لانشغالهم في فضاء الصورة طلبة الجامعات.. إلى أين؟

زياد العاني/

يبدو أن غالبية طلبة الجامعات العراقية اليوم مهتمون في أمور ربما تكون بعيدة عن فصول الدراسة والمحاضرات المنهجية والاختبارات، كبعدهم عن الثقافة، في الوقت الذي تعد فيه الجامعة منارة للمعرفة والفكر الإنساني بتنوعه، وينبغي أن تكون التجربة الجامعية واحدة من أهم التجارب ثراءً في حياة الإنسان، كما أنها واحدة من أسس بناء الشخصية الثقافية والاجتماعية. وللوقوف على أسباب ومعالجات تلك الموضوعة، تحدثنا مع مجموعة من أساتذة الجامعات، الذين هم في ذات الوقت من الفاعلين في الوسط الثقافي.

فضاء الصورة
(د. علي المرهج) أشار في حديثه إلى أن «غالبية الطلبة منشغلون اليوم بفضاء الصورة أكثر من فضاء الكتابة، فهم ليسوا مهتمين حتى بالدراسة العلمية إلا لغرض تحقيق النجاح، ولو كان بأقل الدرجات، وأن من يحرص منهم على التميز في دروسه تجده في الأغلب الأعم مهتماً بما هو ثقافي، وهؤلاء قلّة في أوساط الطلاب.» مبيّناً أن «ما حدث من ثورة تقنية، ولاسيما فيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، برغم ما فيها من فائدة، قد تكون علمية أو ثقافية، أثر سلباً على جل شبابنا، وبالأخص أولئك الذين اعتادوا مشاهدة ما هو رديء ثقافياً وقيمياً لكثرة تداوله!» موضحاً أن «إقبال الناس على هذه المواقع مكمنه الهوس في الوصول إلى الشهرة بأقصر الطرق، ما يداعب الغرائز ويُثير اللذة. فضلاً عن أن الكثير من شركات الإنتاج للفن والفكر أصبح بيد تجار ومستثمرين كل همهم جمع المال الذي لا يأتيهم بسرعة إلا بإنتاج ما هو مبتذل ورخيص.» مضيفاً: «لذلك يتوجب على الحكومة دعم مؤسسات الدولة الثقافية والفنية لتحفيزها على إنتاج أعمال ثقافية وفنية ترتقي بذائقة الجمهور، على أن تستهدف فئة الشباب أولاً، لأنهم فعلاً جيل المستقبل الذي لا نهضة لبلد من دون الارتقاء به ثقافياً وقيمياً وعلمياً.» وفي هذا السياق يقول (المرهج) إن «الخطوة الأولى في التنمية الثقافية تبدأ بالالتفات إلى أهمية المؤسسات التربوية والتعليمية، وبناء المدارس الحديثة وتجهيزها بأحدث وسائل التربية والتعليم، ومن ثم الاهتمام بدروس الموسيقى والفنون والعمل على أن تكون في كل مدرسة مكتبة، ليست للديكور فقط، بل لوضع برنامج وحصص دراسية فيها لتربية الطلبة على التذوق الجمالي.»
فقر علمي
أما (د. سمير الخليل)، فقد تحدث عن وجود فقر علمي في معظم الجامعات، عازياً أسبابه إلى استسهال النجاح من قبل الطلبة، لحصولهم على الشهادة فقط، حتى أن الكثير منهم يوجهون سهام نقدهم إلى الأستاذ بسبب إضافاته النوعية والخاصة، التي تميزه عن الكتاب المقرر، كمحاولة لفتح آفاق وأبعاد أكثر عمقاً للطلبة. مضيفاً: «أتحدث عن الكليات الإنسانية، وليست لدي أفكار عن الكليات العلمية الصرفة، والأشد إيلاماً أن ما يدرسه الطالب ينساه بمجرد أن ينجح، ولا يفكر فيه، ومثال ذلك مادة العروض التي يدرسها سنة كاملة، وحين يتجاوز المرحلة لا يميز أي خلل عروضي يصيب النصوص الشعرية.» مبيّناً أن «بعض الطلبة حينما يكتبون بحثاً نجد فيه أبياتاً كثيرة منكسرة الوزن لا يلتفتون إليها، كما أن كثيراً منهم يذهبون إلى مكاتب تجهز لهم بحوثاً (ترقيعية) مقابل ثمن.”
موضحاً أن «الأمر لا يتعلق بالطالب فقط، بل إن هناك أساتذة لديهم ضعف علمي واضح، ولا يشغلون أنفسهم بمتابعة الطالب علمياً بل إنهم لا يهتمون سوى بتسلم رواتبهم. والأغرب هو أن كثيراً من الطلبة، على الرغم من ضعفهم العلمي، نجدهم يقدمون على الدراسات العليا.» مختتماً حديثه بأن على الجامعات إعادة النظر في المناهج وأساليب التدريس، ودقة الترقيات للأساتذة، ومعرفة كيف تجري الأمور العلمية، بعيداً عن المجاملات والمحسوبيات، فالموضوع بحاجة إلى معالجات جذرية، لا ترقيعية.
وظيفة تنويرية
كما تحدث (د. بشار حاتم) عن هذا الظاهرة قائلاً إن «أحد أبرز الأسباب الموضوعية التي أدت إلى تراجع الوظيفة التنويرية للجامعة، ودورها في نشر الثقافة وبناء الفكر الإنساني وإثرائه، هو تسيد النزعة الرأسمالية في التعليم الجامعي على المستوى العالمي، التي تطمح الجامعات العراقية إلى محاكاتها، إذ تعزز هذه النزعة ربط التعليم الجامعي بسوق العمل واحتياجاته من مهارات، لذا غدت البرامج الأكاديمية تركز على إكساب الطلبة مهارات تخصصية تمنح الطالب فرصة أكبر للتوظيف في سوق العمل، وإيلاء اهتمام أقل بالمواد الدراسية التي تركز على الفكر والثقافة.» موضحاً أن «من قرائن دور هذه النزعة الرأسمالية في إضعاف الوظيفة التنويرية للجامعة، إحجام الطلبة عن التقديم على الأقسام التي لا تمكن الطالب من مهارات محددة، وقد نتجت عن ذلك إعادة هيكلة الكثير من الأقسام التقليدية لتتفرع منها عدة اقسام دقيقة التخصص تسعى إلى تعزيز فرصة المتخرج بالتوظيف، وقد بدا هذا جلياً في الجامعات الأهلية.”
مهام الجامعة
فيما يرى (د. مؤيد صوينت) أن هذه الظاهرة قديمة قدم الجامعة العراقية، إذ قال: «طبيعة النظر إلى مهام الجامعة تختلف باختلاف تقييم وظيفة الجامعة نفسها، إذ جرت النظرة المتوارثة إلى الجامعة العراقية بوصفها الإطار الخاص بتزويد الدولة بالجهاز الوظيفي البيروقراطي، هذا الجهاز المعني بتوظيف التقني الجامعي بعيداً عن المؤهلات الثقافية التي يمتاز بها بعض الطلاب عن غيرهم، أما النظر إلى وظيفة الجامعة بوصفها مناراً ثقافياً يعمل على بث ما هو ثقافي ومعرفي في الجامعة، فهو أمر لا يمثل أولوية بالنسبة للطالب الجامعي، ومن هنا نشهد تراجعاً ثقافياً عاماً، يكاد يكون السمة الطاغية في الواقع الأكاديمي الحالي.»