوعية مستمرة للمراحل الدراسية كافة. مبيناً أن “المستحيل لا لغة له، وأن الإرادة هي أم اللغات.”