من “التيتي” إلى “الكرسبي”! الكلمات تتغير والزمن افتراضي..

رجاء الشجيري

اللغة كائن حي، وهي بنت عصرها وظروفها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية التي تمر بها. فالكلمات قابلة للتغيير والتجديد عبر الزمن وتعاقب الأجيال بما يتناسب وضرورة استخدامها، فكثير من المفردات أصبحت قديمة جداً، بل نكاد لا نسمع بها في حياتنا.

وعلم الدلالة (السيمانتيك) الحديث في اللغة أكد وبحث عن تغيير الدلالات اللفظية في اللغة عبر العصور، فهو يدرس اللغة والكلمة وتغيراتها، وإن كنت هنا سأستعرض الكلمات والمعاني وتحولها في (اللغة العامية)، لغتنا اليومية التي نتكلم ونتعامل بها، وليس اللغة الفصحى، فهي شواهد عما استخدمه الناس وتحول إلى مفردات وكلمات أخرى مواكبة مع التطور المتسارع في الحياة العصرية..
تحول التسميات
في يوم ما طلبت زميلة لي في إحدى الورش التدريبية مني الآتي: (هل لديك مشوفة؟!) لأظل مذهولة ماذا تعني بطلبها؟ وما هي المشوفة؟ مع أنها كانت أصغر مني بكثير، لكن أهلها ما زالوا يستخدمون هذا اللفظ الذي اتضح أنه يعني (مرآة)، أي (مراية)، فكانت المرة الأولى لي لمعرفة هذا اللفظ والمعنى. أما اللفظ الأغرب على الإطلاق، الذي لم أسمع به يوماً، كان من طفل جارنا الذي طرق الباب وقال: (هل لديكم توشيبة)؟ ولم يعرف كل من في البيت طلبه! ولكن الفضول كان يملؤنا لنعرف ما هي.. ليتضح أنها الـ (لاستيكة) أي الـ (تجّة)!
المفارقة أن الكثير من أهلنا من الآباء والأمهات والأجداد لا يعرفون بحداثة تسميات معينة أيضاً هي من لغة العصر، فعند لفظها يستغربون ولا يعرفونها، كما (السموثي) مثلاً الذي هو (أزبري)، أو (بيوتي سنتر) التي مرت بتحولات من (حفافة) في اللغة الشعبية إلى (صالون حلاقة)، وصولاً للاسم الأخير أعلاه.. ليصبح مصطلح (كنّكِت)، أي اتصلت، هو اللغة التي أصبحت محور الجميع مع البحث المتواصل عن التكنيك مع الإنترنت، ليكون الحديث بدلاً من “خليك وياي” ، “كنك وياي”، وليتحول اسم (التليفون) إلى (موبايل) …
أكلات وأدوات
الكثير من الأكلات دخلت حيز الحداثة وقفزات التحولات، اللفظية فـ (الحكاكة بنهاية جدر التمن)، وأي شيء (مكسِّب)، صارت التسمية لها (كرسبي). و(الخميعة) التي هي عبارة عن خبز في حليب ساخن وسكر صارت (حلوى أم علي)، والدوندرمة هي (الآيس كريم)، و(آبكشت)، وهي مزيج قطع طماطم ولحم، التي هي الآن (مخلمة)، يقابلها لحم الـ (كص) الذي صار يسمى (شاورما)، وضلوع اللحم صارت (ريش). أما كليجة العيد، التي تجتمع العائلة في صناعتها بمختلف الحشوات ليلة العيد، صارت تسمى الآن (المعمول). أما أدوات الطبخ فـ (ست البيت) تسميتها الجديدة (محضرة الطعام)، والخلاط صار (بلاندر)، و(شجوة) اللبن تحول لـ (غسالة لبن).
حداثة مهن
لم تعد تسميات المهن والأماكن والأشخاص كما هي أيضاً، إذ شملتها لغة العصر، فعارضة الأزياء صارت تسمى (فاشنستا)، وكتّاب الإنترنت المدونون، الذين لديهم مواقع يكتبون بها يومياتهم، يسمون (بلوكر). أما من يملكون مواقع ويصورون فيديو يومياتهم فهم (فلوكر)، وهي تسميات حديثة لم تعرف سابقاً، حلت بدل دفتر الذكريات الشخصية سابقاً، كما كان الذي يبيع تذاكر القطار يسمى (تيتي)، وهي تسمية اختفت تماماً، والذي يجمع (الكروة) من الموجودين في الحافلة يسمى (الجابي)، وكذلك تسمية (البزاز) المختفية، الذي يبيع القماش. أما المقهى المعروف الآن بالمكان الذي يجلس فيه الزبائن لشرب القهوة فكانت تسميته سابقاً (جاي خانة)، وحمام السوك صار اليوم (الحمام المغربي)، و(الأكزخانة) هي (الصيدلية)، والمستشفى كانت تسمى (خستخانة)، والعيادة الشعبية صارت الآن (المركز الصحي)، و(الحدقجي) هو (الفلاح)، و(اللوندري) هو (صاحب المكواة)، وقديماً كان مكان لوازم الخياطة يسمى (خرازيات)، ثم أصبح (كماليات).
تسميات عصرية
كذلك من الأدوات التي كانت وما زالت تستخدم في حياتنا وتغيرت تسمياتها كلمة (سكملي) وتعني (الكرسي)، و(كوكلة) وتعني بكرة الخياطة، و(قيدة) وهي ما كانت (موس الحلاقة)، والمكحلة التي أصبحت (آيلانر)، و(فركيتة)، وهي كماشة الشعر، و(سبتاج) وهو السكراب..
وللسكاير حصتها أيضا فـ (كلوص) هي عبارة عن عشر علب سكاير تكة، و(طوب الشخاط) وهو علب شخاط، و(القوانة) في الموسيقى صارت أسطوانة، ثم سي دي.. وهكذا نحن في استمرار ومواكبة حداثة التسميات في اللغة والمفردات العصرية.