إيزابيل بنيامين ماما آشوري/
عندما نشرنا القسم الاول من موضوع (من هو ذبيح شاطئ الفرات)، أصيب البعض بصدمة كبيرة، فهم لم يكونوا يتصورون أن يثار هذا الموضوع الذي حاول البعض التستر عليه لقرون طوال. فقد اهتمت المسيحية قبل الإسلام بهذا الموضوع اهتماماً بالغاً لأنهم -ومنذ قرون- يتطلعون إلى سقوط هذه الذبيحة التي تعتبر من نبوءات التوراة المهمة جداً،
لذا حاولت المسيحية جاهدة أن تسحب هذه النبوءة على يسوع المسيح، لكن المسيح صُلب ولم يُذبح أو يُقتل على شاطئ الفرات. وفي كل يوم يظهر لنا تفسير متهافت لمعنى هذه الذبيحة ومن هو ومن سيكون، لأنه من المستحيل أن تكون ذبائح الوثنيين لله عز وجل.
كما يزعمون أن المعركة حصلت بين جيش فرعون (نخو) الذي كان يتقاتل مع (نبوخذراصر)، لأن النص معقد جداً لأنه يذكر معركة تحدث على شاطئ الفرات تحمل مضامين قدسية عالية ولا علاقة لها بمعارك الوثنيين التي جرت في أعالي نهر الفرات، لأن الرب في كل الكتب السماوية أمر بعدم تقبل ذبائح الوثنيين (وما ذُبح على النصب). وفي الإنجيل أمر (لا تأكل الرجاسات) والرجاسات هي ذبائح الوثنيين لأصنامهم. وحتى لو كان المذبوح بشراً سقط في أي حرب، فإن الرب لا يتقبل هذه الذبيحة إلا بعد أن تكون خالصة له (برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله).(1) هذه هي مواصفات الذبيحة المرضية عند الرب تبقى حيّة، يعني تضحية الإنسان بنفسه من أجل المبادئ العليا وهو ما يؤكده القرآن أيضاً: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء).
وعندما يقول نص نبوءة التوراة: (إن لله ذبيحة وتحديداً على الفرات)، فهذا يعني أن هذه الذبيحة سقطت من أجل قيم ومبادئ دين الرب، وهي مؤمنة به غير مشركة وليس كما يزعم (وحيد المصري). (2) الذي يقول إن هذه الذبيحة هي فرعون نخو الذي كان يتقاتل مع نبوخذراصر ملك بابل، فهو بهذا يُريد تجهيل الناس والتعمية عليهم وخداعهم، فيكذب عليهم لأن فرعون نخو ونبوخذراصر كليهما وثنيان تقاتلا من أجل توسيع نفوذهما والاستحواذ على الغنائم والعبيد، فكيف يكونان ذبائح مقدسة لله؟ ثم يُناقش وحيد خارطة كركميش فيُشرّق ويُغرّب من دون نتيجة وأنا أقول له: اترك الخريطة وقل لي من هي الذبيحة المقدسة؟
النص واضح وضوح الشمس ولا علاقة له بمعركة فرعون نخو ونبوخذراصر التي وقعت قبل المسيحية بقرون وانقضى أمدها. النبوءة تقول: (إن لله ذبيحة عند الفرات) ثم تصف معركة غير متكافئة بين فئة قليلة وأخرى حشدت كل قواها وطاقاتها، فهي نبوءة مستقبلية تحكي عن واقعة على ضفاف الفرات، لا بل إن النص يؤكد بأن دجلة أيضاً يمر من هناك كما يقول: (في الصحراء العظيمة التي يقال لها رعاوى عند الفرات ودجلة ويادسون في صحراء أريوك ملك عليم. في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات).(3) والإشارة واضحة وضوح الشمس في النص، حيث تُحدد منطقة بابل وضاحيتها الشمالية، وهي كربلاء الحالية، التي يمر أيضاً نهر دجلة بالقرب منها، على عكس معركة نبوخذنصر التي يبعد نهر دجلة عنها مئات الكيلومترات شرقاً. إضافة إلى أمر مهم جداً تجاهله كل من رد على مقالي، وهو أن النص يُشير إلى منطقة بابل، وليس إلى منطقة (أفرات) في تركيا، فلم يكن هناك يهود أبداً، ففي النص يأمر الرب اليهود أن يهربوا من تلك المنطقة: (اهربوا من أرض الشمال، يقول الرب. تنجي يا صهيون الساكنة في بابل). فقد كان اليهود في بابل حيث يأمرهم الرب أن يهربوا إلى شمالها، إلى الصحراء العظيمة التي يُقال لها رعاوى، حيث لا تزال إلى هذا اليوم آثارهم ماثلة للعيان في النجف والكفل والكوفة وكربلاء.
