الشبكة العراقية / جبار عبد الله الجويبراوي/
وقد أظهر الشيخ شعلان كثيراً من الشجاعة والإباء في مقابلته مع معاون الحاكم السياسي في الرميثة الملازم (هيات)، ما دفع هذا الأخير إلى حجزه وتوقيفه في السراي، بقصد إرساله إلى مدينة الديوانية بواسطة القطار.
وأثناء ذلك اصطدم الإنكليز برجال عشيرة الظوالم في مطلع تموز، لتشتعل الثورة التي امتدت إلى أرجاء العراق كافة. ومن المؤكد أن الثورة لم تكن ردة فعل على حادثة، إنما جرى التخطيط لها خلال اجتماعات سبقت اندلاعها.
وبمناسبة ذكرى هذه الثورة الخالدة، تنشر “الشبكة العراقية” شهادة مهمة تؤرخ للاجتماع الذي حدد ساعة الصفر لاندلاع تلك الثورة…
يروي شيخ قبيلة ألبو سلطان (غسان عبود الهيمص) ذكريات الاجتماع السري الأول الذي حدد ساعة الصفر لاندلاع ثورة العشرين، في بيته الذي شهد اتفاق قادة الثورة عام 1920م في أول مؤتمر سري لتحديد ساعة الصفر. وحضر المؤتمر الشيخ مظهر الحاج صكب، والشيخ شعلان العطية، والشيخ صلال الفاضل الموح، والشيخ مرزوك العواد، والشيخ السيد كاطع العوادي، والشيخ سعدون الرسن، والسيد هادي المكوطر، والسيد هادي زوين، وغيرهم، حيث اتخذوا قراراً بأن أفضل وقت لاندلاع الثورة هو نهاية شهر حزيران، أو مطلع شهر تموز، إذ يكون وقت حصاد المزروعات قد انتهى.
حصار الديوانية
بدأت الثورة في الرميثة، بعد قيام السلطات البريطانية بسجن الشيخ شعلان أبو الجون، وعلى إثر ذلك حاصرت العشائر مدينة الديوانية، فقرر الإنكليز سحب قطعاتهم العسكرية إلى الحلة. وعند سماع تلك الأخبار، أخذت عشائر عفك والأكرع والصفران وبني حجيم وغيرها من عشائر الديوانية بالتجمع، وبادرت بشن الهجمات على قطعات الجيش الإنكليزي المنسحب، وهكذا بدأت الثورة.
جدير بالذكر أن النجف كانت بعيدة عن ثورة العشرين، لكونها ما زالت تنوء تحت ثقل الإجراءات الشديدة التي اتخذها الإنكليز ضد أهاليها بسبب ثورتهم ضد الاحتلال الإنكليزي عام 1918، لذلك ارتأى قادة الثورة نقل (المرجعية الدينية) من مدينة النجف إلى كربلاء، لأن الأجواء في كربلاء كانت أكثر ملاءمة واستعداداً من النجف، وبالفعل جرى نقل المرجعية من النجف إلى كربلاء، وتبع ذلك انتقال عدد كبير من علمائها إلى المركز الجديد.
فتاوى المرجعية
وخلال وجود هؤلاء العلماء والرؤساء في كربلاء، حلت المناسبة الدينية المعروفة بزيارة شهر شعبان، فانتهز الرؤساء والشيوخ، الذين يتولون مهمة الإعداد للثورة، تلك المناسبة للاتصال بعلماء الدين والزعماء الروحيين، ليؤكدوا لهم عزمهم على القيام بالثورة وإخراج المحتلين الإنكليز من البلاد. وعلى هذا الأساس جرى الاتفاق على إصدار فتاوى دينية من علماء الدين بإعلان الجهاد، كما جرى عقد أول مؤتمر سري في بيت (الهيمص) في (الشوملي)، حيث حضره رؤساء عشائر الفرات، الذي على الرغم من سريته، قد أشارت إليه (المس غرتر ود بيل)، (السكرتير الشرقي) في دائرة المندوب السامي البريطاني السير (بيرسي كوكس) في مذكراتها التي ترجمها الدكتور جعفر الخياط عام 1962، وكذلك المستر (فيليب ويلارآيرلاند) في كتابه (العراق ـ دراسة في تاريخه السياسي الحديث) الصادر عام1965.
ومما يستحسن ذكره في هذا الصدد أن الشيخ (شخير الهيمص) قد احتاط زيادة في الحفاظ على سرية المؤتمر، وذلك دفعاً للشكوك التي قد تثار عن الغرض من عقد المؤتمر، إذ إنه أشاع، حتى بين أقرب المقربين إليه، أنه يقيم دعوة غداء في بيت والد زوجته، الوجيه (جعفر الجلوب)، الذي يبعد عن بيت الهيمص بمسافة تقدر بنحو (3) كيلو مترات، ومعروف أن صاحب البيت رجل هادئ الطبع، بحيث لا يتبادر إلى الأذهان أن المدعوين إلى وليمته يحضّرون للثورة ويضعون الخطط لها.
على أن هؤلاء الزعماء والرؤساء، وإن كانوا قد اتفقوا على القيام بالثورة في اجتماعهم بكربلاء، لكنهم لم يتفقوا على موعد إعلانها، وقد تقرر هذا الأمر في مؤتمر الشوملي في بيت الهيمص، حين جرى البحث والتداول في اختيار الوقت الملائم لقيامها في 30 حزيران من عام 1920حيث يكون وقت الحصاد للمزروعات قد انتهى، كما ذكرنا آنفاً.
وقد أصبح ذلك البيت -فيما بعد- قبلة لرجال السياسة والفكر، وكان أول الزائرين الوصي وبعض رجالات الدولة آنذاك عام 1953.