إنعام العامري /
قضية فساد ضخمة تكشف تفاصيلها «الشبكة العراقية»، حيث جرى الاستيلاء على مئات ملايين الدنانير بعمليات تزوير وتحريف وتلاعب في مساحات العقارات المستملكة من قبل ديوان الوقف الشيعي خلال عملية توسعة العتبة العسكرية في سامراء. فقد تحايلت أكثر من عصابة لسرقة أموال الوقف، تسبب فيها موظفون في ملاحظية التسجيل العقاري بسامراء إضافة الى مواطنين وجدوا من ضعف الرقابة على تدقيق السجلات العقارية منفذاً مرّروا به مخطط سرقة الأموال.
ترتيب الأوراق
التزوير في هذه القضية بدأ منذ العام 2010 واستمر لسنوات، وفي كل سنة يتناسل الفساد ويزداد المفسدون شراسة وطمعاً بالأموال، فما تم دفعه من ديوان الوقف الشيعي من ملايين الدنانير لاستملاك العقارات المحيطة بالعتبة العسكرية لم يذهب الى ما أريد لها، فالمزورون رتبّوا لأكبر عمليات التزوير بتحضير الأوراق والسجلات العقارية لإيهام الجهة المستفيدة بسلامة إجراءات عمليات الاستملاك، لكن هذا الاستنزاف للأموال لم يستمر، فسقط المزورون في وحل الجشع، والعديد منهم الآن خلف القضبان والمتبقون هاربون بانتظار نهايتهم.
تخطيط مسبق
تحدث المفتش العام لوزارة العدل السيد كريم الغزّي لـ»الشبكة العراقية»عن حيثيات القضية وقال: بدأت قصة التزوير مع شروع ديوان الوقف الشيعي بتوسعة العتبة العسكرية في سامراء، باستملاك العقارات المحيطة بها ودفع تعويضات مالية لأصحابها، فبدأ معها التخطيط للاستحواذ وسرقة الأموال بعمليات التزوير.
وأضاف الغزّي: أثبتت التحقيقات وجود عمليات تزوير وتحريف وتلاعب في السجلات العقارية، ما أدى الى صرف مبالغ التعويض الضخمة الى غير مستحقيها، وهو نتيجة للأساليب المتبعة في التعاملات الورقية التي تؤدي في بعض الأحيان الى الشطب والإضافة والتزوير بأشكاله كافة.
تزوير الأملاك
وبحسب المفتش العام، فإن ما ساعد في وقف عمليات التزوير، قيام أحد الموظفين بالتفرغ للعمل في اللجنة الفنية المكلفة بإعمار العتبة العسكرية لغرض إنجاز معاملات العقارات المحيطة بالعتبة، وبعد تدقيقه الأضابير والرجوع الى السجلات، وجد عمليات تحريف وتزوير وتلاعب في المساحات من قبل موظفين في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء. وتابع بالقول: أشارت إفادات عدد من حراس الدائرة الى أن مدير الدائرة قام ولأكثر من مرة بإخراج السجلات العقارية من دائرته نهاية الدوام الرسمي، وهو أمر غير معتاد وغير قانوني يثبت نيته إجراء التزوير في مكان لا تصله أعين زملائه، ويقوم مع عصابته بتغيير المساحات ويضيف أسماء ويشطب أخرى للعقارات المشبوهة، لكن القانون أخذ مجراه وفتحت أبواب المحاكم على مصراعيها لإدانة المزورين وإصدار الاحكام القضائية بحقهم.
السنوات السبع
ووفق ما جاء بقرارات الحكم الصادرة عن المحاكم المختصة بقضايا النزاهة، فقد تضمنت الحكم بإدانة المتورطين بإدارة عمليات التزوير في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء، ومنهم موظف يعمل مسّاحاً، وذلك بالاشتراك مع متهمين آخرين، إذ ساهم بإضافة (100) متر على المساحة الأصلية لعقار استملكه الوقف الشيعي، وقيمة المساحة المضافة (250) مليون دينار، فتم الحكم عليه بالسجن (7) سنوات. وكذلك الحال مع موظفين اثنين لم يقوما بتثبيت المساحة الحقيقية لعقار آخر بجعله (254) متراً بدلاً من (193) متراً، وبلغ مقدار الضرر بالمال العام (152) مليون دينار، وقام هذان الموظفان أيضاً بتغيير مساحة عقار آخر وأضافوا لمساحته الحقيقية (220) متراً حيث تم الحكم عليهما بالسجن عن كل قضية (7) سنوات.
