ريا عاصي /
هل رصفت سيارتك يوماً دون أن يظهر لك شخص بصافرة و(كاسكيتة) عند المحلات الراقية وبمنشفة عتيقة مهترئة عند أزقة بغداد القديمة ليطالبك بمبلغ مقابل وصل، أو بلا وصل، تدفعه حماية لسيارتك؟
من هم مالكو الأرصفة الحاليون؟ ومن باع لهم الأرصفة ليحولوها إلى كراجات وقوف سيارات؟ وأين دور الدولة والوزارات الأمنية؟ وكيف تحولت هذه المهنة الى تجارة مربحة تدعمها جهات نافذة مختلفة؟
الحصار… والابتزاز
في مطلع التسعينات وبعد انحدار البلد إلى هاوية الفاقة والعوز المادي ظهرت أعمال عدة ومهن رثّة، تعتمد الاحتيال على الناس كالتسول بأشكاله المباشرة وغير المباشرة، والتحايل على القانون بادّعاء أن الرصيف مثلاً هو كراج لوقوف السيارات، وفي تلك الفترة ظهر (الشقاوة) من جديد بحلّة جديدة خالعاً عن نفسه أخلاق أشقياء بغداد الذين كان همهم غالباً حماية مناطقهم، فبات الشقاوة الجديد يعلن عن خدماته بحماية سيارتك على رصيف الشارع العام مقابل مبلغ من المال يبتزك به وإلا فإنك ستعود لسيارتك لتجدها تقف (على الطابوق) دون اطارات ودون بطارية ربما!
الإتاوات وسلطة العشيرة
حيدر كريم، شاب عشريني، طالب دكتوراه في علوم الفيزياء، التقته “الشبكة” فقال: كلما أذهب الى الحارثية لمراجعة الطبيب فإني أُضطر للوقوف داخل فروع الحارثية لأن الشارع ممتلئ، وفور وقوفي يظهر شاب ليطالبني بثلاثة آلاف دينار دون وصل، وأضطر للدفع خوفاً من أن أعود لأجد عطباً قد أصاب سيارتي، وهذا الأمر حدث ويحدث مراراً ليس في الحارثية وحدها بل في كل مكان من العراق تقريباً..
فيان الشيخ علي، رئيسة جمعية تموز النسوية، قالت “للشبكة”: كل أصحاب الأرصفة يأخذون الإتاوة منا ما بين ألفين وثلاثة آلاف دينار حتى لو توقف المرء خمس دقائق، وأنا غالباً ما أذهب إلى شارع 62 وشارع فلسطين، في إحدى المرات طالبت من يزعم أنه “صاحب الرصيف/ الكراج” بوصل فرفض إعطائي وصلاً، وأنا بدوري رفضت أن أعطيه النقود، ثم حين عدت وجدتُ أحد إطارات السيارة وقد ثقب بفعل فاعل.
زين محمد، شاب ثلاثيني، يمتلك كافتريا في العرصات قال “للشبكة”: تعرضت للابتزاز من قبل صاحب أحد الأكشاك على الرصيف، اذ يتقاضى هذا الشخص مبالغ من زبائن الكافتريا ومَن لا يدفع له تتعرض سيارته لإتلاف طلائها على نحو متعمد، وحين طالبته بالتوقف عن هذا الأمر هددني عشائرياً أنا وزبائني، ما اضطرني للاتصال بالشرطة وإقامة دعوى ضده، فاتضح أنه لا يمتلك رخصة من الشرطة بإقامة كراج، لذلك أنصح الجميع بالتبليغ عن مافيات الأرصفة وملاحقتهم قضائياً للتخلص من الابتزاز.
أصيل الحيدري، مدرس خمسيني، قال “للشبكة”: أصبح العراق مكاناً كبيراً لابتزاز مواطنيه وفي مفاصله كافة من دوائر الدولة الى الأرصفة التي استولى عليها أشخاص مرتبطون بجهات نافذة.
مريم فرات، موظفة حكومية، ثلاثينية، قالت “للشبكة”: المشكلة في الناس الذين يرضخون لهؤلاء دون أن يشتكوا أو يعترضوا، أحد الاشخاص حاول ابتزازي، حين ركنت سيارتي عند أحد أرصفة العرصات لتسلم ملابسي من المكوى وجدت سيارتي (مشخوطة ببسمار من الطول للطول)، اتصلت بشرطي دورية كان قريباً وأبلغته بضرورة تسجيل شكواي وذهبت معه الى مركز شرطة المسبح وسجلت شكوى ضد المبتز الذي تم اعتقاله وإحالة أوراقه الى المحكمة، بدعاوى عدة؛ واحدة بسبب عدم ترخيصه للكراج الذي هو الرصيف، والثانية بسبب إتلافه لسيارتي، وثالثة لأنه هددني عشائرياً وهو حسب القانون الحالي يعامل معاملة الإرهابي، حاول أهل المبتز إرضائي عشائرياً لكنني رفضت وما زالت القضية في المحكمة وما زال الشخص المبتز موقوفاً، تخيلي معي لو أننا جميعاً اشتكينا عليهم فلن نجد أحداً يجرؤ على ابتزازنا.
الفنان التشكيلي زياد جسام قال “للشبكة”: في أغلب مناطق بغداد التي تحولت إلى مناطق تجارية لا أجد حلاً لركن سيارتي، وعندما ألجأ الى ركنها في أحد الفروع البعيدة عن الشارع التجاري.. أركنها وأذهب لأنجز عملاً ما، وعند عودتي الى السيارة وبعد تشغيلها أفاجأُ بأحدهم يقطع عليَّ الطريق ويطالبني بمبلغ عن حراسته للسيارة وكأنني أوقفتها في كراج عمومي، القضية هي ابتزاز فعلاً وتحتاج الى معالجات.
