ما بين التدبير والتبذير عندما تتحكم النساء بميزانية الأسرة!

ذوالفقار يوسف
لم تعرف (سندس) كمية ما وضعته من نقود داخل (جزدانها) الذي انتفخ من تكدس الأوراق النقدية فيه، فهي تلك ربة البيت التي لاتبالي بما تصرفه، ولكن بما سوف تشتري بهذه النقود، فذلك من أهم أولوياتها، لذلك خرجت إلى التسوق مسرعة وهي تشعر بفرحة غامرة كما في كل مرة، اجتازت الطرقات وهي ترسم في مخيلتها أفواجاً من الحاجات والملابس التي ستشتريها ما إن تصل إلى السوق، وعند وصولها تأزرت بالتبذير لتطلق عنانه بين البائعين.
وكما سندس، فإن هناك العديد من النساء اللاتي يمتعن أنفسهن بلعنة التبذير، الصفة التي تستحوذ على المراة أكثر من الرجل في الغالب، إحداهن تقلب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لتشاهد ما يعرض عليها من منتجات، وأخرى تدخل برامج طلبات الطعام السريع لتتخلص من هم تحضير العشاء لعائلتها، وتلك التي تريد أن تستبدل أريكتها بأخرى جديدة، وهناك من توصي زوجها ما إن تراه يخرج من عتبة الباب ليثور بركان الطلبات الضرورية، وغير الضرورية، فأين المفر وكيف الحذر إذا ما أتى شيطان البذر؟
القارورة الفارغة
يلتزم (تحسين) الصمت كلما سألته والدته “أين تذهب بمرتبك كل شهر؟” فيجيبها بهزة رأسه ندماً بأنه لايستطيع أن يقول لها لماذا هو يستدين في كل شهر منها مبلغاً ليسد به ماتبقى من الشهر لتعيش عائلته، إنه يلعن الحظ، ولكن بلا معالجة للمشكلة التي تواجهه، فهو لايستطيع مواجهة زوجته بمرضها الذي يفرغ جيبه بعد عشرة أيام من تسلمه مرتبه الشهري. يقول تحسين، بنبرة الضعيف عقيم الإرادة: “لا أستطيع أن أرفض لها طلباً، حاولت مراراً أن أشرح لها أن ميزانية المنزل تكبر كل شهر، وأن متطلباتها تتكاثر وتزيد، إلا أنها تحاول أن تكسبني بطريقة ما، لتجعلني أسكت عن الحديث في هذا الأمر، لا أعرف ماذا أفعل لكي أنهي تبذيرها الذي استشرى ليكون عدوى تنتقل إلى أبنائنا، كيف الخلاص ونحن نغوص إلى القاع ونقترب من الإفلاس في بداية كل شهر، العائلات تجمع الأموال لأيامها الصعبة، وأنا صرت أختار كل شهر شخصاً من أقربائي لأستدين منه، لأن شريكة حياتي أفرغت المال من حياتي لتشتري به العوز.”
إخوان الشياطين
إنها كلمات الله سبحانه وتعالى، ما أعظمها، ها هو جل جلاله قد وضعكِ في هذه المنزلة، أن تكوني أختٍاً للشيطان، مخيف هذا الوصف إلى الحد الذي يجعلكِ تراجعين نفسكِ ألف مرة ومرة، وأن ترددي مع نفسك هذه الآية الكريمة (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا).
السيد (حسنين الموسوي) وضح لـ “مجلة الشبكة” كيفية الخلاص من هذه الآفة، ويقول إن “التفكر والتدبر هو السياق الحقيقي للإنسان المعتدل، ذلك الكائن الذي يعرف الله وما أوصى به، فالإسلام قد حثّ الإنسان المسرف والمبذر على أن يراقب نفسه ويحاسبها عند الإنفاق وقبله، فمن حاسب نفسه في الدنيا سيسهل عليه الحساب في الآخرة.”
ويؤكد الموسوي أن “هناك العديد من التطبيقات الإلكترونية المهمة والمجربة في تحديد ميزانية المنزل ومصروفاته، وفق جداول وقوائم تجعلكِ تعرفين الضروري من غير الضروري في الإنفاق، إذ إن المال يا أختاه هو مال الله، وما نحن إلا أولئك الذين استخلفوا فيه، فنحن مسؤولون عن هذا المال، كسباً وإنفاقاً، أمام الله في الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن نكتسب المال من معصية، أو ننفقه في حرام، ولا فيما يضر الناس، فسبحانه يرى كل شيء نفعله بهذه الوسيلة، وما الغاية التي سنحصل عليها ما إن أنفقنا المال لأجلها.”
الأم مدرسة
ما إن تمر المرأة بمراحل النضج، تقتسم السنين مع عمرها لتغدو خبيرة في عالم المنزل واحتياجات عائلتها وكيفية التصرف الموزون والصحيح، لتكون ذلك الكائن الذي يستطيع معالجة المشكلات التي كانت في أحد الأيام مستحيلة الحلول، تنقلها إلى بناتها وأبنائها، فهذه هي سنّة الحياة المتوارثة.
تجلس (أم مريم -54 عاماً) على الأرض ممسكة بالإبرة لتخيط أحد أثوابها الممزقة، تراقبها ابنتها مريم (26 عاماً) وتبستم، تجذب ابتسامتها انتباه والدتها، فتقول لها “خيرج، ضحكينا وياج” تجيبها مريم “يمه ليش متعبة نفسج وتخيطين هالثوب الي صار مشتريته ما أعرف من كم شهر، اشتري غيره واخلصي من الخياط وشلعان الكلب”، تضحك أم مريم وتجيب ابنتها وتقول: “ابنتي العزيزة، إن الادخار ليس بخلاً، وإنما الحرام هو الإسراف والتبذير، لقد وصلت إلى العمر الذي يجعلني أرى الأمور على حقيقتها، أن أعرف أين أضع النقود، وعلى أي شيء أنفقها، أن أعين زوجي وأولادي على الدنيا بحسن تصرفي بأموالهم وأموالي، وأن أتعلم كيفية الوصول إلى نبذ المغريات، إن التبذير يا ابنتي آفة ستنخر منزلك ما إن دخلته، فإياكِ والسماح لها بالدخول، فلا خير في الإسراف ولا إسراف في الخير، فحاولي قدر استطاعتك تعليم كل أفراد عائلتك على نبذ التبذير والإسراف، إذ إن الأم هي المصدر المهم لنجاح العائلة، وها أنا أسألكِ، كيف تتمنين أن تكون عائلتكِ؟”