مرقــد الإمـام الرضـا (ع) .. بوابـــــة للهـدى وآيـة للجمـال والجـلال

طهران ــ منى السراج/
يستحثك الشوق، ويطوي بك المسافات من كل فِجاج الأرض العريضة.. ليبلغ بك أرضَ طوس، حيث مشهد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. هنالك تَسبقك أشواقك المجنحة لتقبيل العتبات الطاهرة.. ثمّ تدخل الأروقة والدهاليز والأبواب الرائعة.. حتى تجد نفسك أمام الضريح الشريف، أمام ضريح القدس الرضوي، أمام بوابة الجمال والجلال التي تفضي بك الى عوالم الملكوت.

مرقده يعود تاريخه الى أكثر من 12 قرناً، حين شهدت مدينة مشهد المقدسة استشهاد الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، ثامن أئمة الهدى (ع) في منطقة طوس، وتحديداً في قرية «سناباد»، ومنذ ذلك الحين اشتهرت هذه المنطقة المقدسة بـ «مشهد الرضا».
شيئاً فشيئاً تجمعت واعتكفت مجموعات حول المرقد الرضوي المقدس، حيث بنيت قلعة محصنة تحيط به، كان ذلك في القرن الرابع الهجري. أما في القرن الثامن الهجري، فقد صارت مشهد مدينة كبيرة جداً، إذ ازدادت رقعتها وازدهرت يوماً بعد يوم، نتيجة إقبال أثرياء الشيعة عليها، الذين اهتموا بها وجعلوها نصب أعينهم.
مشهد هي مركز محافظة خراسان الرضوية، وتعتبر من أعظم مدنها التأريخية الكبرى، وثاني أكبر مدينة في إيران بعد طهران، فيها الكثير من الآثار والمزارات والمقامات، وأهمها إطلاقاً مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، ومشهده الذي به سميت تلك المدينة (مشهداً).
تغيرات ثقافية ومذهبية
بعد مضي اثني عشر عاماً على استشهاد الإمام الرضا (ع) ودفن جثمانه المبارك، شهدت مدينة مشهد، كباقي المدن والمناطق في إيران، هجمات وغارات بين حين وآخر، فقد حدثت فيها تغييرات مختلفة مذهبياً وثقافياً. وعلى الرغم من أن المدينة قد عصفت بها غارات وهجمات متكررة خلال قرون متتالية، ولحق بها الدمار الشامل أحياناً، بيد أن الحياة عادت إليها وبوشر بإعمارها بفضل وبركة وجود المرقد المقدس للإمام الهمام علي بن موسى الرضا (ع)، الذي تتلألأ أنواره الجلية في كل أرجائها، حتى أصبحت مشهد اليوم من أكبر المدن الدينية العلمية في العالم.
أول حجر للمرقد
كان أول حجر في المضجع الشريف للإمام علي بن موسى الرضا (ع) من حجر الرخام، ويحتفظ به حالياً في المتحف الرئيس التابع للعتبة الرضوية المقدسة. وقد نقشت على هذا الحجر عبارات بالخط الكوفي تتضمن آيات قرآنية واسماء المعصومين وأئمة الهدى (ع)، ويحظى هذا الحجر بأهمية خاصة نظراً لقدمه ونوع الخط المنقوش عليه. لقد جرى نصب هذا الحجر على المرقد المبارك منذ بدايات القرن السادس الهجري، والتاريخ المؤرخ على الحجر هو عام 516 للهجرة.
أما الضريح المقدس، فقد شمله التغيير في الحقب الزمنية اللاحقة، إذ جرى نصبه بشكله الحالي على المرقد المنور للإمام الرضا (ع)، وعلى ما يبدو فإن السبب الرئيس لهذه التغييرات، بما فيها بناء الضريح المقدس الأخير، يعود لأمرين: أولاً أنه جاء احتراماً وإجلالاً وإكراماً لهذا الإمام الهمام (ع)، وثانياً تلبية لزيادة عديد الزوار المحبين المتعطشين لزيارة الإمام الرضا (ع)، المعبرين عن ولائهم وإرادتهم ومحبتهم له.
