آمنة عبد النبي /
الديك الشرقي، كما تُسميه احداهنّ، لماذا يعتبر أن الحرية السويديّة الممنوحة للزوجة الشرقية المُطالبة بالانفصال عنه بعد سنواتٍ من القمع، كما تدعيّ، هي عبارة عن فرصة مجانية لارتكابها كلّ مالذ وطاب من الأخلاقيات الشاذة؟ وحينما تباغته الزوجة المُعنّفة بإحضار البوليس الذي سيرميه خارج المنزل، ويسحب منه حضانة الأطفال، ويُقتطع من راتبه الربع كنفقة وفقاً للقانون، سيصرخ في كل مكان : زوجتي خائنة!
اهتزاز فكرة العائلة الشرقيّة المتماسكة داخل دولة أوروبيّة محكومة برصانة القوانين، ياترى من المُلام عليها: الزوجة المحمّلة بعقدة الثأر الموهوم، كما تُتهم، والتي لم تستثمر فرصة قلع الزوج الضار من حياتها، ام هو الزوج الذي لايملك من الفروسية سوى الثرثرة الفارغة عن مستحدثاتها السلوكيّة.
تحرّش وخيانة
مُنذ عامين وهو يعيش وحيداً وأعزل من كل شيء، إلاّ التفنن بإظهارِ الكراهية المخزونة داخل صدره ولسانه، بمجرد ذكر اسم زوجته السابقة التي حكم لها القضاء السويدي بإخراجهِ قسراً من المنزل، وسحب حضانة أطفالهِ، واقتطاع ربع راتبه كنفقة!
يقول مصطفى العابدي (٤٧ عاماً) : أملك الجنسيّة منذ خمسة عشر عاماً، أردت الاستقرار وتكوين أسرة، فجئت بها الى هنا بمعاملة “زواج لمّ الشمل”، وبعد أن حصلت على الإقامة الدائمة بدأت خطتها، كما اعتادت الكثيرات هنا، بتعمد استفزازي، كالخروج دون إذن، او السفر، او ارتداء الملابس الضيقة، وكلما حاججتها تذرعت بالحرية. وأقبح مافعلته هو تحريض أطفالنا الثلاثة على إخبار المختصين هناك، بأنني أب عصبيّ، ودائم الصراخ عليهم مع محاولات الضرب، وآخرها اتهمتني بالتحرش بابنتي الصغيرة، الى أن وصلت وقاحتها بإخباري أنها تعشق رجلاً آخر فاضطررت لضربها، وهنا نفذت ماخططت له واتصلت بالبوليس الذي أخرجني فوراً، وبعد شهور مريرة داخل المحكمة، انتهى الأمر بسحب حضانة الأطفال وأخذ المنزل، ونفقة مقدارها ربع ما اتقاضاه.
الزوجة مها البغدادي (٣٩عاماً) ثارت ثائرتها بهستيريا، حينما سمعت كلام طليقها الذي وصفته بالمتنمّر، تقول السيدة المتهمة بالكلام أعلاه: لو كنت املك تجريده بأكثرِ مما خسر صدقيني لما ترددت لحظة، لقد عشت مع هذا المخلوق الكئيب لما يقارب التسع سنوات، أجزم أن ليست هنالك امرأة تحتمل معاشرته، هذا المأزوم نفسياً دائم الصراخ، كثير التشاؤم، لايفقه سوى إهانتي، وحينما كنت اختلف معه في أبسط حقوقي يشتمني، حتى المبلغ الذي تمنحه الدولة هنا لكل فرد، يستحوذ عليه البخيل، بحجة قصوري عن التدبير، اما تعامله مع الأطفال، فلا يتردد لسانه السليط اذا أخطأ احدهم عن شتمهم، وايذائهم نفسياً لدرجة انهم يرفضون الآن حتى رؤيته. أمّا قضية تحرشه بالصغيرة، فهل هنالك أب عاقل، يلاعب ابنته ذات الثماني سنوات، بتدليك جسدها بحجة الضحك! هي من أخبرت المحكمة ولست أنا، ثم هل من حقهِ إجبارها على الحجاب ومنعها من درس الرقص، فليذهب الى الجحيم، لست بحاجة اليه، أستطيع إعالة أطفالي وتربيتهم بعيداً عن جنونه.
