سمير ناصر/
قد يكون الترابط الأسري وحميمية العلاقات أبرز ما يميّز المجتمعات الشرقية ومنها المجتمع العراقيّ بالتأكيد. ولا يختلف عراقيو الخارج في تحلّيهم بهذه الميزة عن عراقيي المهجر الذين حملوا تقاليدهم العراقية الراسخة أينما حلوا وارتحلوا.
العراقيون المقيمون في السويد لم تُنسهم دولة اللجوء السمات التي تميّزهم من تكاتف وتلاحم أسريّ ونبلٍ وكرمٍ وسائر الصفات الحميدة التي أصبحتْ مثار اهتمام المجتمع السويديّ نفسه. معتبرين إياها ملمحاً غريباً عن مجتمعهم الذي يتسم عموماً بإعلاء صفة الفردانية، حيث نادراً ما تجد اهتماماً بجوّ الأسرة الذي يفترض التكاتف والتعاون، ففي غالب الأحيان نرى أن الآباء السويديين لا يرون أبناءهم الذين تجاوزوا عمر الثامنة عشرة إلا في المناسبات وعلى فترات متباعدة، وكذا الأمر مع الأخوة فيما بينهم إذ يندر أن يلتقوا في ظلّ غياب شبه تامّ للجوّ العائليّ كما نعرفه في مجتمعنا العراقيّ داخل العراق وخارجه.
ويبدو أن السويديين قد استعاضوا عن هذه العلاقات الأسرية بعلاقات مميزة مع حيواناتهم الأليفة (الكلاب والقطط خصوصاً) التي يقضون معها معظم أوقات فراغهم في اصطحابها بنزهات في الهواء الطلق، والتعامل معها باعتبارها أبناء لهم.
عائلة تتفكك بسبب قطة
سيدة سويدية قالت أنها كانت تعيش مع ابنتها ذات الـ(23) عاماً في شقة بعد انفصال الابنة عن زوجها بسبب المشاكل العائلية، لكن ما لبثت البنت أن انفصلت عن أمها أيضاً والسبب قد يكون تافهاً في نظرنا، لكنه سبب يكفي لانفصال البنت عن أمها في نظر السويديين. وسبب تفكك هذه العائلة الصغيرة يتمثل في أن قطة البنت لا ترتاح إلى كلب الأم، ونزولاً عند رغبة مزاج القطة قررت البنت أن تترك أمها لئلا تعكر صفو راحة القطة التي تقول عنها البنت أنها مستعدة لأن تفديها بحياتها. والأمّ من جهتها لم تتأثر كثيراً بهذا الانفصال فهي الأخرى تريد توفير الراحة لكلبها وضمان استقراره النفسيّ الذي هو أهمّ عندها من علاقتها بابنتها.
وفي مشهد آخر أكثر غرابة، رجل سويديّ مسنّ يعيش في شقته التي يتقاسمها معه كلبه، وذات يوم استيقظ جيرانه على نباح الكلب غير المسبوق ليجدوا أخيراً أن الرجل توفي منذ أيام، ولولا جوع الكلب ووفاؤه لصاحبه لما عرف أحد بموت هذا الرجل.
السويديون: شكو ماكو
برغم أن جميع لغات العالم تقريباً تسمعها في الشارع السويدي باعتبارها دولة لجوء، إلا أن كثيراً من السويديين يجدون نكهة خاصة في نطقهم للهجة العراقية حتى باتت مفردات كثيرة منها تتردد على ألسنتهم.
يقول (يوهان لينرت) وهو يعمل مدرساً في مدارس تعليم الكبار: أنا سعيد جداً كوني أقوم بتدريس الجاليات العربية اللغة السويدية، خصوصاً أبناء الجالية العراقية الذين أجد في كلامهم ولهجتهم شيئاً من الغرابة لا أجدها في اللهجات الأخرى.
لهجتكم صعبة، يقول لينرت، لكني برغم هذه الصعوبة أصبحت أحفظ كثيراً من مفرداتها مثل (الله بالخير، شكو ماكو، استكان جاي، السلام عليكم، مرحباً وغيرها كثير). وكثيراً ما أطلب من طلبتي العراقيين التحدث بلهجتهم المحببة، وأرددها مع زملائي الأساتذة في فترة الاستراحة، بل غالباً ما أتحدث بالمفردات العراقية مع أفراد عائلتي الذين أحبوا هذه الكلمات، خصوصاً الكلمة الغريبة (شكو ماكو).
