عندمــــا يُغبــــــن مربـــــو الأجيــــــال في المدارس الأهلية

وليد خالد الز يدي /

يبقى المربي أبداً في ربيع شبابه حتى بالنسبة للشيوخ، لأنه يستمر في عطائه حتى يبلغ علمه الفائدة، وتزداد قوة عمله في منح دروس المعرفة وبث روح التهذيب للنشء الجديد، فخلود العلم أثبت رقي المعلم وسموه في ذاكرة الأجيال، حتى بلغ أرفع درجات المعرفة.
لكن الأمر في بلدنا مختلف، فالمربون في مختلف المدارس الأهلية يجري استغلالهم بشكل قاس وبرواتب متدنية من قبل مستثمريها، حتى أصبحت القضية ظاهرة ترهق أصحاب الشأن وتؤرق المختصين.
“مجلة الشبكة العراقية” استطلعت آراء عدد من التربويين لبيان أسباب تلك الظاهرة ورؤيتهم لمعالجتها.
أين دائرة التعليم الأهلي؟
المدرس المتقاعد علي كاظم (63 عاماً) قال لـ “الشبكة”: “عملت مديراً في ثانوية أهلية، ولاحظت أن كثرة خريجي التربية وندرة فرص تعيينهم كل عام تتسبب بتفاقم مشكلات معيشتهم، فيستغل بعض مستثمري المدارس الأهلية حاجتهم الى العمل، فيستقطبونهم في مدارسهم برواتب مجحفة لا تجسد أدنى قيم الإنسانية، لتحقيق مكاسب مادية على حساب جهودهم وعلومهم من دون رادع من قبل وزارة التربية ودائرة التعليم الأهلي لحمايتهم من بشاعة هذا الاستغلال، إذ تبلغ رواتب بعض مدرسي الثانويات الأهلية أحياناً (125) ألف دينار شهرياً! وهي لا تحقق لهم أدنى متطلبات العيش الكريم ولا توازي شهاداتهم.
وأضاف كاظم أن “مصدر رزق المدرسين يبقى محفوفاً بالمخاطر، إذ يحق للمستثمر فسخ عقده متى يشاء حتى قبل نهاية العام الدراسي، وهذه مخالفة قانونية لم تعر لها الوزارة أية أهمية لضمان حقوق المدرس وإنصافه من الجشع، أين قوانين وضوابط التعليم الأهلي ورقابته على تلك المدارس؟”
من يضمن حقوق التربويين؟
المعلم (محمد ثامر جواد) من مدرسة (حبيب بن مظاهر) في بغداد/ الرصافة الثانية، يقول لـ “مجلة الشبكة”: “بما أن المدارس الأهلية تعمل على وفق أنظمة وزارة التربية، فلا بد من قوانين تضمن حقوق التربويين وجدول رواتبهم، أسوة بأقرانهم في مدارس الدولة، للحيلولة دون وقوعهم ضحية لجشع مستثمري المدارس الأهلية.”
يضيف جواد: “من غير المعقول أن تكون رواتب المدارس الأهلية وبدوام كامل (250) ألف دينار فقط، مقابل مليون دينار أو أكثر لما يدفعه الطلبة فيها.”
الاستغلال أعلى درجات الظلم
يقول المدرس (أسامة حسين) من خان بني سعد لـ “مجلة الشبكة” إن “انعدام فرص تعيين المدرسين من أهم أسباب جشع مستثمري المدارس الأهلية باستغلال جهود الخريجين غير المتعينين الراغبين في ممارسة مهنتهم لخدمة وطنهم مقابل رواتب مخزية لا تسد أدنى حاجات أسرهم.”
وأضاف حسين أن “أعلى درجات الظلم هو الاستغلال، وأن الظالم لا يدخل الجنة ولن يرضى الله تعالى عنه يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، لذا أدعو المستثمرين الى أن يخشوا الله في مدرسينا الأجلاء، مربي الأجيال وبناة الوطن وحملة مشاعل العلم.”
بدل الخريطة والسبورة، عدتي.. معول وفأس!
