بشير الأعرجي/
مافيات كبيرة تقف وراء عمليات التلاعب والاحتيال في ملكيات العقارات الضخمة، ومحاولة إجراء مبايعات يكون الطرف الرئيس فيها موظف في عقارات الدولة، لاسيما في مناطق الكاظمية والجادرية والكرادة، ومدن كربلاء والنجف بالنظر لقيمة عقاراتها الضخمة. ومع أن الدولة نجحت في وقف عشرات البيوعات وكشف عمليات احتيال عديدة، لاسيما في العقارات حول المرقد العسكري التي استملكها الوقف الشيعي بهدف توسعة الروضة العسكرية، لكن عمليات الاحتيال لم تتوقف، كما أن ملاحقة من نجحوا في إبرام عمليات بيع فاسدة مكنتهم من الاستيلاء على عقارات للدولة لم تتوقف أيضاً…
إنه ملفّ ساخن والدولة عازمة على استرداد أملاكها ومعاقبة المتورطين بعمليات الاحتيال.
وثائق ورقية
المشكلة الكبيرة هي أن قيود وسجلات العديد من العقارات تعرضت الى الحرق أو التزوير منذ العام 1991، وهو ما يستغله بعض كبار الموظفين في الدوائر العقارية، لغرض تزوير عائدية العقارات وتسجيلها بأسماء آخرين مقابل أموال ضخمة.
المفتش العام لوزارة العدل حسن العكيلي تحدث لـ”الشبكة” عن أن “أغلب عمليات التزوير ونقل الملكية تحدث في محافظتي النجف وكربلاء، إضافة الى مناطق الجادرية والكرادة والكاظمية ببغداد، بسبب ارتفاع قيمة العقارات هناك”، وأضاف “أينما ترتفع قيمة العقارات يتواجد المجرمون والمتلاعبون بالسجلات الرسمية، والخلل أننا لغاية اليوم لا نزال نتعامل بالوثائق الورقية التي تعد من الأدوات السهلة للمزورين.”
قيودٌ وهمية
وبالحديث عن حرق السجلات العقارية، سجلت محاكم النزاهة نحو خمسة أحكام بالسجن على مديرة التسجيل العقاري السابقة في كربلاء، وذلك لتلاعبها بملكية عقارات في المدينة، والتي تحجّجت بأن السجلات في دائرتها قد احترقت في أحداث عام 1991.
وبالاطلاع على حيثيات الأحكام الصادرة على المديرة السابقة وجدنا أنها، خلال توليها المنصب، كانت تقوم بالطلب من دائرة التسجيل العقاري العامة (النسخ الثواني) من السجلات العقارية بالرغم من جود السجلات الأصلية لديها، لإضافة قيود وهمية على السجل الأصلي، ويكون هناك حق لمن لا حق له في تلك العقارات التي تبلغ قيمتها الملايين.
المحكمة اصدرت عن كل قضية حكماً بالسجن الغيابي لمدة سنة، إضافة الى مصادرة أموال المديرة المنقولة وغير المنقولة.
عقارات الكرادة
في كرادة مريم ببغداد، حيث تبلغ قيمة العقارات هناك مئات الملايين، حاولت إحدى النسوة الاستيلاء على عقار تعود ملكيته لوزارة المالية في تلك المنطقة، وذلك بالاتفاق مع موظف في مديرية التسجيل العقاري في الكرخ، وبمشاركة مواطنَين اثنين ادعيا أن والد المرأة كان جاراً لهما، وأن العقار يعود له.
تمت حياكة هذه الرواية بدقّة، حيث أخفيت إضبارة العقار في دائرة التسجيل العقاري كي تضيع الجهة الحقيقية المالكة، وقد حضرت المرأة الى الدائرة وادعت أن العقار يعود الى والدها وقدمت تعهداً بذلك مقروناً بشهادة أشخاص آخرين من أصحاب العقارات المجاورة لتأييد ادعائها، وتم إجراء اللازم لغرض إصدار بدل تالف للإضبارة تمهيداً لتسجيل العقار باسمها، لكن الذي فكّ شفرة هذه الخطة هو كتاب أرسل من هيئة دعاوى الملكية أثبت أن ملكيته تعود الى وزارة المالية، فتم إسقاط إضبارة بدل الضائع لينقلب السحر على الساحر، فبدل أن تستولي على عقار بمئات الملايين تم الحكم عليها وعلى شركائها بالسجن لمدة 10 سنوات وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ونجا عقار مهم من السلب، لكنه ليس الضحية الأخيرة.