عراقيون يسرقون قلوب السويديات
ستّ صديقات من الشابات السويديات تتراوح أعمارهنّ ما بين 23 – 28 عاماً، قررن الاقتران بشبّان عراقيين متواجدين في السويد، حيث اختارت الشابة (ماتلندا) الزواج من ابن السماوة (مظفر) فيما اختارت (ايلين) الارتباط بالشاب البغدادي (علي) وكان نصيب (موا) الشاب الكركوكلي (عبد الله)، أما (مولن) فقد أُغرمت بابن الرميثة (حسين) ووقع اختيار (ماريا) على ابن الكاظمية (أسعد)، وأخيراً تزوجت الشابة السويدية (أنديا) من الشاب ابن الحلة الوسيم (إبراهيم).
الفتيات السويديات الستّ قلن ان زواجهنّ من عراقيين كان بدافع حاجتهنّ إلى الألفة والمحبة التي لدى العراقيين الذين شكل أغلبهم أسراً ناجحة وعوائل متكاتفة تحيطهم الطقوس المتميزة والأجواء الأسرية المريحة والجميلة. الفتيات أضفن أن “حياتنا الجديدة بعد زواجنا اختلفت تماماً عن الحياة المعتادة التي كنا نحياها على الطريقة السويدية حيث بتنا نتحسس بعمق أهمية أن يكون المرء اجتماعياً وأن يحظى بدفء العائلة.
ماتيلدا أسلمت على يد مظفر
الشابة السويدية (ماتيلدا لوش نيدليوس) 28 عاماً والتي تزوجت من الشاب العراقي (مظفر محسن احمد) تقول لـ(الشبكة): “حين كان عمري 15 عاماً تعرفت على (مظفر) وقد أعجبت به كثيراً لأناقته وجمال أخلاقه وقد بادلني ذات الشعور”. مضيفة “أنا من عائلة معروفة حيث إن والدي تاجر من أثرياء السويد، وقد اتفقت أنا ومظفر على الزواج غير أن عمري لم يسمح وقتها لي بالاقتران منه كوني دون السنّ القانونية للزواج، فضلا عن معارضة والدي لأسباب دينية، غير أنه حين رأى إصراري وانحياز والدتي لقراري وافق أخيراً وتمتْ مراسيم الزواج بعد بلوغي (18)عاماً في حفل كبير طالما كنت أحلم به، وقد تستغرب إذا قلت أن كل طقوس زفافي تمت وفق الطريقة الإسلامية”.
ماتيلدا لم تندم لإجرائها طقوس زفافها على الطريقة الإسلامية، بل أصبح مصدر فخرها فهي تقول “بعد تعرفي على عائلة مظفر وأصدقائه ازداد إعجابي بالديانة الإسلامية فوجدت نفسي أقرب إلى تعاليم هذا الدين ولهذا أعلنت إسلامي وارتديت الحجاب”.
محظوظة من تتزوج عراقياً
هي تشعر أنّها من خلال إسلامها اكتشفتْ جزءاً من شخصيتها كان مفقوداً لديها، اعترفتْ ان نظرة السويديين عموماً للدين الإسلاميّ لم تكن تلك النظرة المثالية بسبب ارتباط هذا الدين لدى أغلب السويديين بالمنظمات الإرهابية التي ألصقتْ نفسها بالإسلام، مضيفة أن خروجي في الشارع محجبة لم يلاق استحساناً من قبل كثيرين يعرفونني، ربما بسبب الصورة التقليدية التي تسم الإسلام بميسم القاهر للمرأة والمضيّق على حرياتها، لكنني ـ تضيف ما تيلدا ـ أصررت على المضيّ في الطريق الذي اخترته فقد عرفت الله الجميل المتسامح.
ماتيلدا تتعلم اللغة العربية الآن لرغبتها العميقة بقراءة القرآن، وتقول “ان السكينة التي أنعم بها الآن لا تقدر بثمن”. وقررت أخيراً أن تردّ الجميل لهذا الدين من خلال إلقائها محاضرات مجانية تشرح فيها للسويديين “مظاهر الإنسانية والتسامح التي ينطوي عليها الإسلام”.
وكسائر الفتيات السويديات اللواتي اقترنّ بعراقيين تجد ماتيلدا نفسها “في غاية السعادة” خاصة بعد أن أصبحتْ أماً لابنتين جميلتين هما نعيمة (9) سنوات وسارة (7) سنوات. متمنية أن ترزق بولد من حبيبها وزوجها العراقيّ.
واختتمت حديثها بالقول “أوصيت أهلي أني بعد موتي أريد لأطفالي أن يعيشوا في العراق. أريد لهم أن يحيوا على الطريقة العراقية حيث سيجدون من يأخذ بأيديهم ويهتم بهم ويتابع شؤون حياتهم”.
“نحن محظوظات”، قالت ماتيلدا، أنا وصديقاتي اللواتي تزوجن من عراقيين، محظوظات للغاية.