عباس عدنان ، مصور تلفزيوني، أربعيني، قال: قرب سيد إدريس، وعند مدخل شارع السنك، وفي ساحة الشهداء قرب التقاعد العامة، وشارع الربيعي قرب مول الأمير، كل هذه الأرصفة يسيطر عليها مبتزون يظهرون لك على حين غِرة لأخذ إتاوة بمبلغ ألفي دينار تحت مسمى (كراجية).
أسعد الكناني، طالب جامعي، قال “للشبكة”: قبل يومين كنت مع أصدقائي قرب مول زيونة طلب مني شخص مبلغ 3000 دينار بحجة الكراجية وعندما علقتُ على غلاء أجرة الكراجية، قال إن الأمانة تشاركنا الرصيف وتأخذ منا مبالغ قطعية علماً أنه لم يقطع لنا وصلاً.
احمد صالح، شاب ثلاثيني، مونتير، قال: أغلب مطاعم بغداد يقف قرب أرصفتها أناس يدعون أنهم أصحاب باركات في حين أنه رصيف فقط.
عماد الدين الحيدري، أستاذ متقاعد، يقول: قد يأتي اليوم الذي أركن فيه سيارتي عند باب داري، وحين أحاول مغادرة المكان سأجد من يطلب مني (كراجية).
حنين فارس، ربة بيت ثلاثينية، تقول: نحن في البصرة لم يصل إلينا بعد ابتزاز الرصيف لكن أغلب الأرصفة يضع أصحاب المحال عليها مخروطاً برتقالياً أو طابوقاً بحجة أن الرصيف تابع لمحله.
أمانة بغداد و(الكراجات العشوائية)
في تصريح سابق للناطق الرسمي باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة قال “ستتخذ الأمانة إجراءات قانونية بحق الأشخاص الذين يتخذون من الأرصفة والشوارع والأزقة مرائب لإيقاف السيارات دون أية إجازة منها، داعياً القوات الأمنية الماسكة للأرض بحسب كل منطقة إلى معالجة هذه الظاهرة”.
وأضاف: “الأمانة وجهت جميع دوائرها البلدية الـ 14 بالتنسيق مع القوات الأمنية الماسكة للأرض بإغلاق جميع مرائب وقوف السيارات لاسيما المتجاوزة على الأرصفة والشوارع والأزقة الفرعية في المناطق السكنية ولاسيما القريبة من المحال التجارية والمطاعم والمولات والمجمعات الطبية”.
وقال إن “الأمانة دعت القوات الأمنية الماسكة للأرض لمعالجة هذه الظاهرة، التي تتيح فرصة لعصابات سرقة السيارات، ولا سيما أن الأشخاص الذين يساعدون في إيقاف السيارات بالشوارع لا يمنحون صاحب المركبة أي وصل يثبت عائدية أو رخصة المرائب التابعة لأمانة بغداد”.
وأضاف: “التوجيه تضمّن أن تقوم الدوائر بنصب حواجز كونكريتية أمام تلك المرائب وإشعار أصحابها بمراجعة الدائرة البلدية المختصة لاستحصال الموافقات القانونية والرسمية”.
المفوض أحمد الكرادي من دورية شرطة العرصات قال: نحن في خدمة المواطن والقانون، القانون لا يسمح باستغلال أرصفة أمانة بغداد التي هي لخدمة المواطن، لكن بعض أصحاب المحال بحجة خوفهم على السيارات يضعون حواجز على الرصيف لحجزها لسياراتهم الخاصة، نحن نعمل وفق القانون، (الكراج) الذي تجيزه أمانة بغداد يعمل وفق شروط العمل الصحيحة، أما المبتزون فعلى المواطن تسجيل شكواه ضد أي منهم لأن سلطة القانون معه، ونحن بدورنا نعمل لمساعدته ورفع الحيف عنه.
الملازم ضرغام من مركز شرطة المسبح يقول: قلما تأتي شكاوى حول الأرصفة والابتزاز، ونحن كسلطة تنفيذية لا يمكننا حجز المبتز بشكل اعتباطي دون أن يكون متلبساً أو مشتكىً عليه فهي مهمة الكل؛ المواطن والأجهزة الأمنية.
وأضاف: في بداية العام الحالي رفعت الأجهزة الأمنية وأمانة بغداد التجاوزات من الطرق وغرّمت المخالفين، ونحن نسعى لتعزيز الامن والسلم للمواطن.
في طريقي
حاولت الحديث مع (أصحاب) الأرصفة التي لا أعرف كيف تملّكوها، أحد هؤلاء في العرصات، حين سألته: هل تمتلك موافقة أمنية وإجازة من أمانة بغداد؟ أجابني كلا، أنا حارس هنا وأهل المحال خولوني بذلك علماً أن أهل المحال لم يفعلوا.
يعد الابتزاز من أبشع الجرائم التي بدأت تنتشر بشكل سرطاني مخيف، والسرطان يتغذى على خوفنا وسكوتنا وعدم مبالاتنا بما يمكن أن يحدث، فماذا لو توقفنا اليوم عن دفع إتاوات الرصيف وسجّل كل من يتعرض للابتزاز دعوى قضائية ضد المبتز؟
ألن نكون قد ساهمنا في قتل آفة جديدة من الآفات التي يعاني منها مجتمعنا؟