ميساء الفيلي /
قيادات نسويَّة عنيدة على هرمِ مناصب ذكورية بحتة لم يكن يطأ عتباتها غير الرجال، وعبر عهود طويلة من الاحتكار الخشن والفيتو المجتمعي، لكن المُلاحظ بعد سقوط النظام وتجربة الديمقراطية أن المرأة العراقية قد لعبت أدواراً مختلفة على جميع الصعد الحياتية، إذ شاركت الرجل في بناء المجتمع بجوانبه في السياسة والصحافة والطب والهندسة والفنون والأدب والشعر وغيرها،
كشف المعهد القضائي العراقي -في إحصائية رسمية- عن فاعلية النساء القاضيات في العراق وعديدهن الذي تجاوز المئة وخمس عشرة قاضية، انطلاقاً من مبدأ المساواة وتكافل الفرص، كما بدأنا نشهد فوز نساء كثيرات في البرلمان خارج حدود الكوتا النسائية بعد أن أظهرن نجاحاً كبيراً في العمل السياسي.
المهمة صعبة.. لا مستحيلة
“إدارة منصب في وزارة عسكرية ذكورية بحتة لا يطأ عتباتها غير المراتب من الرجال، هو حتماً لغزٌ مُحيّر وقفزة غير متشابهة، لا بالاختصاص ولا حتى بالطبيعة الأنثوية”..
(بان القبطان)، أول مدير عام للمديرية العامة للأفراد في وزارةِ الدفاع بعد سقوط النظام، وهي ذاتها المراسلة الحربية والصحافية التي خاضت مهمات ميدانية أعطتها الجرأة والتحدي في اقتحام المصاعب والمغامرة، تقول عن تجربتها :
“دخولي إلى مجالٍ عسكري بحت، ظلّ حكراً على الرجال، ليس سهلاً بالتأكيد، وإنما اكتسب سندهُ المعنويّ من موروث صاحبة الجلالة (الصحافة)، فكوني إعلامية بالأساس ومراسلة ميدانية، واجهت مصاعب الشارع العراقي وتحدياتهِ بعد السقوط بإرادةٍ من حديد، ذلك هيأني لاقتحامِ منصبٍ عسكري يعتبره الرجال (طابو) صرفاً، فضلاً عن كوني اتسم بطبيعة عملية جداً، ولديّ ثقة عالية بإنجاح المهمة الصعبة، وهذا طبعاً نابع من إيماني بقدرتي -كامرأة عراقية- على العطاء والتحمل في أصعب الظروف المحيطة، والإحباطات المُفشلة لطموحاتها، فما زلت أتذكر ما سمعتهُ من البعض كـ (اهتمي بتربية أطفالك، أفضل) مع كمية مآس كثيرة حاولت الإيقاع بي، وتهديم ما كنت أتقدم فيه، لكنها ارتطمت بالبسمة التي كنت ألمحها على وجوه آلاف المنتسبين باعتبارها مكسبي الحقيقي، واللافت أن هذا الإحباط والإفشال المتكررين كانا يزيداني إصراراً وديمومة على النجاح.”
لا للرجولة السياسية
وحول المرأة القيادية سواء أكانت برلمانية، أم مسؤولة في منصب رسمي كان محتكراً بيد الرجال، وهل أن المنصب هنا يصنع قوة الشخصية أم العكس؟”.. تجيب (د.هدى البهادلي – برلمانية سابقة):
“إن القضية متبادلة، فجزء أساسي من العمل السياسي هو الخبرة، والخبرة تكتسب من العمل واقتحام المناصب السياسية، وكلما كانت الخبرة أكبر أضافت إلى قوة الشخصية عند المرأة نقاط نجاح مهمة وجوهرية في تجربتها السياسية، وفي نفس الوقت فإن قوة الشخصية والكفاءة تمثلان أساس العمل السياسي والحكومي وتحقيق النجاحات التي حرمت منها المرأة في مواقع ومناصب كثيرة، وتؤدي في النهاية إلى تعزيز دور المرأة ومشاركتها السياسية كحقيقة فاعلة لا غنى عنها في تجربة العراق الجديد، ويمكن القول إنه بسبب المجتمع الذكوري، تعتقد بعض النساء أنهن بحاجة لأن يتمثلن بقوة الرجل في العمل، فيمارسن ما يمكن أن يطلق عليه (الرجولة السياسية) في العمل، ما يجعل آليات عملهن أقرب إلى عالم الرجال منه إلى عالم المرأة، ويضعف تواصلها مع هذه الشريحة المهمة.”
