كيف يقرأ الغرب ثورة الحسين ؟

رجاء الشجيري/

ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الظلم والباطل، ورسالته في نشر مبادئ السلام والعدالة في بقاع الأرض، كانتا عالميتين بكل مقاييسهما وعمقهما الإنساني، إذ لم تقتصرا على المسلمين فحسب، بل أصبحتا نبراسا فكرياً للبشرية جمعاء. وليس غريباً أن وجدنا مفكرين وقادة وسياسيين وفلاسفة وثوار وأكاديميين وعلماء وسفراء أجانب في ذهول واقتداء بما قدمه الحسين (عليه السلام) من عطاء وتضحية عظيمة لإعلاء كلمة الحق ضد طواغيت الشر.
تعلموا من الحسين
فاجعة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ومظلوميته وانتصاره الأبدي، كانت مثار إلهام للعالم، حتى أن الكثير من الكتب والدراسات كانت قد نهلت من قضية الإمام الحسين عليه السلام. بينهم الكاتبة (لورا فيشيا فاجليري)، وهي مستشرقة وباحثة إيطالية، عملت أستاذة في الجامعة الشرقية في نابولي، قد ناقشت قصة كربلاء والإمام الحسين (عليه السلام) في جزء من كتابها المسمى (تاريخ الإسلام)، ولها أيضا الطبعة الثانية من موسوعة (ليدن للإسلام) مع مدخل بعنوان (الحسين بن علي عليه السلام)، وغيرها الكثير الكثير من المؤلفات لكتاب ومفكرين غربيين.
سفراء ودبلوماسيون
كان للسفراء والدبلوماسيين في العراق تأثرهم، بل ودقة بحوثهم ومعلوماتهم عن الروايات التاريخية عن الحسين وأهل البيت (عليهم السلام)، وما حدث من استشهاد وبطولة، لذا كانوا حريصين على الاستشهاد بقضية الحسين وربطها بالمناسبات في كلماتهم، نذكر منها كلمة السفير البريطاني (سايمون كولس) التي ألقاها في العراق عن القضية الحسينية والسيدة زينب وأهل البيت عليهم السلام عام 2012 حينما قال: “إنه يوم حداد لذكرى ضحايا الظلم، كما إنه يوم للتأمل الذاتي. هذا العام تزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يصادف في الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام. إنه أيضاً يوم لتذكر ضحايا الظلم والتفكير فيما يمكن لكل واحد منا القيام به لمنع الظلم. يخبرنا المؤرخ الطَبري أنه حين مرت السيدة زينب بنت علي أمام الجسد الذبيح لأخيها الإمام الحسين شعرت بالفاجعة وانتابتها الحسرة الشديدة أن تكون بنات النبي (ص) أُسيرات، ودعت إلى تحرير إحدى بنات الحسين فاطمة الكبرى وحمايتها من أي اعتداء. وعلى الرغم من ذلك، فإن بنتاً أخرى للحسين، وهي رقية، التي كانت طفلة حينذاك، قد ماتت في الأسر.”
كما شارك السفير الياباني “فوتوشي ماتسوموتو” في احياء أربعينية الإمام الحسين وزار مرقد الامام مشاركا في طبخ “القيمة”، وهو يردد “السلام عليك يا أبا عبد الله” وهو مبهور بنبل القضية الحسينية ضد الظلم…
كما كانت للسفير الهولندي في العراق يوهانيس لينديرت ساندي زيارة أيضا لمرقد الإمام الحسين عليه السلام قائلا “أنا منبهر جداً ليس على صعيد وظيفتي كسفير لمملكتي لدى العراق، لكن على مستوى شخصي كإنسان، لأني تأثرت بالمرقد والقصة الحزينة للإمام الحسين (عليه السلام) وهو مزار ليس للشيعة فقط بل شاهدت الناس وهم يقبلون عليه من مختلف الطوائف، وهذا سبب آخر يدعوني الا تكون هذه زيارتي الأخيرة لمرقد الإمام الحسين”.
مشاهدات (كلاسمان)
بتاريخ 4 /11/ 2018 زار أستاذ العلوم السياسية في جامعة (كينت) وعضو مجلس اللوردات البريطاني (د. موريس كلاسمان) العراق أثناء مراسم إحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، وكانت له مشاهدات وانطباعات من خلال مراقبته زائري الأربعينية، مشاركة استمرت لعشرين يوماً دُونت في كتاب (العراق وستراتيجيات دول الجوار والعالم)وبعنوان فرعي (حوارات مع سفراء الدول والنخب العراقية 2017 – 2019)، وهو من إعداد وتقديم د. إبراهيم محمد بحر العلوم. ومنها: “إن هذه الزيارة الأربعينية وما يبذل فيها تمثل مذهباً اقتصادياً أخلاقياً فريداً في العالم، وإن هذا الكرم والعطاء -حسب تفسيره- مأخوذ من الموروث الشيعي والأحداث التاريخية، وكيف أن الإمام علي (عليه السلام) فتح الماء في معركة (صفين) لجيش معاوية، بالمقابل فإن يزيد وأعوانه منعوا الماء عن الحسين.”
كما ذكر لي الصحفي والكاتب علي الغريفي، رئيس (مؤسسة بحر العلوم الخيرية) ما كان يصدر من انبهار خلال العشرين يوماً، التي كان خلالها برفقة دكتور موريس في النجف وكربلاء، ذاكراً مشهد اتصال موريس الهاتفي بزوجته وأولاده ليخبرهم: “إما أن تكونوا حسيناً مع الحق أو أن تكونوا يزيداً مع الباطل”.. وهو المعيار الإنساني الذي تجسد أمامه.
أربعون عالمية
دون كلاسمان انطباعاته في الكتاب الذي ذكرته أعلاه ص 268 وص 269
وكانت كالاتي: “إن داعش امتداد ليزيد، فأينما كانت هناك سيطرة تفرض بالظلم والعنف فهناك يزيد.” وقوله أيضاً: “جعلتموني أرى أن هناك مجالاً لعالم أفضل، وأن الميت يحيا، وأن المظلوم يمكن أن يربح إلى الأبد في النهاية.”
كذلك كان تأكيده على أن “الأربعينية عالمية وليست عراقية محلية، وأنه رأى أناساً يطعمون الآخرين ويبقون ساهرين حتى الفجر، يطبخون ويوزعون وينظفون الشوارع ويخدمون الناس.”
ومن انطباعاته أيضاً حين قال: “لم أر في الأربعينية نقوداً، بل رأيت الاقتصاد الأخلاقي.”
هكذا يظل فكر ومبدأ ووهج الحسين عليه السلام، منارات عالمية في شرق الأرض وغربها، وكل بقاعها واتجاهاتها ما حيينا..