لكن هذه الحقائق لا تُطيب لتجّار الكلمة وبائعي الأديان امثال رشيد المغربي ووحيد المصري وغيرهم، فيُدلسون ويكذبون ثم يقول وحيد المصري إيزابيل الكدابة، من أين جئت بهذا الكلام؟ ثم يأخذ بمناقشة الخريطة لكنه يتحاشى ذكر الحقيقة التي تقول إن الذبيحة هي لله. ثم من قال لك إن الخريطة التي تُناقشها صحيحة او دقيقة إذا ما عرفنا أن نصوص الكتاب المقدس جرى التلاعب بها، وحتى جغرافية الكتاب المقدس أيضاً جرى تزويرها لتخدم غرضاً معيناً.
ولا أدري لماذا يعزف كل من عارض الموضوع عن أقوال المفسرين المسيحيين حول مكان أرض المعركة، فإن الذي فهمه مفسرو الكتاب المقدس أن أرض الشمال هي بابل على ضفاف نهر الفرات كما ورد في تفسير القس انطونيوس فكري تفسير سفر حزقيال، الذي يقول: ((عموماً كان يقال على بابل أنها شمال فلسطين، فطريق القوافل كان يجتاز الفرات ثم يتجه إلى الجنوب عبر سوريا)). وهذا ما اعتاد عليه مفسرو الكتاب المقدس في تفسيرهم لهذا النص الوارد في سفر إرميا 46: 6 ((في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا)) . فهم دائما يُشيرون في تفاسيرهم إلى أن الشمال المقصود هنا هو بابل وضواحيها، ولذلك فإن تفسير القول في سفر إرميا 46: 10 ((لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات)) لا يتعلق بأرض سوريا في كركميش المذكورة. بل إن النص يُشير إلى أن هذه الذبيحة في أرض الشمال بالقرب من بابل (نينوى) التي كان يحكمها نبوخذنصر وهي ليست نينوى الآشوريين.
الغريب العجيب أن المنتقدين لم يلاحظوا انتقال النص فجأة بعد مقتل الذبيحة على شاطئ الفرات ليتحدثوا عن امرأة في هذه الحرب، هذه المرأة التي سمع كل العالم بحزنها فيقول: ((اصعدي وخذي بلسانا يا عذراء ــ أي الطاهرة ــ.. قد سمعت الأمم بحزنك، وقد ملأ الأرض عويلك، لأن بطلاً ينصر بطلاً فيسقطان كلاهما معا)). فهل يخبرني المعترضون من هما هذان البطلان اللذان ينصر بعضهما بعضاً ثم يسقطان معاً وتبكي عليهما امرأة حتى يصل عويلها إلى كل العالم؟ هل هما فرعون نخو ونبوخذراصر الوثنيان، أم المقدسان الحسين وأخوه العباس الذي كانت زينب تُناديه (يا ابن والدي) والذي بسقوطه صاح الحسين (الآن انكسر ظهري).
المصادر:
1- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 1.
2- وحيد المصري يرعى برامج كثيرة منها برنامجي الدليل، وقناة الحياة. وهذه البرامج يتصدى فيها للإسلام، ومن أجل التعمية على المستمع عمد إلى مناقشة خريطة كركميش وجرابلس متجاهلاً النقاش حول الذبيحة المقدسة.
3- سفر يهوديت 1: 6. وأما يادسون صحراء أريوك فهي تقع في الشرق الأوسط تحديداً في العراق من حدود بابل مروراً بآشور وحتى سوريا وصولاً إلى دير الزور ويُطلق عليه إقليم يادسون. انظر طلعت خيري مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي. خريطة الشرق الأوسط القديم– المنطقة العربية.