يقول فاضل البياتي(40عاماً) من بغداد، خريج كلية التربية، في حديثه لـ “مجلة الشبكة”: “منذ خمسة عشر عاماً أحمل أوراقي الى دوائر التربية عسى أن أحظى بفرصة للتعيين كمدرس، لكني لم أوفق لأسباب مختلفة، منها قدم سنة تخرجي أو تخصصي أو عدم توفر شواغر في المدارس، أو أسباب أخرى، في كل مرة تغلق الأبواب بوجهي.”
يضيف البياتي: “لذا اضطررت للعمل في ثانوية أهلية براتب متواضع بموجب عقد مع المستثمر، لكن سرعان ما انقلب الأمر علي وعلى جميع المدرسين بسبب جائحة كورونا عام2020, إذ أخذ الراتب يتآكل شيئاً فشيئاً وأصبح مخجلاً لا يتعدى المئة ألف دينار، ولا يكفي حتى لأجور النقل من والى المدرسة، وقد تذرع المستثمر بأننا نعطي الدروس عبر المنصة الإلكترونية، رغم أن هذا الأمر لم يدم سوى وقت قصير، ثم عدنا الى الدروس الحضورية، لكن الراتب بقي متدنياً، ما بين (90ـ 75) ألف دينار، فاضطررت الى ترك التدريس والذهاب الى مسطر العمالة، حيث كانت عدتي معولاً وفأساً وليست خريطة وسبورة، لكي لا تقضى عائلتي جوعاً.”
اليأس وتقدم العمر
هيفاء جبار، (28 عاماً) من واسط، تركت التدريس في إحدى الثانويات الأهلية. تقول: “بحثت مراراً عن فرصة للتعيين ولم أوفق، فسعيت الى العمل في دوائر أخرى غير التربوية، كالكهرباء أو الصحة وغيرهما، لكن من دون جدوى.”
أضافت: “بعد شعوري باليأس من التعيين الحكومي، وخشية من تقدم عمري وعدم ممارستي مهنة التدريس، وبسبب شظف العيش، وأنا أحمل هموم أفراد أسرتي التي تمني النفس بوظيفة حكومية تدر علينا مورداً مالياً يتناسب وصعوبة المعيشة، اضطررت الى العمل في مدرسة أهلية، على الرغم من قلة رواتبها، وقد وعدنا مستثمرها بالزيادة بمرور الوقت، لكن ذلك لم يحصل، بعد ذلك أبلغنا بأنه سيقلل الرواتب بدل زيادتها، وأن بإمكانه تشغيل عشرات المدرسين غيرنا وبأقل مما نتقاضاه، وهو أمر وارد بكل تأكيد، فتركت العمل.”
جشع المستثمرين
من جانبها، شددت المشرفة الاختصاصية في وزارة التربية (د. أزهار كامل) على “ضرورة النظر بعين الاعتبار الى المدرس وأهمية عمله الكبير ومهنته ودوره الوطني في تطوير مستوى طلبة العلم من جهة، وتنمية المجتمع الذي يعيش فيه من جهة أخرى.”
ودعت كامل في حديث خصت به “مجلة الشبكة” الى “ضرورة تضمين قانون التعليم الأهلي فقرة تنص على تحديد الأجور او الرواتب بما يليق بمدرسي أو محاضري المدارس الأهلية، وبما يتناسب مع ما يبذلونه من جهود تضاهي أقرانهم في المدارس الحكومية.”
وقالت إن “من أهم أسباب تدني رواتب مدرسي التعليم الأهلي هو استغلال المدرسين من الخريجين الجدد أو غير المعينين لتحقيق أرباح من تسخير إمكانياتهم وقدراتهم تحقيقاً لجشع المستثمر، وخير شاهد على ذلك ما شهدناه خلال فترة الحظر الصحي خلال العامين الماضيين بسب جائحة كورونا، إذ على الرغم من استيفاء أجور الدراسة من أهالي الطلبة، لم يكن هناك أجر مناسب للمحاضرين بما يستحقونه، بل جرى الاستغناء عن الكثير منهم.”
وأضافت أن “هناك نوعين من الأجور الدراسية، الأول راتب زهيد وثابت يضطر المدرس ممن لم يحظ بفرصة التعيين الحكومي الى القبول به، والثاني على شكل أجور مقطوعة للمحاضرة الواحدة للمدرس القديم أو المتقاعد، أو المعروفة بالدروس الخصوصية.”