خطة سامراء
بداية العقد الجاري، شهدت العتبة العسكرية في سامراء عمليات توسعة لمساحتها، الأمر الذي يستوجب استملاك العقارات التي تقع حولها، وهذا الأمر فتح قريحة المزورين للاستيلاء على العقارات المحيطة بالعتبة سعياً للحصول على تعويضات مالية ضخمة من الوقف الشيعي، وهو الجهة المستملكة للعقارات.
وبحسب المفتش العام لوزارة العدل، فإن “خطط المزورين تمثلت بطريقتين: الأولى هي تزوير مساحة العقارات، حيث تم تغيير مساحة عقار من 172 متراً الى 275 متراً، وعقار آخر من 129 متراً الى 299 متراً وهذه المساحة الإضافية على (الورق) كلفت الجهة المستملكة مبلغاً وصل الى 491 مليون دينار، وجرى ذلك بالاتفاق بين المواطنين أصحاب العقارين وموظفين في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء الذين تم الحكم عليهم فيما بعد بالسجن لمدة أربع سنوات ورد مبلغ 491 مليون دينار الذي يمثل قيمة الضرر.”
وأضاف “الطريق الثاني في عمليات التزوير، يتمثل بإقحام عقارات بعيدة، بالمنطقة المشمولة بالاستملاك لغرض الحصول على تعويضات مالية لا تتناسب مع قيمة العقار الحقيقية، وذلك بالتعاون مع موظفَين في ملاحظية التسجيل العقاري بسامراء، وبالفعل فقد تم شمول عقار يبعد عن العتبة العسكرية بمسافة 570 متراً، ودفع التعويض له بقيمة تجاوزت 457 مليون دينار إضافة الى تزوير اسم مالك العقار، فاستملك الوقف الشيعي عقاراً لا ينتفع منه بتزوير وتواطؤ مقصود، فأحيل الموظفان الى المحكمة وصدر قرار بالحبس الشديد بحقهما لمدة سنتين وإلزامهما برد مبلغ 457.6 مليون دينار، وهو قيمة الضرر بالمال العام.”
مشكلة جديدة
المحامي أثير جواد تحدث لـ”الشبكة” عن أن أغلب القضايا التي يترافع عنها في المحاكم تخص “عقارات مواطنين لم تعد عقاراتهم بسبب التزوير.” وأضاف جواد “بالرغم من الإعلان عن أرشفة السجلات العقارية إلكترونياً، وحفظ النسخ الأصلية في خزائن البنك المركزي، إلا أن عمليات التلاعب والتزوير تحدث بين الحين والآخر، لأن المعاملات تجري على محررات ورقية قابلة للتزوير”.
وتابع المحامي حديثه بالقول “التزوير شمل ملكية العقارات التي كانت لمؤسسات النظام المباد، سواء الأمنية أو مقار القيادات الحزبية وغيرها، اذ انتقلت ملكيتها الى وزارة المالية، أما عقارات أزلام ذلك النظام فقد صدر قراران لمجلس الحكم السابق، وعلى أثره تم حجز تلك العقارات، ليصدر مجلس الوزراء في العام 2013 قراراً سمح للمحجوزة عقاراتهم، بالاستفادة من عقار سكني واحد، وهنا بدأت مشكلة جديدة، لأن أماكنها تقع في مواقع متميزة وبأسعار خيالية، الأمر الذي يشجع على التزوير والتلاعب والرشا للاستفادة المادية.”
إبطال بيوعات
المفتش العام لوزارة العدل أردف في حديثه عن عمليات تزوير عقارات أزلام النظام المباد بالقول “هناك مافيات تقف وراء عمليات التلاعب، لاسيما أن أسعار هذه العقارات ضخمة”. وشدد بالقول “نعمل ما بوسعنا لوقف عمليات التزوير، ونجحنا في الحد من تلك الممارسات، وقمنا بإبطال (25) حالة بيوعات تعرضت فيها عقارات المواطنين والدولة الى التلاعب والتزوير خلال الأشهر القليلة الماضية”.
واستدرك بالقول “لكن يبقى موضوع تطبيق نظام النافذة الواحدة والمراجعة الإلكترونية كخطوة أولى نحو مكننة إجراءات التسجيل العقاري، هو الحل الأمثل لوقف عمليات التزوير ونهب ممتلكات الدولة والمواطنين”.