حيدر قاسم/
أواخر عام 2014 كشفت محافظة ذي قار عن تسجيل 750 اصابة بمرض السرطان بسبب وجود اشعاعات نووية في المحافظة، وان الاصابات في تزايد مستمر مع عدم قيام الجهات ذات العلاقة بمعالجة اسباب هذا التلوث.
فقد أكد محافظ ذي قار يحيى الناصري، ان سبب انتشار مرض السرطان في المحافظة هو مواد مشعة منتشرة في أماكن متعددة من المحافظة، وهي عبارة عن مخلفات حربية تعود لحرب 1991 وحرب عام 2003
13 الف اصابة بالسرطان
ومنذ ذلك الإعلان لا تزال المشكلة قائمة، اذ يؤكد مجلس المحافظة وجود مواقع مشعة لا تزال تنشر مرض السرطان بين سكان المحافظة، الى الحد الذي دفع منظمات دولية الى تخصيص 11 مليون دولار لانشاء مركز لمعالجة مرضى السرطان، في هذا الوقت يكشف مصدر صحي رفض الافصاح عن اسمه، لـ “الشبكة” عن اصابة ما يقارب الـ 13 الف مواطن على الأقل في عموم المحافظة، لكن الأمر يجري التكتم عليه بسبب مخاوف متعددة، من دون ان يكشف عن طبيعة هذه المخاوف. .
ولمعرفة طبيعة هذه المواقع واماكن انتشارها، زارت مجلة “الشبكة” عدة جهات على علاقة بالملف، حيث يكشف مدير الشرطة البيئية في محافظة ذي قار رشيد عبيد في حديث للشبكة، عن وجود سبعة مواقع ملوثة اشعاعياً في المحافظة، مؤكداً ان بعض هذه المواقع لا يزال غير معالج وعرضة لعوامل الطبيعة والتعامل البشري غير المختص .
مخلفات مفاعل فوكويما
ويشير الى أن فرق المسح البيئي الميدانية تمكنت من رصد سبعة مواقع ملوثة بالأشعاع، وهي في مناطق مختلفة من المحافظة، لافتاً الى ان بعض المواقع تمت معالجتها بشكل كامل مثل قطع غيار السيارات اليابانية الملوثة اثر انفجار مفاعل فوكوشيما في اليابان، حيث قامت بعض الجهات بإدخال قطع السيارات الملوثة الى المحافظة عبر منافذ اقليم كردستان العراق، الا ان فرق المسح الميداني تمكنت سريعاً من رصد هذه القطع، حيث بلغ عددها 266 قطعة غيار ملوثة”.
ويضيف ” أثر ذلك بادرنا بإقامة دعوى قضائية على الجهات المستوردة، واثر الكشف الدلالي تبين وجود هذه القطع في مرائب في مركز المحافظة وكذلك في قضاءي الشطرة وسوق الشيوخ، ليتم بعد ذلك مصادرة هذه القطع ومعالجتها عبر حجرها في محجر مؤقت خصص لهذا الغرض”.
وعن المواقع الأخرى يقول عبيد تم اكتشاف قطعة مدفع في قضاء الغراف التابع لمحافظة ذي قار، وكذلك تم اكتشاف تلوث اشعاعي في موقع 22 النفطي، وقد تم رفع هذه المشعات من هذه المواقع بالتنسيق بين دائرة بيئة ذي قار والعلوم والتكنولوجيا.”.
يورانيوم منضب وسط العاملين
ويضيف ” هناك ايضاً ثلاثة مواقع مهمة أخرى ملوثة اشعاعياً، هي مواقع تابعة لمديرية الجنوب الغربي التابعة لوزارة الكهرباء في المحافظة، وهي مواقع ملوثة بسبب العمليات العسكرية عام 2003، حيث تتوزع في مقر المديرية، وكذلك المخازن الريفية التابعة لها، والمخزن الرئيس.”.
ويشير الى ان هذا التلوث عبارة عن كتل كونكريتية ملوثة، وايضاً هناك تربة ملوثة باليورانيوم المنضب، الا ان المشكلة التي تواجهنا هو غياب التنسيق والعمل الكافي لرفع هذه المواد المشعة من قبل الدائرة ذات العلاقة، حيث ان هذه المواقع هي مواقع عمل مستمر وهناك موظفون وعمال يعملون ضمن نطاق هذا التلوث، الا ان وزارة الكهرباء ودائرة العلوم والتكنولوجيا في المحافظة لم يقوما بما هو مطلوب من أجل وضع حد لهذه المشكة الخطيرة.”.
ويلفت الى ان ” مديرية شرطة البيئة قامت من جانبها بثبيت هذه المواقع في تقرير مفصل وتم تقديمه للقضاء لغرض البت فيه، والزام الجهات ذات العلاقة برفع هذه الملوثات الخطيرة”.
وعن امكانية رفع هذه الملوثات الاشعاعية يشير عبيد الى ان هناك خلافا بين وزارتي الكهرباء والعلوم والتكنولوجيا المنحلة بشأن تنفيذ عقد بمبلغ اكثر من 100 مليون دينار عراقي، كانت العلوم قد تعاقدت فيه مع الكهرباء لرفع هذه المخلفات، الا ان اجراءات بيروقراطية حالت دون تنفيذ هذا العقد لغاية الآن .
ويحمل عبيد وزارتي الكهرباء والعلوم والتكنولوجيا مسؤولية عدم رفع التلوث من دائرة الكهرباء.