وحول قضية ضعف وجود جمهور نسوي يدافع عن تمثيل المرأة في المنصب بدلاً من الكوتا، تضيف:
“ابتعاد النساء السياسيات عن تشكيل (لوبيات) مهمة تضمن حقوق المرأة والأسرة في المجتمع والمواقع السياسية والقيادية التي يشغلنها، وإشعار بقية النساء في المجتمعات العراقية المتنوعة بأنهن ممثلات حقيقيات لهن، لذلك تلجأ المرأة الى المرشح الرجل، كما يجب ألا ننكر أنه في مجتمع ذكوري، لم تستقر فيه قواعد وثقافة العمل الديمقراطي، تواجه المرأة صعوبات في تحقيق اختراق كامل وكبير لعالم المرأة وإقناعها بأنها تمثلها وتستحق صوتها أكثر من المرشحين الرجال، كل هذه العقبات وغيرها في ظل وضع سياسي لم يصل الى مرحلة الاستقرار الكامل تزيد من صعوبات العمل السياسي على المرأة. مع ضرورة الاعتراف بأن نظام الكوتا ساعد كثيراً في الكشف (وليس الاعتراف) عن أهمية مشاركة المرأة في العمل السياسي كأساس لإيجاد تجربة مجتمعية ناضجة ومتكاملة، كما بدأنا نشهد فوز نساء كثيرات خارج حدود الكوتا النسائية بعد أن أظهرن نجاحاً كبيراً في العمل السياسي، وبالتأكيد لم يكن هذا النجاح بدون مساهمة الناخبة المرأة بشكل كبير.”
كفاءة قيادية نسوية
“حسب تقارير الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، والمعهد العراقي في تقريره الذي أشار الى أن العراق قد احتل المرتبة 70 عالمياً من حيث تمثيل النساء في البرلمان”.. بحسب ما طرحته (د.حنان محمود)، مسؤولة وحدة تمكين المرأة في جامعة سامراء ، قائلة:
“شهد العراق بعد عام 2003 دوراً كبيراً للمرأة العراقية في الحياة السياسة والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتحديداً تحت قبة البرلمان العراقي، ولوحظ هذا النشاط السياسي بعد أن كان معدوماً، وأيضاً بعد سقوط النظام تغير الوضع في العراق كثيراً على الصعيد السياسي، وبدأ دور المرأة العراقية في السياسة يكبر ويتوسع أكثر، إذ تمكنت من الترشيح في الانتخابات البرلمانية واستطاعت أن تثبت قدرتها في خوض التجربة السياسية، وعلى الرغم من قلة عدد المقاعد الخاصة بالمرأة في البرلمان مقارنة بالرجال، لكن ما كان يحدث سمح بتوليها مناصب حكومية عليا، حيث أثبتت كفاءة في القيادة والقدرة على إدارة البلاد، مستمدة تجاربها من حكم أنجيلا ميركل وبينظير بوتو وأنديرا غاندي وغيرهن.
جدير بالذكر أن المرأة اتجهت نحو الانتساب إلى القطاع العسكري، وعملت بجد للمشاركة في الوزارات الأمنية برغم القيود المجتمعية والنظرة الذكورية لمثل تلك الأعمال، وفي عام 2005، دُعيت النساء للتطوع في القوات المسلحة العراقية من جديد، لكنهن لم يمنحن مساحة واسعة، فغالباً ما توكل للنساء مهمات الطبابة والإدارة وغيرها من الأعمال غير القتالية فقط، وتتدنى نسبة حضور المرأة في الجيش العراقي بحكم عوامل تاريخية وثقافية، وبتأثير من الأعراف الاجتماعية.”