عن موقع / بكيور أند كيلتشر
سارين أرسلانيان
ترجمة/ آلاء فائق
في عصر يتسارع فيه التطور العلمي والتكنولوجي ليصل ذروته، لا تزال الكثير من شعوب وقبائل العالم تعيش خارج إطار الزمن، منعزلة تماماً عن العالم، وليس لها تواصل مع المجتمعات المجاورة والمجتمع العالمي، لكنها محافظة في الوقت ذاته على عادات وطقوس متوارثة عبر آلاف السنين.
في أقصى غرب إثيوبيا، بالقرب من حدود جنوب السودان في جزء معزول من وادي (أومو) العلوي، تحديداً على ضفاف نهر أومو، تعيش قبيلة (المورسي) الإفريقية حياة بدائية غريبة، تمتاز بتزيين شفاه نسائها بأقراص طينية وخشبية، بينما يتجمّل الرجال بالطين الأبيض. لغة المورسي هي اللغة التي يتحدث بها أبناء القبيلة باعتبارها اللغة الأم، وهي مصنفة على أنها سومرية، وهي فرع من عائلة اللغات النيلية الصحراوية.
التزين بالأقراص
حالها حال معظم القبائل الإفريقية التي تقطن المنطقة، تمتاز قبائل المورسي بعادات غريبة، فمعايير الجمال والزينة لديهم غريبةٌ ووحشية، إذ تقوم نساء المورسي بثقب شفاه الفتيات عند بلوغهن سن 15 عاماً، ويدخلن قرصاً خشبياً أو صحناً فخارياً في شفاههن السفلى، وتجري عملية إزالة الأسنان الأمامية للفتاة لتحاشي احتكاكها بالقرص!
تعد هذه الممارسات الغريبة طقوساً للانتقال من سن المراهقة الى البلوغ؛ كما أنها تمثل علامة الانتماء الى القبيلة وزينة نسائها.
تعتبر قبيلة المرسي أقراص الشفاه الطينية والخشبية رمزاً للجمال والخصوبة والصمود، لذا تقوم فتيات القبيلة بعمل تصاميم مختلفة لهذه الأقراص بمختلف الألوان، يضعنها على شفاههن السفلى، وبإمكان الفتيات إزالتها في أي وقت، ويفضلن ارتداءها في المناسبات الخاصة، أو عند تقديمهن الطعام للرجال، ويتوقفن عن ارتدائها في فترات الحزن والحداد، وعند قيامهن بالطهو أو الأعمال المنزلية.
جمال المرأة في قرصها
من المعروف لدى سكان هذه القبيلة الإثيوبية أنه كلما زاد حجم القرص، كلما زاد جمال المرأة وزادت فرصتها في الزواج. يتوافد السياح لزيارة هذه القبيلة لموقعها بالقرب من مدينة (جينكا) في وادي أومو، إذ تجذب تلك الأقراص العديد من السياح المفتونين بهذا التقليد. عند السفر من جينكا، يتعين على الزائر دفع رسوم الدخول الى متنزه (ماجو) الوطني، موطن قرى هذه القبيلة، وبالنظر للتراث التاريخي والثقافي الغني لإثيوبيا والمناظر الطبيعية الخلابة، فإن كل ثانية من الرحلة تستحق العناء. كما أن إتاحة الفرصة للتفاعل مع السكان المحليين، ولاسيما النساء، ليس بالأمر السهل دائماً. ونتيجة لنمو السياحة في المنطقة مؤخراً، أصبحت قبيلة المرسي أكثر اعتياداً على السياح، الذين لا يبخلون على نساء القبيلة بالمال مقابل الحصول على صورة.
قصة الأقراص
مثل العديد من تقاليد القبائل وتاريخهم الثقافي، يجري نقل القصص شفهياً من جيل الى آخر. ويمكن أن تكون لكبار السن المحليين في القرى والمرشدين المحليين آراء مختلفة بناءً على ما قيل لهم. هناك بعض النظريات عن كيفية بدء تقليد أقراص الشفاه، لكنها ستظل مجهولة. من الشائع أنه جرى قديماً تشويه الفتيات والنساء لجعلهن أقل جاذبية لتجار العبيد. ومع مرور الوقت، أصبحت أقراص الشفاه رمزاً للجمال، وسرعان ما أصبحت مرتبطة بالخصوبة والأهلية للزواج لدى سكان القبيلة.
مهر الزواج
للماشية أهمية كبيرة لدى قبائل المورسي، ولا سيما الرجال، فهي تحدد مهر زواجهم، كما أنها تستعمل في الطقوس الدينية والاحتفالات. يتكون المهر عادة من 30 – 40 بقرة، تنتقل هذه الثروة من عائلة العريس الى عائلة العروس، وعليه فإن قبائل المورسي يفرحون بولادة البنت ويعتبرونها نعمة، فهي تُسهم في نمو ثروة الأب. ويتضمن مهر الفتاة منحها بندقية أيضاً، وذلك من أجل حماية الماشية من السرقة، وتفادياً لتعدّي القبائل المجاورة، وتعتبر الماشية كنزاً ثميناً، فحتى الأسماء تُعطى وفقاً للون البقرة المفضلة لديهم.
هل توقف تقليد الأقراص؟
التقليد القبلي لوضع أقراص الشفاه اختياري، والعديد من فتيات القبيلة اخترن التوقف عنه. كما مارست الحكومة ضغوطاً لوقفه، تفادياً لنقل العدوى والتسبب في مشكلات صحية خطيرة. وعلى الرغم من احترام الرجال لثقافة قرص الشفاه التقليدي، لكن يبدو أن معظمهم باتوا يحترمون رغبات الفتيات أيضاً. مع هذا التغيير، ستكون مسألة وقت فقط لكيلا يكون هناك المزيد من أقراص الشفاه.
النجاة من المجاعة بفضل الأفيال
نجت قبيلة المورسي من مجاعة كادت تهلكهم في القرن الـ19 الميلادي بفضل صيدهم للأفيال. لا تعرج المصادر التاريخية كثيراً على تاريخ وأصول قبائل المورسي، كونهم عاشوا بعض الوقت بنوع من العزلة، علاوة على عدم امتلاكهم تاريخاً موثقاً؛ إذ يُعتقد أنّ قبائلهم وصلت الى الضفاف الشرقية لنهر أومو منذ نحو 200 عام.
لكن ما هو مؤكد أنه في العام 1890 كانت قبائل المورسي موجودة بالفعل على ضفاف نهر أومو، وفي نهاية القرن الـ19 تفشى وباء أتى على العديد من رؤوس الماشية، وتسبَّب بمجاعة، عُرفت باسم (روبوجا).
تمكنت المورسي من البقاء على قيد الحياة بفضل الزراعة وصيد الأسماك، وبينما كان أفرادها يُواجهون هذه المجاعة، وصل المستكشف (فيتوريو) الى نهر أومو، وأشار إلى أن المورسي كان لديهم عدد قليل من الماشية، لكن ما ساعدهم على البقاء هو صيدهم الأفيال.