إياد السعيد /
رغم السوداوية التي وضعنا فيها عنوة الإعلام المتخبط المتعدد الاتجاهات والأغراض، فثمة قصص نجاح لشباب جسدوا قوة إرادتهم وصنعوا مستقبلهم وشقوا طريقهم بدون ضجيج وبدون الاعتماد على الحكومة، في البحث عن تعيين أو وظيفة تؤمن لهم ما تؤمنه الدولة للمنسوب الى إحدى الوزارات.
وبالطبع فإن تجارب كهذه لا تثير الفضائيات لأنها لا تؤمن لها جانب الإثارة ولا التثوير في إعلام متحارب جهوي متحزب، والجديد فيه الانتشار على حساب المضمون مهما كان.
من هنا، وإيماناً بواجب المهنية، ارتأينا أن نسلط الضوء على بعض هذه القصص لعلها تكون دروساً للشباب الباحثين عن مستقبل ومهنة تؤمن لهم عيشاً كريماً.
تؤكد التجارب والأخبار أن غالبية مالكي الثروات بدأوا حياتهم من الصفر بدون الاعتماد على إرث أو ضربة حظ، بل من فكرة مشروع فريدة وكفاح انتهى بثروة ومركز اجتماعي، بل وحتى سياسي. وباستطاعة القارئ أن يتعرف على أسماء أغنى الأشخاص في العالم بمجرد البحث في شبكة المعلومات ليتعرف على حياتهم وكيف بدأوا. ولسنا هنا ندعو شبابنا إلى أن يكونوا ضمن قائمة الأثرياء فالطموح من حق الجميع، لكن في ظل هذه الظروف لابد لنا من أن نعتمد على كفاءاتنا الخاصة ومواهبنا وخبراتنا من أجل العيش الكريم الذي يبعدنا عن الوظيفة الحكومية التي أصبحت من المستحيلات الآن بسبب ترهل المؤسسات بمواردها البشرية.
من محاسن العمل الحر أنه يتيح لك جدولاً زمنياً خاصاً بك للعمل والإجازة وقتما تشاء، وهذا ما لا يحصل في الوظيفة الحكومية، لذلك فإن المحبب لدى الشباب اليوم هو عمل حر يتيح له ذلك، أما الفرق بين الوظيفة الحكومية والخاصة في العراق فهو الضمان في الراتب التقاعدي على الرغم من أن عائد المشروع الخاص في غالبية الحالات أفضل.
(أحمد الزيداوي – 35 عاماً)، خريج كلية الفنون، ضرب مثلاً في الوطنية والكفاح والعمل. اعتمد على نفسه في تعلم مهنة التأسيسات الكهربائية والصحية فأبدع فيها وأصبح رقماً صعباً في مجال عمله، إذ لا يستطيع أقرب المقربين منه أن يحصل على موعد معه إلا بعد أشهر بسبب زحمة زبائنه، لأنه صادق وأمين ومخلص، وقبل كل ذلك مبدع ومتابع لآخر المبتكرات في المهنة، وهناك وقت يستقطعه من زمن عمله يومياً ليذهب من منزله في قلب بغداد إلى ناحية اليوسفية للتدريس كمحاضر مجاني في إحدى مدارسها. يقول أحمد: “أحب التدريس وتعليم الطلبة على حب الفن والجمال، وهذه رسالتي، وكما تعلم فإن وقتي ثمين جداً، لكنه ليس أثمن من الرسالة التربوية، لذلك أستخدم سيارتي وأصرف من موردي لكي أذهب إلى مدرسة في منطقة نائية، وهناك أشعر بسعادتي، الحقيقة أن عملي يومي يبدأ من الضياء الأول حتى الضياء الأخير، وأحيانا أستمر حتى الصباح لالتزامي بموعد محدد مع صاحب الدار أو البناية.”
نموذج آخر هو (علي إبراهيم)، فوجئت وأنا أسمع سرده، وكنت أظنه خريج كلية الهندسة وما فوقها من تحصيل، لكنه أكد أن تحصيله تعثر وبقي يراوح في الثانوية، لذلك يعتبر خريج الدراسة المتوسطة. أتقن اللغة الألمانية في سنة واحدة وسافر ليعمل في شركة لتصليح السيارات يقول: “أبهرهم إنتاجي وسرعتي في تعلم اللغة وإتقان عملي بسبب تجربتي في العراق، حيث كنت أعمل مع عمي في مرآب بالحي الصناعي، راتبي حاليا 3000 يورو وأعيش مرتاحاً، لم يطالبوني بشهادة بل اختبروني في الميدان ليومين وأبدوا رغبتهم في التعاقد معي، ولو كنت في العراق فلن أحصل على هذا الراتب ولا هذا الاهتمام، المشكلة لدينا باعتماد الشهادة، وهذا هو الخطأ، لست وحدي فهنا عشرات العراقيين أعرفهم من أطباء ومهندسين وعمال مهرة وأصحاب شركات كان الأجدر بالعراق أن يحتفظ بهم لخدمة الشعب العراقي وتحسين ظروفه.. لكن للأسف!!”
(س. أ) طالبة في كلية الطب، يتيمة الأب، بدون مورد، مسؤولة مع والدتها عن معيشة ثلاث بنات أصغر منها وولد واحد بعمر 12 سنة، تعمل يوميا في تجهيز طعام حسب الطلب في منزلها لعائلات ومناسبات لتدبير المعيشة. تؤكد أنها سعيدة جداً لأنها تحملت المسؤولية بنجاح، وتصف حياتها بـ (الجهاد والقتال على جبهتين، المعيشة والدراسة)، وما أعظمه من جهاد!!
عشرات الآلاف من هذه النماذج يعيشون بكرامة ولم يمدّوا أيديهم لطلب معونة أو مساعدة مالية، لأنهم حركوا عقولهم قليلاً وفكروا خارج الصندوق -كما يقال- ومتفائلون دوماً على الرغم من الواقع المرير في عدم توزيع الثروة العادل بين أبناء الشعب بسبب نظام المحاصصة الذي وزع الوظائف والمناصب حصصاً بين الأحزاب، وبذلك أربك الوضعين الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.