835 مليون دينار لامرأة!
اللافت في هذه القضية اشتراك نساء في الجريمة، فإحدى المدانات ادّعت أنها تملك عقاراً تم تخصيصه لها من مديرية بلدية سامراء، وقد ساعدها موظفون في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء وأصدروا سنداً دائمياً باسمها، فتمت عملية البيع، ودفع الوقف الشيعي مبلغاً قدره (835) مليون دينار، كقيمة للاستملاك.
التحقيقات أثبتت أن معاملة البيع مزورة برمتها، فالسجلات الأصلية أشارت الى أن العقار لم تجرِ عليه أية معاملة بيع، لكن المزورين أدخلوا اسمها لإصدار سندٍ استخدم لإتمام سرقتها المبلغ والهرب بالملايين الـ(835)، فتركت خلفها حكماً غيابياً بالسجن (7) سنوات وحجزاً قضائياً لأموالها المنقولة وغير المنقولة، لكن المؤلم هو العار الذي طال عائلتها.
اعترافات شقيق المجرم
مواطن آخر قام بسرقة (52) مليون دينار، وتمثل قيمة المساحة المضافة على حصته في عقار تم استملاكه للوقف الشيعي، لكن من كشف جزءاً هو شقيقه الذي يملك حصة في ذلك العقار، وأفاد بهذه المعلومة خلال شهادته أمام محكمة جنايات الرصافة المختصة بقضايا النزاهة، وهذه الإضافة تمت بمشاركة موظفين اثنين في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء، فأصدرت المحكمة على أطراف القضية الثلاثة حكماً بالسجن مدة (7) سنوات لكل واحد منهم ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ولم تشفع تلك الملايين قبول الشقيق بفعل أخيه الهارب من وجه العدالة.
عقاران آخران تم تزوير مساحتيهما من (172) متراً الى (275) متراً، والآخر بجرّة قلم صغيرة حوّلت (129) متراً الى (229) متراً، وكان المتسببان بهذا التحريف موظفَين تم إلزامهما بردّ مبلغ (491) مليون دينار، ويمثل قيمة الضرر، إضافة الى الحبس الشديد لمدة سنتين.
الجمل بما حمل
الأغرب من ذلك، أن الطمع وداء الاستيلاء على المال العام أخذ شكلاً آخر، إذ قام موظف في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء بتثبيت اسمه على سند عقار بالاشتراك والاتفاق مع موظفين من زملائه، لإيهام الجهات المختصة بأن العقار يعود له، وبيع العقار الى الوقف الشيعي وحصل على مبلغ الاستملاك البالغ (457) مليون دينار، المفارقة أن التزوير لم يشمل اسم المالك فقط، إنما موقع العقار الذي تبين في التحقيقات أنه يبعد مسافة (570) متراً عن العتبة العسكرية، أي أنه خارج نطاق العقارات المشمولة بالاستملاك، فأصدرت المحكمة قرارها بسجنه (10) سنوات والحبس الشديد لسنتين بحق مَن شاركه في عملية التزوير التي طالت هذا العقار الذي كان جزءاً من مجموعة عقارات مزورة، وما تزال المحاكم تصدر أحكامها بإدانة المتسببين بهدر المال العام.
ردع المزورين
المفتش العام في وزارة العدل السيد كريم الغزّي أكد أنه على الرغم من القيمة الكبيرة للأموال الضائعة في عمليات التزوير، وطريقة تفكير المزورين في التلاعب بالأوراق الرسمية، إلا أن الأمر الجيد هو وجود جهات تتحدى مخاطر الكشف عن عصابات التزوير والعمل على استعادة الحقوق العامة، إضافة الى تنفيذ القصاص بحق المجرمين، وهي إجراءات تساهم بالإضافة الى مكننة إجراءات التسجيل العقاري، في منع من يحاول التفكير بطريقة سلبية ويسرق من خلالها ممتلكات المواطنين والدولة.