مـنـارة الحدباء هوية ورمز لمدينة الموصل

أربيل / خالد إبراهيم

تعد منارة الحدباء إحدى أبرز الآثار التاريخية التي تشتهر بها مدينة الموصل، وهي جزء من الجامع النوري الكبير، الذي تعرض للتفجير والتخريب إبان سيطرة عصابات داعش الإرهابية على المدينة، التي دمرت معه منارته المعروفة بالحدباء. وبعد هزيمة التنظيم الإرهابي، وتحرير المدينة من براثنه، انطلقت جهود إعادة بناء وترميم الجامع ومئذنته في مدينة الموصل.
للحديث عن عملية إعمار وترميم الجامع، تحدث لمجلة “الشبكة العراقية” الأستاذ (رويد الليلة)، مفتش آثار وتراث نينوى، قائلاً: “بعد انتهاء عملية تحرير نينوى، ولاسيما مدينة الموصل، بجانبيها الأيمن والأيسر، سارعت الهيئة العامة للآثار والتراث بعقد اتفاقيات مع المنظمات الدولية والجامعات الرصينة لغرض إعمار المواقع الأثرية التي دمرت من قبل عصابات داعش. وكان أحد أهم هذه المواقع هو جامع النوري، أو ما يسمى بجامع الموصل الكبير، الذي تعرض إلى التدمير مع منارته الشهيرة.
جرى الاتفاق مع منظمة اليونسكو والوقف السني، بتمويل من دولة الإمارات، على عمليات الإعمار، وسرعان ما شكلت فرق من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث، متمثلة بملاكات مفتشية آثار وتراث نينوى، وبإشراف وزارة السياحة والآثار، ومتابعة الهيئة العامة للآثار والتراث. عند المبادرة بأعمال الصيانة والإعمار، جرى أولاً تصنيف وإنقاذ الأعمدة والمقتنيات في الجامع وترقيمها، في عملية عدت الأولى من نوعها في العراق.”
أصالة المنارة
يضيف (الليلة): “جرى أيضاً جمع الحجارة المتناثرة في محيط المنارة الحدباء، إذ قام الفريق بفصل جميع الحجارة المستخدمة في حشوة المنارة وإعادة تشكيلها للحفاظ على أصالة المنارة، إذ إن استخدام حجارة جديدة في تشكيل الأطواق السبعة للأفاريس ستفقد المنارة خصوصيتها وأثريتها، لذا جرى تفكيك هذه الحجارة وتسليم 11 ألف قطعة منها إلى منظمة اليونسكو لإعادة تشكيلها ضمن الأطواق السبعة، وبهذا الحال لم تفقد المنارة قيمتها الأثرية.”
أماكن الوضوء
وفي ما يخص العثور على أماكن الوضوء الأصلية في الجامع يقول (الليلة): “عند المباشرة بأعمال تنظيف بيت الصلاة، الواقع في الجزء الجنوبي الغربي للمسجد، عُثر على أرضيات أصلية، وعندئذ توقفت أعمال الصيانة، وبعد البحث والتحري جرى العثور على محلات الوضوء الأصلية للجامع، التي تعود إلى فترة نورالدين زنكي، وكانت على منخفض كبير عن مستوى المنطقة المحيطة بها، فجرت المحافظة على هذه الأماكن والاعتناء بها وتنظيفها بشكل جيد، مع الحفاظ على المقتنيات التي عثر عليها في داخل محلات الوضوء، وبهذا أضيف عنصر جديد أصيل إلى الجامع، سيكون عبارة عن متحف يمكن الدخول إليه من البوابة الجنوبية الغربية للمسجد.”
وأكد (الليلة) أن نسبة الإنجاز في أعمال الإعمار والترميم وصلت إلى قرابة 80 بالمئة، فقد أكملت أعمال المنارة بنسبة 100 بالمئة، فضلاً عن إنجاز أعمال محلات الوضوء، وجناح الإدارة، ولم يبق سوى بيت الصلاة وأرضيات المسجد مع الحدائق.
معلم مهم
بدوره، يقول الأستاذ عبد الله محمود العبيدي، رئيس اللجنة الآثارية المشرفة على إعادة إعمار الجامع النوري: إن “مفتشية آثار وتراث نينوى تحملت الثقل الأكبر في حماية هذا الأثر التاريخي وإعادة إعماره كما كان.” مضيفاً أنه “جرى جمع قرابة 45 ألف قطعة، ونُسخ، وطابوق، وإدخالها إلى مخازن الهيئة، لتبدأ بعدها عملية إعادة تصنيعها بما يتناسب مع زخارف المئذنة، استطعنا إعادة 26 ألف قطعة لتزين بدن المئذنة، باستخدام المواد والقطع الأصلية، وبهذا حافظنا على أصالة وتراثية المئذنة، استمرت جهودنا في ذلك على مدى سنة ونصف السنة من لملمة وتصنيع القطع واستعمالها مرة أخرى.”
رسالة تحد
من جهته، يقول منقب الآثار عبد الرحمن عماد النجار، عن أهمية إعادة إعمار وترميم المئذنة الحدباء: “بدأت أولى أعمال إعادة الإعمار بإزالة الأنقاض حول قاعدة المئذنة الحدباء، وفرز القطع الأثرية، ثم العمل على أعمال التنقيبات للاطلاع على واقع حال الأساسات وطبيعة التربة المحيطة بالمئذنة، بعدها جرت مرحلة التخطيط من قبل مهندسي اليونسكو والمكتب الاستشاري في جامعة الموصل، لدراسة أفضل السبل لتقوية الأساسات والتربة المحيطة بالمئذنة. وبعد زرع الركائز الحديدية والكونكريتية داخل أساسات القاعدة، بدأت أعمال إعمار قاعدة المئذنة، التي كانت تتكون من طبقتين، الأولى من الحجر والجص، والثانية من الآجر المفخور المزخرف من الخارج بأشكال هندسية، واستمرت الأعمال مابين سنة ونصف السنة إلى سنتين، انطلقنا بعدها أعمال إعمار البدن الأسطواني بطبقاته السبع، ثم أعمال الزخارف والنقوش التاريخية على شاكلتها الأصلية وبنفس الأسلوب، واستخدمنا طابوق المئذنة الأصلي الذي جمعناه من قبل للحافظ على الطابع الأثري للمنارة.”
وختم (النجار) بالقول إن “إعادة إعمار المئذنة هي إعمار لهوية ورمز مدينة الموصل، ورسالة مهمة للعالم مفادها أن مدينة الموصل تبقى حية نابضة بالحياة بشواهدها التاريخية، وسنبقى نعمل جاهدين لإعادة إعمار جميع معالم المدينة الأثرية والتراثية وإعادتها إلى ما كانت عليه.”