آمنة عبد النبي /
تحفّزُ فيه روحاً تنافسية شريرة تُجبره على طاعتها وتنفيذ المهمات الخمسين القاتلة التي تأمرهُ بها إلى أن ينتهي به المطاف مرمياً من أعلى سطح البيت أو جثةً متدلية من سقفِ الحمام المُغلق، هرباً منها!
إنَّها لعبةُ “مريم” الفتاة الضائعة في غابةِ الموت التي تطلبُ من مستخدمها المساعدة بخبثٍ لكي تعود لمنزلها.
خلال تلك الرحلة القاتلة تبدأ مكرها بالسيطرةِ على تفكيرِ المراهق والطفل باستخدامِ جوٍ ظلامي من الرعبِ والموسيقى الكئيبة، فضلاً عن إيحائها له بتهيؤاتٍ صادرةٍ من هاتفهِ أثناء الليل.
ادمان ورعب
(ح.ج) مراهق عراقي مُغترب مع عائلته مُنذ ما يقارب العشرين عاماً، لا يتعدى عمره السادسة عشرة، وُجد منتحراً داخل الحمام الذي أغلقه من الداخل بإحكام، كان مدمناً على لعبة “مريم” لدرجة أن ذويه انتبهوا لذلك الأمر فأقنعوه بحذفها، إلّا أنَّه عاد لها خلسةً، فكان الثمن هذه المرة حياته البريئة، تقول والدة الضحية وهي مختنقة بدمعتها:
طريقة موته كسرت قلبي، كان شاباً لطيفاً ومطيعاً لي، وجميع أصدقائه يحبونه لأنَّه كان اجتماعياً وودوداً، لاحظت عليه في الشهور السابقة لوفاته انعزالاً غريباً، وفي إحدى المرات وبوقت متأخر من الليل سمعت صوتاً مُخيفاً يصدر من غرفته فاتضح أنَّها فتاة في لعبة، قلقت وطلبت منه حذفها بعد أن أخبرني أخوته بأدمانه عليها فحذفها وانتهى الأمر، غير أنَّني تفاجأت بيوم الحادثة، كان الوقت ليلاً ولم أجده بداخل غرفته فتصورته خارج البيت، إلاّ أنَّنا اكتشفنا بأنَّه أغلق الحمام عليه من الداخل ليشنق نفسه، وأن تطبيق اللعبة كان مفتوحاً.
منافسة وكرامة
“تطبيقات شيطانية، تعطي أوامرها المباشرة للطفل بأن يفعل ما تريد والاّ سيُحرم من الاستمرار بها، ويُهان أمام زملائه بالجُبن، وبغياب توجيه الأهل يخسر عمره ثمناً لوهمِ كرامته”.
هكذا بدأت المُختصة بمجال الاسرة والطفل من مدينة مالمو (محاسن الزبيدي) حديثها، قائلة:
فوبيا الخوف من الخسارة والظهور أمام أقرانه على أنَّه قادر على الاستمرار بها وأنَّه قوي وليس جباناً، كما أن الطفل في مراحل عمره الاولى لم يزل عقله غير مكتمل ولا يميّز بين الصح والخطأ بشكل تام ولأن العلاقات العائلية أصبحت معدومة تقريبا بسبب التقنيات، فإنَّ الطفل يقضي وقتاً مع الالعاب الالكترونية أكثر مما يقضيه مع والديه، والطبيعي هنا حينما يغيب الوالدان عن حياة أبنائهم ويتركانهم مع الألعاب الالكترونية طوال الوقت، عادين إنشغالهم بالألعاب سبباً لهدوء البيت والتخلص من الازعاج وهذه هي الفجوة الكبيرة ما بينهم وبين أبنائهم التي ستكبر مع مرور الوقت، لذلك ننصح دائماً الآباء بالتخلي عن الانانية وتحمل المسؤولية بالتواصل مع الأطفال واستحداث سبل لجذبهم لانشغالات أخرى أكثر متعة أحيانا كالخروج معاً او مشاركتهم بأعمال تخصّهم وعمل جدول بالاتفاق مع أطفالهم فيه فقرات يومية يلتزم الوالدان بمتابعتها معهم وكذلك تنمية مهاراتهم، إضافة إلى وديّة الوالدين مع الأولاد وإصلاح الوضع بالتدريج والصبر عليه وترك الاجبار والعراك والتخويف، وعند الشعور بالعجز يُستحسن التواصل مع اختصاصيين لمساعدتهم في تخطي المحنة.
إيذاء واضطراب
“اضطراب نفسي، يخطفُ عقل الفرد طفلاً كان أم مراهقاً ويحتله تدريجياً إلى أن يصل مرحلة الادمان الشريرة والمؤدية إلى تغيير كيفية أداء الدماغ، وحتى هيكلتهِ”..
هذا ما ذهب اليه الباحث في مجال التحليل النفسي (وسام المعلم) قائلاً: هناك اضطراب نفسي حديث شُخّص من قِبل المختصين في السايكولوجيا وهو اضطراب ألعاب الانترنت التي منها الحوت الازرق ولعبة مريم التي تؤدي إلى تغلغل فكرة الانتحار من حيث كونها مصحوبة بمؤثرات سمعية وبصرية تخطف عقله وتضعه في حالة انفراد سلوكي يستحوذ عليه بفكرة ما ويجبره على تطبيقيها بلا وعي نتيجة المحاكاة ما بين الواقع واللا واقع ليدخل بالنهاية في مرحلة ضبابية تؤدي إلى استسلامه لما يفرض عليه، وبما أن العالم الافتراضي أصبح المهيمن على أغلب مستخدميه فالنتيجة هي عدم التفريق ما بينه وبين العالم الواقعي بل تجدينه يدخل في تنافس محموم على مستوى الألعاب مثل الحوت الازرق ومريم التي تعمل على الجزء النفسي المُسيطر، كأن تطلب منه الاستيقاظ من النوم لمشاهدة فيلم رعب أو إيذاء أعضائه والانتحار، وبطبيعة الحال عدم متابعة الابن من قبل والديه له الاثر البالغ في انحراف سلوكياته، باعتبار أنَّ قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء نبت.
فخ الهرمونات
“فخ الهرمونات والحماسة يقوده اوتوماتيكياً لمشاعر انفعالية الكترونية خطرة، خصوصاً اذا كان طفلاً”
هكذا بدأت الاعلامية “غفران الراضي” تشخيصها بوضوح حول فخ المشاعر والهرمونات، قائلة:
“قواعد التربية الصحيحة وأسس التقارب من قبل الابوين في معاملة الاطفال وكسبهم للطاعة واتباع أسلوب الترهيب والتشكيك بسلوكياتهم، كل تلك الآليات اذا غابت فسوف تخلق داخل الاطفال والمراهقين عدم رغبة لا إرادي لرفض الطاعة والاصغاء، وهو ما يفسح المجال لسيطرة روح التحدي على إرادة المراهق وجعله يطمع بنصر طائش حتى وإن كان افتراضياً، لكنّه مغرٍ لا سيما للأشخاص الذين يعانون من خيبة او فشل او عدم تشجيع واعتراف بنجاحاتهم الواقعية، لا سيما اذا كانت طريقة الإغراء أخاذة ومعززة لهرمونات السعادة والحماس.