أبواب ومحاريب
في داخل الحرم الرضوي، هناك ثلاثة محاريب يعود تاريخ بنائها الى القرن السابع الهجري، يحتفظ بها حالياً في المتحف الرضوي. ولأبواب الحرم الرضوي المنور قيمة فنية رائعة، فضلاً عن أنه جرى نصب صناديق وأضرحة مختلفة على المرقد المقدس طوال القرون الماضية.
في العام 957 للهجرة، أمر الملك الصفوي (الشاه طهماسب) ببناء صندوق بغطاء ذهبي سميك على مرقد الأمام (ع). وفي المرحلة اللاحقة أنشئ، بأمر من الملك الصفوي الشاه عباس، صندوق مطلي بالذهب يتضمن آية الكرسي الشريفة وذكر الصلوات على محمد (ص) وآله الطيبين الطاهرين (ع) وأشعاراً فارسية، نصب على المرقد المبارك. وفي العام (2000 للميلاد) جرى نصب ضريح جديد على المرقد المقدس، وفق تصميم فني للفنان الإيراني البارع الأستاذ (محمود فرشجيان).
يذكر أن المعلم والرمز الأبرز للمرقد الرضوي المقدس هو قبته الذهبية التي تبرز لناظريها حتى من الأرجاء البعيدة في مدينة مشهد المقدسة، وكأنها تستقبل التحيات والصلوات المهداة لزوار إمامها (ع) ومجاوريه، الذين يتوافدون على المرقد الشريف.
السلطان سنجر
وبحسب المؤرخين، فإن أول قبة بنيت على المرقد الرضوي المقدس، كانت بأمر من السلطان (سنجر) السلجوقي في مطلع القرن السادس الهجري، واستخدم في بنائها القاشاني الرائع، وحلت محلها الحلة الذهبية في العهد الصفوي، وتحديداً أيام حكم الملك الشاه طهماسب. ومن جراء هجوم الأوزبك على مدينة مشهد وسرقة لبنة القبة المطلية بالذهب، أمر الملك الصفوي الشاه عباس، الذي توجه من أصفهان العاصمة الى مدينة مشهد المقدسة مشياً على الأقدام، بإعادة إعمار القبة وطلائها بالذهب من جديد.
للمرقد الرضوي المقدس في الوقت الحاضر قبتان: الأولى هي تلك التي قد مضت قرون على إنشائها، وتظهر من داخل الحرم، أما القبة الثانية فهي القبة الحالية التي جرى نصبها على القبة الأولى، وذلك بأمر من الملك الصفوي الشاه عباس الثاني. تطالعنا في الجزء القديم للعتبة الرضوية المقدسة منارتان: إحداهما على مقربة من القبة الذهبية المقدسة، والثانية تقابل الأولى وتقوم على الإيوان العباسي المسمى صحن الثورة (صحن انقلاب). كلتا المنارتين مطلية بالذهب.
الضرب على الطبول
الضرب على الطبول والعزف على الأبواق كانا من التقاليد والطقوس المألوفة في العتبة الرضوية المقدسة منذ زمن بعيد، يأتي الضرب على الطبول والعزف على الأبواق إيذاناً بقرب انتهاء موعد الصلاة. هذه المراسم تجري طوال السنة، ماعدا شهري المحرم الحرام وصفر وأيام العزاء الأخرى، تجري يومياً مرتين: قبل بزوغ الشمس وعند غروبها، كذلك في ليالي الأعياد وأيامها وبعد صلاتي المغرب والعشاء، وأيضاً في موعد رأس السنة الإيرانية الجديدة (عيد النوروز)، وأسحار شهر رمضان الفضيل، والإعلان عن حلول عيدي الفطر والأضحى.