ولاء الصفار- تصوير: رسول العوادي /
يعمل العراق على استعادة مرتبة الصدارة في قائمة الدول المصدرة للتمور، فقد احتل المرتبة الأولى عالمياً خلال الفترة من (1975-1979)، إلا أن معدل الإنتاج بدأ بالانخفاض بسبب الحروب وعمليات التجريف والجفاف الذي أصاب عدد كبير من البساتين، فضلاً عن ضعف الدعم الحكومي.
وخلال السنوات الأخيرة أطلقت الحكومة مبادرة زراعية لتحسين واقع التمور من خلال إنشاء عدد من المزارع الخاصة بالتمور في عدد من محافظات العراق، ومن بينها محافظة كربلاء التي شهدت إنشاء العديد من المزارع، من بينها مزرعة فدك للنخيل التابعة للعتبة الحسينية المقدسة.
ويعد العراق من أقدم مواطن زراعة نخلة التمر في العالم، وقد أولى العراقيون القدماء اهتماماً بزراعة النخيل والمحافظة على هذه الشجرة المباركة، إذ انتشرت زراعتها في وادي الرافدين قبل أكثر من أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وقد أظهرت الحفريات التي عثر عليها في مدينة (أريدو) التاريخية الواقعة في جنوب العراق (حوالي 4000 ق.م) أنها كانت منطقة رئيسة لزراعة نخيل التمر.
وتحتوي مسلة حمورابي (حوالي 1754 ق.م) على سبعة قوانين متعلقة بالنخيل، منها قانون يفرض غرامات كبيرة على من يقطع نخلة، وكان الآشوريون يقدسون أربعة أشياء هي: نخلة التمر، والمحراث، والثور المجنح، والشجرة المقدسة، وهذا يعكس اهتمامهم بهذه الشجرة المباركة.
ويمتلك العراق أوسع الأراضي المزروعة بالنخيل في العالم، إذ ينتشر فيه أكثر من (600) صنف زراعي، وتميزت بعض الأصناف بأهميتها التجارية وغزارة إنتاجها، وهي بذلك تؤدي دوراً كبيراً في الاقتصاد القومي، إضافة إلى أهميتها الغذائية الكبيرة.
“مجلة الشبكة” أجرت حواراً مع مدير المزرعة المهندس الزراعي فائز عيسى أبو المعالي عن واقع زراعة النخيل وأهمية إنشاء مزارع كبيرة مثل مزرعة فدك لاستعادة العراق مكانته في إنتاج التمور.
أصناف نادرة
* ما أهمية المشروع وما الهدف من إنشاء المزرعة؟
– شجرة النخيل ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من (20) موضعاً، كما وردت أحاديث ووصايا كثيرة عن الرسول الأكرم محمد وأهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) تؤكد وتحث على الاهتمام بزراعة النخيل. ومما جاء في ذلك من مواضع القرآن الكريم نذكر بعضاً منها: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) (الكهف/32)، (فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) (الرحمن/11)، كما جاء في الحديث عن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله: (خلقت النخلة والرمان من فضل طينة آدم عليه السلام)، وقال صلى الله عليه وآله (أكرموا عمتكم النخلة والزبيب)، كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): “استوصوا بعمتكم النخلة خيراً فإنها خلقت من طينة آدم.. ألا ترون أنه ليس شيء من الشجر يلقح غيرها.”
ومن هنا فقد ارتأت إدارة العتبة الحسينية المقدسة عام 2014 وبناء على توجيه الشيخ عبد المهدي الكربلائي، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لها، إنشاء مزرعة للنخيل في مدينة كربلاء بهدف تكثير وزراعة النخيل، ولاسيما أن أعداد النخيل شهدت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، فضلاً عن زراعة الأصناف النادرة للمساهمة بإعادة العراق إلى لائحة الدول المصدرة لأجود أنواع التمور، فوضعت حينها دراسة وخطط مستفيضة، فضلاً عن استغلال الصحراء لاستصلاحها، وبالتالي فإن مزرعة فدك للنخيل تعد الآن أحد أهم المشاريع الستراتيجية في القطاع الزراعي.
* هل لك أن تطلعنا عن مصدر التمويل المالي للمزرعة، ومتى تمت المباشرة فيها؟
ــ نعم.. إن تمويل المشروع جاء من خلال قرض زراعي من اللجنة العليا للمبادرة الزراعية التي أطلقتها الحكومة العراقية، وفي عام 2015م وضع حجر الأساس برؤية تقوم على تطوير وتشجيع قطاع التمور في العراق، وباشرنا بزراعة النخيل في شهر آذار من عام 2016، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمزرعة (70000) نخلة.
