ضحى مجيد سعيد /
تعمد دول كثيرة أحياناً إلى تخفيض قيمة عملتها مقابل العملات الأخرى في حال مرورها بأزمات اقتصادية أو ارتفاع معدلات العجز المالي في ميزانيتها العامة. خطوة كهذه عادة ما تكون موجهة من قبل الحكومة بالتنسيق مع البنك المركزي. ولا شك في أن خطوة من هذا النوع لها ما لها وعليها ما عليها من إيجابيات وسلبيات، وربما السلبيات يدركها الشارع والمواطن، أما الإيجابيات فتجنيها الحكومة التي تعمد إلى اتخاذ قرار من هذا النوع عادة ما يطلق عليه اصطلاح “تعويم العملة الموجَّه”.
وفي ظل اتجاه الحكومة العراقية إلى مثل هذه الخطوة، المتمثلة برفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، شهد السوق تقلبات في الأسعار على نحو يومي تقريباً في ظل عدم استقرار سعر الصرف. الحكومة عللت الذهاب في هذا الاتجاه لمواجهة الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن المساهمة في كبح جماح العجز المالي. ربما تكون النتائج الإيجابية لهذه الخطوة مستقبليه أكثر من كونها آنية، لكنها في المقابل أسهمت في رفع أسعار السلع والبضائع، كما أوجدت مشكلات مختلفة بين الدائن والمدين في ظل اختلاف قيمة الدينار العراقي أمام الدولار. الحكومة فرضت قيوداً لمنع ارتفاع أسعار السلع والبضائع بما يتناسب مع معدل دخل الفرد، لكن الواقع على الأرض عكس ارتفاعاً في كثير من أثمان السلع والبضائع، ما تسبب بضجة كبيرة، وأثار مخاوف من دخول البلاد في مرحلة انهيار اقتصادي قد يضاعف الأزمة التي يعيشها العراق منذ سنوات.
ومن أجل الوقوف على أسباب وتأثيرات ارتفاع سعر الصرف بالنسبة للدولار مقابل الدينار العراقي التقينا السيد (أردلان حامد) الذي يعمل في تجارة المواد الغذائية، سألناه عن أسباب ارتفاع أسعار البضائع والسلع مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، فأجاب: إن كل البضائع المستوردة تكون قيمتها بالدولار، لكن التاجر بعد وصول البضائع إليه يقوم بتوزيعها على تجار التجزئة مقابل مبالغ مالية عادة تكون بالدولار، وأحياناً تكون بالدينار. وأردف قائلاً: نظراً لهبوط قيمة العملة العراقية مقابل الدولار فنحن مجبرون على رفع سعر بيع البضائع بالدينار، لكنها ثابتة بالدولار تجنباً لأية خسائر مالية إذ أننا نشتري تلك البضائع من الخارج بعملة الدولار.
وفي سؤال عما إذا كانت هذه الخطوة قد تسببت بمشكلات لدى التجار، أوضح أردلان أنها أوجدت مشكلات اجتماعية مختلفة، ولاسيما إذا كان التاجر قد باع بضاعته بالدَّين بقيمة الدولار عندما كان أقل قيمة عما هو عليه اليوم، وبالتالي فإننا نواجه حرجاً في حل هذه المشكلات المالية ونتجه أحياناً إلى تسويات ترضي الطرفين. وفي ما يتعلق بالإقبال على البضائع والسلع يقول أردلان: إن الاقبال ربما يكون ثابتاً باتجاه المواد الغذائية تحديداً لأنها من متطلبات الحياة اليومية ومن الصعوبة الاستغناء عنها كونها ترتبط بمعيشة المواطن.
وللاطلاع على تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار على السلع الكمالية التقينا السيدة (تارا البرزنجي)، صاحبة متجر لبيع مواد التجميل في أربيل، سألناها عن تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار على أسعار السلع والمبيعات، فأجابت: إن أسعار السلع لم تتغير لأنها تباع بالدولار، لكن ما يقابلها من سعر صرف بالنسبة إلى الدينار ارتفع، مشيرة إلى أن هذه السلع غالباً ما تكون غالية الثمن اليوم لكونها كمالية تختص بجمال المرأة، لذا يظل الطلب عليها مستمراً، لكن أصحاب الدخل المحدود يواجهون صعوبة مالية في الحصول على السلع ذات الماركات العالمية، لذلك تلجأ بعض النسوة من ذوات الدخل المحدود إلى السلع المشابهة الأقل جودة لكنها أرخص ثمناً. مشيرة إلى أن القوة الشرائية للمستهلك قياساً بدخله اليوم باتت ضعيفة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وحركة السوق اليوم في أربيل ليست كما كانت عليه في السابق لأسباب عدة منها ارتفاع سعر صرف الدولار ومنها ما يتعلق بعدم استقرار توزيع المرتبات على الموظفين، فضلاً عن استقطاع جزء منها تحت ذريعة الادخار من قبل حكومة الإقليم .
(أحمد الزاويتي)، موظف في وزارة التجارة التابعة لحكومة إقليم كردستان، أوضح أن راتب الموطن كان محدداً وأن ارتفاع سعر صرف الدولار أسهم في ارتفاع أسعار السلع، فانعكس هذا الامر انعكاساً سلبياً على أصحاب المرتبات المحددة، ففي ظل الارتفاع في أثمان السلع والعلاج والدواء والنقل والمشتقات النفطية والوقود في الإقليم بقيت المرتبات ثابتة. يضيف الزاويتي أن المشكلة لدى موظفي الإقليم لا تقتصر على ارتفاع سعر صرف الدولار، بل هي أعمق في ظل عدم تسلم الموظف طوال عام كامل سوى مرتبات ستة أشهر فقط، وليس هذا فقط، بل استقطعت حكومة الإقليم منها الثلث. أردف قائلاً: إن الاستقطاع لم يشمل مرتبات هذا العام فقط، بل امتد حتى ستة أعوام مضت، وكان الاستقطاع أكبر بحجة الادخار، ونتيجة للخلافات بين المركز والإقليم لا يزال الموظف في كردستان يدفع الثمن. وفي سؤال عن المطالب أكد الزاويتي ضرورة مساواة موظفي الإقليم بباقي محافظات العراق وتمنى أن تمنح المرتبات من المركز مباشرة دون أية استقطاعات مالية وعن طريق البطاقات المصرفية الذكية.
وفي ما يتعلق بأمنيات المواطن، اتجهت الأمنيات إلى تقليل سعر الصرف فضلاً عن وضع شروط للاستيراد من قبل الحكومة بما يتناسب مع حجم القدرة الشرائية للمواطن وسط دعوات بتنمية القطاعات الزراعية والصناعية والاعتماد على الموارد والخبرات الموجودة داخل البلاد.