على أرصفة باريس العتيقة رسامو “مونمارتر” يبهرون العالم

باريس/ آمنة المحمداوي
يقولون إنهُ لولا الفنون لما استطاع أحد تحمل عبثية الحياة، وكأنّ ضربة الفرشاة (بهداوة) تُشبه رمي قطعة نقديّة في بحيرة أو نهر، ومن ثم تتبعِ حلقات الماء وهي تختفي شيئاً فشيئاً، كذلك الحال بالنسبة الى لغة الريشة والألوان في أزقة حي (مونمارتر)، الكائن في أعالي العاصمة الفرنسية باريس.
بين بيوته الصغيرة الملونة وتصاعد مدرجاتها وتنازلها، تزدحم الوجوه واللغات والبلدان.وتتمايز وتتنوع بجمالية، ذلك طبقاً للبلدان التي جاءوا منها، لذلك ينبعث صدى الشرق والغرب في كوكتيل ثقافي يبحث سكانه عن عائلة من الألوان تحضنهم من غربة قد تكون أفقدت صاحبها كل شيء..
اللوحة صدفة جميلة
“بصراحة، هي رحلة ساحرة وتجربة ذوقيّة بحسٍ هائل -أنصح بها الجميع-“، كما يعتقد الرسام المخضرم القادم من منافي إسكندنافيا صادق البديري فهذا الشارع -كما يراه- هو “مدرسة عالمية تثبت لك أن الحياة لصدفة جميلة، قد يصادفك ويمر من أمامك فيها كبار الفنانين، كبيكاسو وفان كوخ ودافنشي، ولا يزالون يمرون، كل لوحة هنا يمنحنا رسامها نقطة حياة وحركة وفرصة مذهلة للانغماس في عالمه الفريد، لأنها في الحقيقة ليست مجرد مشاهدة لوحات، بل رحلة ساحرة تأخذك إلى عوالم لم تتخيلها من قبل، والجميل أن الفنانين العرب، والعراقيين، أصبحوا من وجوه هذه الساحة، وأتقنوا أساليب وحرف جذب السياح نحو لوحاتهم، التي تحمل لمسات مشرقية، تنبعث منها رؤية لطيفة للأشياء.”
تعويذة حب فرنسية
في حين عبّر الفوتوغرافي نشوان الطائي، السائح القادم من بلجيكا لزيارة شارع الرسامين.. بقوله: “الدخول إلى هذا الشارع -الذي أعشقه- يشعرني بالانغماس في عالم مُبهر وخيال بصري، اللوحات هنا تضفي شعوراً جميلاً بالحياة، وكأن رؤية الحلم البعيد قد باتت قريبة جداً، والغريب أنك لو لففت فرنسا، ومن ثم زرت برج إيفل وقوس النصر والشانزليزيه، وحاولت اكتشاف كنوز التاريخ والفنون بروائعها الفنية والأثرية التي تسرد أهم حضارات البشر، ستبقى زيارتك ناقصة دون هذا الشارع الرومانسي الجميل، وكأنه تعويذة حب قادرة على جذب كل من يدخل باريس، تناديه لزيارتها واستنشاق عطر الألوان.”
الفن خيال أبدي
الفنان التشكيلي المغترب ستار كاووش أوضح أنه “لا يمكن أن يمر علينا يوم دون أن يشع فيه أمامنا ضوء الفن والإبداع والجمال، سواء في التفاصيل المحيطة بنا أو في الطبيعة التي نعيش بين أحضانها”، مضيفاً: “قد نراه في تبرعم وردة، أو انحناءة شجرة، من خلال غروب شمس أو التماعة قمر، ومنذ ساعة الولادة حتى ساعة الرحيل يختلط الفن بحياة الإنسان بشكل لا مثيل له، والغريب أن تفاعل الجمال والفن مع الإنسان، وارتباطه به لا يتوقف عند رحيل هذا الأخير، بل يتعدى ذلك ويستمر سنوات طويلة جداً، وربما يكون الفن هو الوحيد الذي يتماهى مع الإنسان حتى بعد مغادرة هذه الدنيا، وقتها يقول الفن كلمته الأخيرة من خلال شاهد القبر الذي ينتصب بزهد ووقار، ويأخذ أشكالاً وأساليب مختلفة، تحمل الكثير من الجمال والرمزية والتعبير، نعم، إنه شاهد القبر الذي يظل واقفاً بجلال بعد أن يذهب المعزون وينفض جمع المشيعين وتخلو المقبرة.”