إنسانيّة زائفة
قدم مع زوجته الى السويد قبل اربع سنوات، وتحول هنا وبسبب مكرِ زوجته السابقة، كما يصفها، الى خريج سجون وأب محروم من رؤية ابنته الوحيدة!
(وئام نجم) الزوج العراقي المُقيم في ستوكهولم، والمدمَّر نفسياً مماعاناه ظلماً، كما اوضح قائلاً: القانون السويدي، صدقاً وكذباً، هو بجانب المرأة وضد الرجل، ولاوجود لشيء اسمه مُعنّفات الحرية، فهل الحرية أن تحوّل الزوجة دينها، وتستبدل عقائدها مزاجاً، طيب ما الذنب الذي تتحمله ابنتي معها، فأنا والدها ومن حقي ان لا أرغب باتباعها، ولكن مع هذا أصرت أمها، عناداً، على اختلاق مشكلة، وهنا ثارت ثائرتي ورفضت رفضاً قاطعاً، وبعد تدخل أهلها وأقاربها توصلنا لقرار أن تتصرف بحياتها بدون ابنتي، فما كان منها إلا ان تبدأ تمثيليتها التي تتبعها غالبية المطلقات هنا، فوجئت بصوتها يعلو بطريقة مصطنعة تمكن الجيران من سماعها، مع ألفاظ بذيئة لاستفزازي، وظلت تصرخ كذباً “هو يضربني”، هذا كله لأجل أن تثبت أمام الجيران السويديين مظلومية كاذبة، وهنا فوجئت بالبوليس يقتحم البيت، قاموا بسجني انفرادياً لأربعة ايام، وبعدها حُكم عليّ لمدة شهرين، وحينما انتهت المدة، خرجت ابحث عن ابنتي، لقد اخفوها بحكم القانون هيَ وأمها وحرموني من رؤيتها طول العمر، وسحبوا حضانتي لها، مدعين انني افكر بالانتقام منها وهذا غير صحيح، ورغم اثباتي لنيتي المسالمة وبشهودٍ سويديين، إلاّ ان القانون لم يعطِني حتى حق الاستماع، انهم مجردون من كل انسانية.
عقليّة الثأر
الجلّاد الذكوري الذي يعرف أن الشرف اكثر مايبتز به حقوق المرأة وإنسانيتها، تعوّد ان ينال في بلداننا حقوقه كامله على طبق من ذهب دون اي عناء مقابل خسارة المرأة لكل حقوقها وكأنها حالة طبيعية، بينما ستصبح نداً له ومنافسة خطرة، عند نيلها حقوقها في البلدان الأوروبية!
هو التشخيص الناري الذي بدأته بجرأةٍ، المختصة بشؤون الطفل والاسرة في مدينة مالمو (محاسن الزبيدي) : هكذا يخسر السيطرة هنا وبعقلية (الرجولة)، علماً ان الأمر لايخلو من بعض الممارسات غير العادلة واستغلال القانون من قبل بعض النساء، لكن حسب ما أواجه من خلال عملي، فإنّ نسبة كبيرة جداً من النساء واغلبهن متعلمات وتعرضن للتعنيف فاضطررن للسكوت لأسباب عديدة. وبعد ان ضاق الحال بهنّ لجأن الى سلطة القانون والبوليس، اما مزاعم الرجال الذين امتلأت عقلياتهم بالثأر وبكون كيلهنّ التهم هو افتراء، فهذا غير صحيح ومثل تلك الشائعات تنتشر بسرعه بين الرجال، بسبب فقدانهم السلطة في الدول الديموقراطية، والتي كانوا يستخدمونها بشكل مغلوط ببلادنا لا سيما قضية عدم قدرة المنفصلة على تحمل المسؤولية، علماً أنّ اغلب السيدات المنفصلات هنا، طورن ذاتهن واخذن بأسرهن الى بر الأمان، اما النوع المغاير فلأنهنّ حديثات العهد ولعدم التوازن وصعوبة التأقلم المؤقت.
