ملاذ الامين/
تضحية الإمام الحسين عليه السلام واستشهاده في معركة معلومة النتائج الآنية تمثّل قصة إنسانية عظيمة تلهم جميع المكافحين ضد الظلم والفساد، لذلك فإنّ الإمام الحسين عليه السلام كان وسيظل نبراسا للإنسانية كلها، وإحياء ذكرى استشهاده يجمع كل الاديان والمذاهب، لأنه بات رمزا للصمود ورفض الطغيان ومثلاً أعلى لأسمى مراحل التضحية.
يشترك جميع العراقيين ومن مختلف الاديان والطوائف في إبراز مصيبة آل البيت خلال شهر محرم، فكما يجهّز شيعة آل البيت مواكبهم التي تروي قصة الحسين ع وآل بيته الاطهار مع تقديم مختلف الخدمات للزائرين القاصدين أئمة آل بيت النبوة في كربلاء والنجف وبغداد وسامراء، ينصب المسيحيون والصابئة خيمهم على طريق الزائرين لتقديم الطعام وإظهار المواساة والحزن لما تحمله هذه الايام من آلام وإباء.
خيمة المسيحيين
جرجيس صابر – من المكون المسيحي – نصب خيمته في سوق بغداد الجديدة جنوبي العاصمة، يقول: إن “خيمتي هذه امتداد للخيمة التي نصبها والدي قبل أكثر من 30 عاما، إذ إنه سكن بغداد الجديدة منذ تأسيسها وبنى بيتا فيها وولدت فيها مع أخواني وأخواتي وكنت أشاهد والدي يستأجر قدوراً كبيرة لطبخ الهريسة في كل سنة بمناسبة عاشوراء، إذ تتشارك والدتي وعماتي وخالاتي في عملية الطبخ بينما يقوم والدي وأعمامي بتحضير الحطب وتقليب الهريسة الساخنة في الجدر كي تنضج”.
وأضاف أن “القدور الكبيرة توضع أمام بيتنا وفي مقدمة الخيمة التي تمتد في محلتنا لمسافة عشرات الامتار، إذ تُستلم قدور الجيران مع فجر يوم عاشوراء ليتم إطعام سكان المحلة والمحلات المجاورة”.
وتابع صابر أن “أخواني الذين انتقلوا الى مناطق أخرى في بغداد والمحافظات ما زالوا يحافظون على هذا التقليد ويطبخون في يوم عاشوراء الهريسة لمشاركة اخواننا المسلمين بمصاب آل بيت النبي (ع) من جانبه أثنى عبد الرحمن شهاب (أحد سكّان المحلة) على طريقة تحضير الهريسة ويصفها بأنّها لذيذة جدّاً، مؤكدا أنه يحرص في عاشوراء على الحصول على مقدار من هريسة “العم جرجيس” كونها لذيذة جدّاً، مشيرا الى أنه كان يملأ أكثر من إناء لتكفيه لعدة وجبات.
أهالي الأعظمية
وفي منطقة الأعظمية اعتاد سعد سامي (صاحب محل للملابس مقابل جامع الامام الاعظم) على تجهيز خيمة تحتوي على عدة قدور كبيرة للطعام بضمنها الرز ومرقة اللحم مع توفير الخبز مع الاواني الفلينية الى جانب الشاي والماء البارد.
يقول سامي: إن “مشهد الزائرين باتجاه الامام موسى الكاظم (ع) يحتمّ علينا أن نقدّم لهم ما يحتاجونه جراء تعب المسير، إذ إن أغلبهم قد قطع أكثر من 100 كم سيرا على الأقدام، ما يتطلب تقديم الطعام والشراب والراحة لهم لتخفيف مسيرتهم ووصولهم الى الامام الكاظم (ع) بسلام وأمان”، مؤكداً أنّه “اكتسب من هذه الخدمة الكثير من الاصدقاء في بغداد والمحافظات والدول المجاورة وأنهم يتبادلون الزيارات في المواسم وغيرها”.
وأوضح جاره بكر عبد الجبار أن “أهالي الاعظمية لا سيما محلة النصّة يساهمون بمقدار من المال يجمعونه لدى أحد وجوه المنطقة كي يتم شراء مواد غذائية بالاضافة الى الملابس للاطفال الفقراء ويتم إيصالها اليهم بهذه المناسبة”.
وأضاف أن “هذه الأموال يسهم بها أيضا الزائرون من المحافظات والدول المجاورة، التي تسد احتياجاتنا وتزيد منها أموال أخرى تسلّم الى شباك الامام الكاظم ع “.
الرائد (ع.م) من قوة وزارة الداخلية المكلّفة بحفظ الأمن في الكاظمية، قال إنّ “وزارة الداخلية نشرت سيارات النجدة وفرقاً من الشرطة المشاة بين الزائرين بهدف حفظ الامن”، مبينا أن “الوزارة اتفقت مع العتبة على تخصيص أبواب للرجال وأخرى للنساء لمنع الاختلاط ولضمان انسيابية عملية الزيارة”.
وعن الحالات الصعبة التي مرّت به أشار الى أنّه “تسلّم طفلا بعمر 4 سنوات فقد أبويه خلال زحمة الزيارة وبعد أن اطلعنا على اسمه تم توجيه النداء في الحضرة بالعثور على الطفل، راجين من ذويه مراجعة غرفة المفقودات لتسلّمه”، الا أن أهل الطفل لم يراجعوا لتسلّم الطفل لغاية المغرب، والطفل يبكي ويصرخ ورغم تقديمنا أنواع الحلويات والاطعمة والمشروبات، الا أنّه استمر بالصراخ وعند مغيب الشمس جاء الاب لتسلّم ابنه وسألناه لماذا لم تستلم ابنك حين سمعت النداء قبل 4 ساعات؟.. أجاب بكل برود أنه سمع نداء العثور على ابنه حين كان في الامام (ع)، وأنّه اطمأن بأن ابنه في أيد أمينة فقرّر اتمام الزيارة والتسوق وبعدها يستلم ابنه ليعود به الى الدار!!.
بينما يشير الرائد (ع.م) الى أن أمهات الاطفال المفقودين يأتين وهن يبكين وينحن لفقدان أولادهن ويترجوننا للبحث عنهم والعثور عليهم بأسرع وقت، ما يربك عملنا في البحث والتقصي.