مواقع التواصل الاجتماعي.. أزقة افتراضية أم ساحات تحرير؟

رغد عبد الزهرة /

مواقع التواصل تُشبه زقاقنا القديم؛ يجلسُ الناسُ إلى دكات المنازل، يتناقلون الأخبار والنميمة، ويتحدثون في كل شيء مِن السياسة، إلى آخر الأغاني، وشجارات الأزواج، ومناسبات الخطوبة والزواج، والولادات، والعشاق الذينَ يتبادلون الإشارات فوق سطوح المنازل!

لمْ يتغير الكثير، بإمكانكَ المشاركة، أو الإصغاء فقط، أو تكون “سنفور غضبان”؛ لازمتك في كل حديث “أنا أكرهُ هذا”.
ربمّا حينَ تم ابتكار الهاتف وصارَ الناس يستعينون بالاتصالات لمعرفة الأخبار، عوضاً عن الحضور، كان هناك مثل هذا التأفف؛ من أن الناس صاروا لا يحظون بحياة طبيعية مع أناس حقيقيين، بل يضيعون أيامهم بالتواصل مع أصواتٍ منقولة عبرَ سلك لا تستطيع التأكد من هوية أصحابها!

في استطلاع توجهتُ بهِ إلى رواد هذهِ المواقع لمعرفة ما أفادوه من هذهِ المواقع وما خسروه بسببها، كانت الآراء متنوعة:
“صبري محمد” كان رأيه أنّ “مواقعَ التواصل بل الإنترنت بصورة عامة أغناه عن التلفاز الذي يقول أنّهُ كان يستسخفه، بما فيهِ من إعلام موّجه وفرض لرؤى شخصية وسياسية، بينما لهذهِ المواقع دور مهم في اتساع رقعة الحوار، لكنّه قلّصَ من مساحة عيش الحياة بشكل حقيقي”.

وهو ما أيدهُ فيهِ “هاني المياحي” الذي يرى أنَّ مواقع التواصل تولد مشاعر غير حقيقية تجاه الأشخاص، ولكنه يُقر أن الفيسبوك ساعدهُ في تخطي مشكلة نسيانهِ الأسماء.

“منى خلف” من رأي الاستاذ “صبري”؛ في كون المواقع وسعّت القدرة على التواصل مع أناس كثيرين، على حساب الناس الأقرب، ومن رأيها أنّ الدماغ لمْ يتطور ليحتمل مثل هذا الكم الهائل من المعلومات التي تُضخ عبره، وترى أن مجتمعنا المُغلق أصطدمَ بلا تمهيد بهذهِ التكنولوجيا فأساء استخدامها.

الشاعر “محمد السيد” يقول: أنَّ المجتمعات المعتادة على الاستهلاك لا الإنتاج كمجتمعاتنا لن تفيدها مواقع التواصل كثيراً، بل ستعيدها إلى الخلف! ورأى أنّ الأطفال هم أكثر المتضررين من هذهِ المواقع، إذ يقع الطفل بإهمال من الأهل فريسة لهذهِ المواقع ليكونَ بين مطرقة التوحد والعزلة، وبين سندان الانسلاخ الأخلاقي؛ لذلك يمنع ابنته الصغيرة منها، وإن كانَ الموضوع يزداد صعوبة لزيادة عدد الأطفال من أقرانها في هذهِ المواقع.

“يونس آغا” أقرَّ أن الإيجابيات كثيرة، لكنّ الأجيال القادمة هي أكثر المتضررين، لكون الإنترنت يستهلك أوقات الالتزامات وبضمنها أوقات الدراسة، ما يعني إنحداراً أكبر في التعليم، فلا فائدة لوجود معلومات لا يُفاد منها بسبب تدوير الجهل من جيل إلى جيل!
بينما “سيماء” وهي شابة واكبتْ الإنترنت مُبكراً، تقول عن تجربتها الشخصية أن “الدخول إلى مواقع التواصل أفضل ما حصلَ في حياتها، بسبب كمية الفائدة التي تلقتها، ومعرفتها طريق الكتب”. وهي لا ترى حتى أنَّ العزلة التي يتكلم الآباء عنها سلبية؛ فتقول أنّها حالة طبيعية – أيّ العزلة – للإنسان في طور التطور من المراهقة الى النضج، والعزلةَ عن الأهل والعائلة التي وفرتها مواقع التواصل، وفرت للشاب فرصة لتطوير إهتماماته وبلورة شخصيته، بمتابعة والتعرف على أناس أكثر نفعاً من المجاملات الاجتماعية.

“أثير العطار” مهندس شاب؛ كانَ لهُ رأي وسط بين ما تقدم، فهو يرى أنَّ مواقع التواصل سلاح ذو حدين، فأنتَ من ناحية تفيد وتتعلم الكثير منه، بالتعرف على أشخاص بعقليات لامعة، ووجود منصات التعليم المجانية، لكنّها جعلتنا مرتبطين بشدة إليها فيكون هناك ضياع للوقت، بالإطلاع بين كل دقيقة وثانية على آخر المنشورات، وهو يراها كذلكَ تؤثر على نوعية الأهداف في الحياة إذ تتغير أهداف المرء من كونها أهدافاً على المدى البعيد، لتصير أهدافاً مداها أقصر، بحيث أن أهداف الناس صارتْ تتلخص في الحصول على إعجاب وتعليق ومشاركة!

“أمير فاضل” طرحَ مشكلة مهمة في مسألة التساهل في النشر، بالأخص في الأمور العلمية بطرح أفكار مستهلكة ومغلوطة أحياناً لدغدغة مشاعر القارئ.

“محمد علي العقابي” يرى أنّ المواقع صارتْ تُشبه المقاهي التي تجمع الغرباء، ويلتقي عندها الأحبّة بما فيها من خاصية لا تتوفر في المقاهي وهي الحرية في الحديث بلا خوف، والقدرة على الاغتراف من منابع كثيرة للمعرفة في الحياة.
وهو رأي قريب من رأي “ولاء كريم” التي تنزعج من اللقاءات الواقعية، وتجد التواصل الالكتروني أكثر راحة، بالأخص فيما يتعلق بالتعرف على الأشخاص بصورة أعمق ومعرفة اهتماماتهم وأفكارهم بالتدريج، دونَّ الرسميات المتبعة في اللقاء بالناس على أرض الواقع.

والسيد “فرات” يُصور الافتراض بالحلم قياساً بالواقع، والواقع صلبٌ ومحدود فيما الحلم يناسب سعة العقل ولا تناهيه، والعالم الافتراضي يُزيل المكان كبعد ثالث، ويبقى ضرورة لا غنى عنه في متابعة منجزات الآخرين.

بينما يرى التربوي “عبد الله جبر” أنّها تُشبه الكلية أكثر، بالتنقل من مرحلة الذهول الأولى إلى تعلم أساسيات التواصل، ثم الحيرة والملل، وبعدها جعل الصفحة منبراً شخصياً وإن غزاه بعضهم بدافع الوصاية! يقول “محمد عبد الرحمن” أن الإنترنت زجاج يعكس ما في داخلنا فقط!