* أين تقع المزرعة، وماهي المساحة المخصصة لها؟
– تقع المزرعة غرب محافظة كربلاء المقدسة على بعد (21) كم من مركز المدينة، وبالتحديد قرب بحيرة الرزازة، كما تبلغ المساحة الكلية لها (2000) دونم، وإن عملية الاستصلاح والزراعة تجري على شكل مراحل، إذ انتهينا من زراعة المرحلة الأولى بمساحة (500) دونم بزراعة (14000) فسيلة، وباشرنا بالمرحلة الثانية في الربع الأول من عام (2020) بعد تخصيص (850) دونماً، وأن عدد النخيل الذي زرع منذ تأسيس المزرعة وحتى الآن بلغ (25000) فسيلة.
التوازن البيئي
* قلتم إنكم تسعون إلى استثمار الصحراء، إذاً كيف تمكنتم من معالجة شحة المياه؟
– أود الإشارة إلى ما أكدت عليه منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) “إن نخلة التمر لا تمثل فقط مصدر الغذاء ذا الطاقة العالية، بل هي مصدر الظل والحماية من رياح الصحراء، وعامل التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي لسكان الصحارى”، لذا فإن إدارة العتبة الحسينية عملت على إنشاء مصدات للرياح والمساهمة بمكافحة مشكلة التصحر.
وعودة إلى السؤال، فإن توفير المياه للمزرعة كان من أهم الصعوبات التي عملت على تذليلها إدارة العتبة الحسينية المقدسة واستغرقت وقتاً طويلاً لإيجاد حل لها، إذ أن العتبة الحسينية قامت بالتنسيق مع شركة الحفر العراقية التابعة لوزارة النفط بحفر (10) آبار ارتوازية متدفقة ذاتياً بعمق يتراوح بين (٣٠٠-٤٠٠م)، فضلاً عن مد أنبوب ناقل للمياه بطول (8) كيلومترات لإيصال المياه إلى المزرعة، الذي يعد العمود الفقري للمزرعة، كما أنشئت (5) برك بحجم (20000) متر مكعب للبركة الواحدة، فضلاً عن تجهيزها بمنظومات متكاملة، ويعد هذا هو المصدر الأول للمياه، أما المصدر الثاني فهو نهر الرشدية أحد أذناب نهر الفرات.
ولابد من الإشارة إلى أن آلية السقي في المزرعة تنجز عبر منظومات متكاملة ومتطورة جداً للري بالتنقيط، يتحكم بها إلكترونياً بهدف ترشيد استهلاك المياه وإعطاء الكميات المطلوبة للنخلة.
كما قامت إدارة المزرعة بإنشاء مشاتل خاصة لأقلمة الفسائل النسيجية والخضرية، كما توضع الفسائل في المشتل للحفاظ عليها بدرجات حرارة ورطوبة معتدلة لتصبح بعد فترة معينه جاهزة للزراعة في المزرعة.
بنك وراثي
* ما هي أبرز الأصناف التي تنوون زراعتها وتكثيرها في المزرعة؟
– قامت إدارة المزرعة بزراعة وتكثير الأصناف العراقية، وكذلك العربية، وبالخصوص الأصناف النادرة، إذ أصبحت المزرعة تمثل (بنكاً وراثياً) لاحتوائها على أكثر من (٧٠) صنفاً من أجود أصناف النخيل العراقية والعربية التي لها أسواق محلية وعالمية، ومن الأصناف العراقية: الشويثي الأحمر والشويثي الأصفر (اللذان تكثر زراعتهما في محافظة ذي قار)، المكتوم، البربن، التبرزل، البرحي (الذي تكثر زراعته في جميع المحافظات وبالخصوص محافظة البصرة)، القرنفلي، المير حاج (الذي تكثر زراعته في مندلي في محافظة ديالى)، المكاوي، الساير، الأشرسي، البلكة (الذي تكثر زراعته في محافظة السماوة)، الحويز، الإسحاق، العويد، البريم، المطوك، العساف، الجعفري، الخاتوني، الخضراوي، القنطار، الفضيلي، الساعي (الذي تكثر زراعته في هيت في محافظة الأنبار)، والعوينة أيوب (الذي تكثر زراعته في قضاء عين التمر التابع لمحافظة كربلاء المقدسة).