بيئات ذكوريّة
التنمّر الذي يتخيل بعض الأزواج بصلاحيته داخل البيوت هنا، يُلزم الزوجة قانوناً بطرده خارج المنزل، ووضعه خلف القضبان وفقاً للقانون، طالما استنفدت معه كل طرق اصلاح عقليته المغلقة والموهومة!
أمّا الرأيّ الممتعض والساند لما قبله، كان من الصحفيّة بجريدة الكومبس السويديّة (زينب هادي وتوت) مكملةً : اما جدليّة تحميل المرأة مسؤولية التفكك العائلي لمجرد كونها طالبته بالانفصال، فبرأيي هذا مايشاع لحفظ ماء الوجه بين الرجال، لأنّ الأطفال ضحايا سواء أكانوا تحت رحمة اب متخلف، او كانوا تحت رحمة التخلف المجتمعي بأسره، النتيجة واحدة، لذلك تجدين الزوجة داخل السويد تفكر بشكلٍ جدي بالاستقلال مادياً عن الرجل الذي ظلّ طوال عقود يتحكم بكل حقوقها من خلال مهمتهِ الذكوريّة بتوفير كلّ مصروفات المنزل، تلك المهمة التي كانت بسببها تُسحق كل حقوق الزوجة، فقطعاً هنا لن تروق له العقلية الأوروبية التي تضع الأمور في نصابها العادل، والجدير بالذكر أنّ الجذور التي تربت عليها الكثير من عقليات الرجال الشرقيين هي جذور بيئية مغلقة، خالية تماماً من مصادر الوعي والتحضر، ولاسيما امهاتنا القديمات اللواتيّ كنّ مربيات على القدر الذي لايتيح للطرفين التساوي في الحقوق والواجبات، والسبب هُنا قطعاً يعود للبيئة المجتمعية المغلقة باعتبارها المادة الخام لصناعة السيادة الذكوريّة.
حريات مشوّهة
العائلة كفكرة فشلت عالمياً، طالما انّ المبدأ هو سقف واحد، فالمحصلة هي سجن واحد تحكمهُ سلطة واحدة، لذلك اعتقد أنّ الغرب تنبأ بهذا الانهيار فسبقنا في صياغة البدائل الاجتماعية المحُدثة!
هذا الفكر الناسف لما سواه من الآراء، كان للكاتب العراقي المقيم في السويد لما يقارب الاربعين عاماً (محسن الجيلاوي) مقاربة مختلفة، اذ يقول: لم يأتِ ادخال البدائل عن الزواج كـ السامبو أي المساكنة كما معروف في السويد، من فراغ وانما، هم ادركوا انهياراً مبكراً لفكرة السقف المطلق، سبقته متغيرات كثيرة أنتجت سقوط وضع العائلة او هشاشته، ولاسيما انّ دخولهم الى مابعد الحداثة، أنتج شيوع الحرية الاقتصادية والجسدية والفكرية وحتى العبثية، وصار المجتمع هو من يتحكم بتوجيه الحريات من خلال القوانين، وماعليهم سوى تكييف المجتمع وقوانينه مع آليات جديدة، لذلك تجدين العقدة التي يصطدم بها العقل الشرقي داخل أوروبا، ولاسيمّا المرأة، هي مفهوم الشرف الشرقيّ المحدد بالمرأة كجسد، بينما الفكر الأوروبي ينظر للشرف كمفهوم سلوكي لايميّز بين إنسان وآخر، لذلك حتى المرأة الشرقية التي تتحرر (بالانفصال) يظل فهمها لما متاح من الحريات، هو فهم مشوّه ومصطنع وثأري من الرجل في أحايين كثيرة، لأنّ مقدار ما اخذته من الحرية الفجائية بعد دهور القمع كان صادماً، وغير مجدٍ لا لنفسها ولا للبلد المُضيف الذي يراهن بمداه البعيد على اطفالها.