آية البهادلي/
كان أحد الببغاوات المعذبين حائراً بزمانهِ الأغبر وبريشاتهِ الفيروزية المموجة، فيما يحاول الوقوف بصعوبةٍ على أحد أسلاك القفص الجانبية المعقوفة ليستند عليها بسبب عدم وجود عصا خاصة للاتكاء عليها، وحينما سألت صاحب المحل عن سبب عدم توفيره لعصا ترحم هذا الببغاء – المكسور الظهر والخاطر- وتجعله يقف بصورة جيدة دون الحاجة للترنحِ في قفصٍ ظالمٍ يشبه أيامنا الحالكة، أجاب منزعجاً وبسرعة حادة وثقة مطلقتين:
“أود أن أعاقبه لأنه يأكل كل عصا خشبية أجلبها له.” صُدمت وأنا استمع لعبارته هذه، وتساءلت عما إذا ما كان يعلم أن ما يفعله الببغاء هو أمر طبيعي وفطري يحتاجه الببغاء لمنع تيبس منقاره، أيعقل أن يعاقب حيوان لا يفهم ما معنى العقاب؟ أيعقل أن يحرم الحيوان من غريزته؟ بعد ذلك قامت إحدى النساء بشراء عصا بلاستيكية وضعتها له ليقف عليها بصورة مريحة، مع علمنا جميعاً بأننا عند عودتنا المقبلة سنجد هذا الطائر او غيره في موقف مشابه من التعذيب.
سوق تعذيب الحيوانات
يبدو سوق الغزل، منبع ومصدر تجمهر رواد عالم الحيوان ومحبيه في العراق ككل التفاصيل الموجعة الأخرى التي تعيشها البلاد، إذ لم يسلم هذا السوق ايضاً من التقصير والإهمال، لكن هذه المرة بحق الحيوانات من قبل مالكيها، حيث تحدث أمور بشعة ومعاملة سيئة يستغل خلالها بعض مالكي الحيوانات انعدام الرقابة وإهمال الجهات المعنية.
سلاحف في علبة إسفنجية
“جميعنا نحب سوق الغزل لأنه مكان يحوي مئات الأنواع من الحيوانات، لكن حينما ترى كم الإهمال الذي تعانيه تلك الحيوانات، تعلم أن لا أمل في هذه البلاد، أبنائي يدفعونني للخروج منه كلما وجدوا حيواناً يئن من الألم.”
هكذا يوضح أحمد البكري، وهو أب لثلاثة أطفال متعلقين بالحيوانات، ويكررون زياراتهم برفقة أبيهم الى سوق الغزل لكنه، وكل مرة، يصدم بموقف غريب يحدث في سوق الحيوانات الكبير هذا، حتى أن ابنته في المرة الأخيرة بكت بشدة حينما شاهدت عشرات السلاحف مرصوف بعضها فوق بعض في علبة اسفنجية! دون ترك أية مسافة لتنفسها او حركتها، يكمل حديثه لـ “مجلة الشبكة”:
“كان الموقف صادماً، وحينما سألت البائع، أجابني بوقاحة: وانت شعليك؟ أخبرته أنها كائنات حية، تتنفس وتستحق مكاناً أفضل يليق بها دون رصّ السلاحف واحدة فوق الثانية، لكنه طلب مني أن اشتريها جميعاً لإنقاذها إذا أردت! أو السكوت.
الأطفال يخشون مثل هذه المشاهد
ويؤكد البكري أنه لا يريد لأطفاله التعود على مشاهد وضع الحيوانات في أماكن ليست مناسبة لها، واعتبارها مواقف طبيعية او اعتيادية:
“كان الصغار يحبون الذهاب الى السوق لمشاهدة مختلف الحيوانات، لكنهم اليوم يقولون إنهم لا يريدون رؤية حيوان وهو يتعذب بصورة غير مباشرة، وليس شرطاً أن يكون التعذيب بالضرب، بل إن إهماله هو موت بطيء أيضاً.”
أسماك قرش في سوق الغزل
اما سندس الحسناوي، فتعودت -وبشكل مستمر- الذهاب الى سوق الغزل لشراء الأسماك التي يبدو أنها تحبها جدا، لكنها وككل زائر، كما تقول، تصدم بالأشكال الغريبة للأسماك التي لا تشبه الأسماك التي تعيش في البيئة العراقية مطلقاً .
“كانوا يضعون مجموعة أسماك مختلفة معاً لمحاولة تهجينها، وهذه كارثة، لأن جلب بعض الأسماك الغريبة ووضعها في أحواض تحوي أنواعاً أخرى سيرعب الحيوانات جميعها ويهدد بالكثير من المشكلات البيئية، ولا يفهم الكثيرون هذا الأمر.”
وتعلل سندس ذلك بأن الحيوانات يجب أن تكون في مكان تشعر فيه وكأنه بيئتها، وبغير ذلك تتعرض الى النفوق، مسترجعة أسماكها كمثال، مؤكدة أن بعضها يموت اذا ما اختلط مع أنواع اخرى، فكيف إذا بحيوانات مختلفة كلياً؟
“أحاول كل مرة النقاش مع أصحاب المحال، بتجريم وضع أسماك قرش في سوق الغزل، فماذا تفعل أسماك القرش هنا؟ إن مكانها في المحيطات والبحار وليس في سوق يفتقر حتى الى مراوح او مدافئ للحيوانات، ماذا يفعل تجارنا من أجل المال؟ الى أين سيقودنا جشعهم؟ كيف يكون الجشع؟
أحد أصحاب محال بيع الأسماك رفض تصويرنا لأكياس بلاستيكية صغيرة جداً يضع في داخل كل منها سمكة وقليلاً جداً من الماء، فيما يكوّم هذه الأكياس الصغيرة بعضها فوق بعض في علبة إسفنجية، كان مشهد وضع الأسماك في أكياس مع ماء قليل بشعاً للغاية، مشهد تجده في هذا السوق فقط، حتى أنه رفض الجواب على سبب وضع هذه الأسماك بهذه الصورة، ولم نعرف حتى اللحظة لماذا؟
جريمة بحق الحيوانات
الناشط البيئي رعد الأسدي أوضح لـ “مجلة الشبكة”، أن ما يحصل في سوق الغزل هو جريمة كبرى بحق الحيوانات، وأن أسواقاً مثله في الدول الأخرى تكون محمية بالقوانين والمتابعة الدائمة، فهم يعرفون كم هو عدد الحيوانات بالضبط، وما تحتاجه مع جلسات تلقيح مستمرة وتطعيم للحفاظ على سلامتها.
“هنالك قانون يخص الحيوانات في العراق لكنه مهمل، وما يحدث بحق الحيوانات في السوق لهو أمر مخز جداً، لا يقترب من الإنسانية أبداً، أصحاب المحال والتجار مستعدون لفعل أي شيء في سبيل كسب الأموال، ولو كان على حساب هذه الحيوانات أو على حساب تهديدها بالنفوق، كذلك يعمد البعض الى جلب حيوانات نادرة مهددة بالانقراض ويعرضها تحت أشعة الشمس اللاهبة في بيئة قاسية.”
ويحث الأسدي على وجوب تخصيص فرق جوالة، تحاسب وتكشف وتراقب السوق بين الحين والآخر ومحاسبة المقصرين، مؤكداً أن محاسبة المسيئين ستجعلهم أكثر احتراماً للحيوان.