أما الأصناف العربية فهي: المجهول (الذي تكثر زراعته في المغرب)، الخلاص وعجوة المدينة والصقعي (التي تكثر زراعتها في السعودية)، دجلة نور (الذي تكثر زراعته في تونس)، الأبو معان، الشيشي، النبوت سيف، الزاملي، فضلاً عن زراعة أجود أصناف الذكور الخاصة بالتلقيح مثل (الغنامي والجارفس والسميسمي).
هنا لابد من الإشارة إلى أن رسالتنا تتضمن الالتزام بالمسؤولية المجتمعية والمحافظة على تاريخ النخيل والأصناف العراقية وتعريف المواطن العراقي والعربي والعالمي بالأصناف التي يحتويها العراق، فضلاً عن المساهمة بالاكتفاء الذاتي من التمور ومستخلصاتها.
كفاءات عراقية
* ماذا عن الأيدي العاملة؟ وهل جرت الاستعانة بخبرات من خارج العراق؟
– جميع العاملين في المزرعة هم من العراقيين، ولم نستعن بأي عنصر من خارج العراق، فقد عملت إدارة المزرعة على استقطاب عدد من الكفاءات ممن يمتلكون خبرة مميزة في مجال زراعة النخيل من مهندسين زراعيين ومختصين في مجال التخطيط وأصحاب المهارة، إذ تضم المزرعة (90) موظفاً (الطاقم الإداري والمهندسين والعمال)، كما أن المزرعة وضعت خطة لتوسعة الطاقم بالتزامن مع الشروع بالمراحل الجديدة.
* هل المزرعة مخصصة لزراعة النخيل فقط؟
– المزرعة مخصصة لزراعة النخيل، إلا أننا نقوم بزراعة أشجار الفواكه التي تتحمل أجواء الصحراء كالرمان والتين والسدر والعنب، كزراعات بينية، بالإضافة إلى زراعة أشجار الزيتون للاستفادة منها كثمار وكمصدات للرياح حول مقاطع النخيل، وتقوم إدارة المزرعة باستثمار ما توفره النخلة للأشجار والنباتات التي تزرع معها أو تحتها بحمايتها من أشعة الشمس، فعند ارتفاع النخيل وتكوين ظل بنسبة 40% تزرع الحمضيات تحت النخيل لتفادي تأثير ارتفاع درجات الحرارة في الصيف.
* أبرز ما أسهمت به مزرعة فدك؟
– مزرعة فدك للنخيل أسهمت بشكل فعال بتطوير القطاع الزراعي في محافظة كربلاء تحديداً، والعراق على وجه العموم، من خلال اعتماد التكنولوجيا الحديثة في تطوير القطاع الزراعي واستخدام الآليات والتقنيات المتطورة في هذا المجال، كما أسهمت بتحسين البيئة من خلال التقليل من المساحات الصحراوية وزيادة الرقعة الخضراء، وتفتخر مزرعتنا بأن لها دوراً رئيساً في تشجيع الآخرين من مزارعين ومستثمرين على استثمار الصحراء وإقامة مشاريع زراعية كبرى.
تصدير منتجات التمور
* هل للتمور المنتجة في المزرعة علامة تجارية، كيف يتم تسويقها، وهل تمكنتم من التصدير إلى خارج العراق؟
– بتاريخ (1/1/2021م) أطلقت مزرعة فدك للنخيل علامتها التجارية الجديدة لاستخدامها في مجال التسويق، وقد اعتمد التصميم الأساسي للعلامة التجارية على رموز عدة : الإيوان الذي يرمز إلى الطراز المعماري الذي يعتمد في بناء مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، ويضم الإيوان في داخله نخلة إضافة إلى كلمة (فدك) بالخط الكوفي.
أما ما يخص التسويق فإن التمور يتم تعليبها بطرق حديثة من خلال استخدام العلب الصديقة للبيئة والصالحة للاستخدام البشري، فضلاً عن توفرها بأوزان مختلفة بحسب حاجة المستهلك.
وفي ما يخص التصدير، فإن غالبية النخيل ما تزال في مرحلة النمو، وأن التمور التي تم جنيها من بعض أشجار النخيل سوقت إلى الأسواق المحلية وهي بكميات قليلة لا تسد حاجة السوق، إلا أن هنالك خطة مستقبلية متكاملة لتصدير التمور.
* هل لك أن تطلعنا على أبرز مشاريعكم المستقبلية؟
– إدارة المزرعة لديها عدد من المشاريع المستقبلية، أبرزها إنشاء معمل لتعليب وتغليف التمور ومستخلصاتها وإنتاج عسل التمر (الدبس).