ويؤكد ان تقارير مركزه اثبتت بالأدلة ظهور العديد من حالات الاصابة باللوكيميا ” سرطان الدم” وكذلك حالات التشوه الخلقي بين الأطفال وضعف الأخصاب، وغيرها من الأمراض الأخرى “.
قاعدة الامام علي
أما الموقع الأخير بحسب عبيد، فأنه اكتشف اخيراً في مقر قاعدة الامام علي (ع) الجوية غربي مدينة الناصرية، وهو عبارة عن مقاومة طائرات ملوث اشعاعياً وفي مكان آهل بالعسكريين، ما يستدعي سرعةً في متابعة هذا الموقع، ولذا لجأنا الى القضاء العراقي لالزام الجهات المسؤولة بسرعة التحرك ورفع هذه المقاومة الملوثة “.
محجر مؤقت خارج المواصفات
ويشير عبيد الى ان وزارة العلوم والتكنولوجيا قامت في وقت سابق بإنشاء محجر مؤقت لخزن المواد المشعة، غربي مدينة الناصرية (45كم)، ولكن هذا المحجر يفتقد لشروط السلامة والأمان، وهو غير مطابق للمواصفات العالمية، حيث ان هذه المقبرة الكيمائية الخطرة عرضة للرياح وتجريف التربية والحيوانات السائبة وغيرها، ما يعني امكانية تسرب هذه الملوثات الى المياه الجوفية، وكذلك تجريفها بالرياح ونقلها للمدينة بشكل سهل .
ويطالب عبيد بايجاد حل لهذه الكارثة النووية التي تحيق بمدينة الناصرية، والا فأنها في طريقها للتوسع والتحول الى كارثة مضافة الى كوارث المواد المشعة المنتشرة في عموم المحافظة .
انتشار السرطان !
علي عطية شجر رئيس لجنة المتابعة في مجلس محافظة ذي قار، يقول للشبكة، أن ” المحافظة تسجل منذ عام 2013 تزايداً في حالات الاصابة بمرض السرطان، وبمعدلات مرتفعة”، ويعزو ذلك الى التلوث الاشعاعي الناجم عن العمليات العسكرية التي جرت على أرض المحافظة إبان حرب 2003 وما تلاها، ويضيف ” كذلك هناك سبب أخر لظهور حالات الاصابة بالأمراض السرطانية، حيثُ تستخدم الشركات العاملة في حقول نفط المحافظة لاسيما حقل الغراف النفطي وغيره مواداً مشعة في عملية الاستكشافات النفطية، وهي من المواد المحرمة”.
ويتابع ” كذلك لوحظ وجود اسباب اضافية لحالات الإصابة بالسرطان، منها الرمي المباشر للمخلفات الطبية دون معالجة بنهري الغراف والفرات، مضافاً لذلك معامل الطابوق التي تقوم بالحرق العشوائي، ما يسبب اصابات سرطانية للعاملين وللقاطنين بالقربِ من تلك المناطق “.
وعن الحلول أو الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية للحد من هذه المشكلة، يقول شجر، أن ” مجلس المحافظة في دروتهِ السابقة كان قد شرع قراراً لمعالجة هذه المشكلة، وقد خولنا دائرة البيئة بموجبه بمقاضاة الجهات ذات العلاقة، كما تم التواصل مع منظمات دولية لغرض ايجاد حل لهذه المشكلة”.
ويتابع ” اسفر هذا التحرك عن تأسيس مركز علاج الأورام السرطانية في المحافظة لمتابعة هذه الحالات، وهو مشروع مول عبر منظمات دولية، ولكن المشروع لم ير النور لغاية الآن “.
البيروقراطية السبب
توجهنا لدائرة العلوم والتكنولوجيا في ذي قار، والتقينا بالمهندس باسم ياسر، حيث أكد لـ (الشبكة)، أن دائرتهِ منذ تأسيسها في المحافظة، عملت على إنجاز مهامها، كونها مسؤولة بشكل مباشر عن معالجة المواقع الملوثة اشعاعياً وكيمائياً، وبالفعل قمنا برفع عدد من المواد الملوثة اشعاعياً دون ان تتم عملية معالجتها بشكل نهائي، حيث تم حجرها في محجر مؤقت .
وعن المواقع الثلاثة في شبكات الجنوب الغربي التابعة لوزارة الكهرباء، يؤكد ياسر، أن دائرتهِ بإنتظار ابرام عقد بقيمة 120 مليون دينار مع الكهرباء لغرض تغطية نفقات عملية رفع المواد المشعة.
ويؤكد ان الجهات المسؤولة اشرت وجود تلوث اشعاعي في الشبكات منذ 2004 ولم يجرِ لغاية الآن اتخاذ الاجراء المناسب تجاهها بسبب بعض الاجراءات الروتنية .
شركات النفط …مواد مشعة بلا رقابة!
مصدر في دائرة بيئة ذي قار كشف للشبكة عن وجود مخاطر اضافية، وصفها بالكبرى على حياة المواطنين في المحافظة لا سيما في المناطق الشمالية منها، حيث بين المصدر استخدام الشركات الاجنبية المستثمرة لحقول نفط الغراف وصبة والناصرية لمواد مشعة في عملية الاستكشافات النفطية، وهو عملية خطرة جداً على حياة العاملين والسكان.
ويشير المصدر الى ان هذه الشركات تمنع فرق التفتيش والمسح الميداني التابعة لوزارة البيئة من الدخول الى تلك المواقع والتعرف على نوعية هذه المواد المشعة، أو كميات المواد المستخدمة، أو كيفية تخزينها.