آية منصور/
يقول محمد: خرجت من مستشفى الكاظمية الحكومي مع زوجتي بعد ولادتها بساعات قليلة، كنت مرهقاً ومشوشاً وأريد العودة إلى المنزل فحسب.
كان الطفل، الذي يبلغ عمره ساعات فقط، يبكي قليلاً ثم يعود لغفوته، وسائق التاكسي الذي بدا ظريفاً يسألني بين الحين والآخر عنه، ما اسمه، هل هو الأول لنا؟
كان مرحاً وودوداً للغاية، لكنه توقف فجأة عند منتصف الطريق قائلاً:
-آسف لقد تعطلت السيارة. صافحته وترجلنا، ابتعد بضعة أمتار عنا وحينما وصل السيطرة، فجر سيارته فيها.. لقد أنقذنا هذا الإرهابي!!
تلك واحدة من قصص كثيرة تروي لحظات بين الحياة والموت، نجا أصحابها من تفجيرات قاتلة بالمصادفة أو بالحظ كما يقال.
غريبة هي طرق الحياة هنا، غريبة ومضحكة أحياناً، إننا نضحك حينما نسرد قصص نجاتنا من هذا الموت المجّاني وهو يهبنا فرصة أخرى للتمتع بالحياة مع كل هذا التوجس والقلق.
ناجون من انفجارات قاتلة، يسردون لـ “الشبكة” قصصهم الخيالية عن عمر آخر كتب لهم:
عندما فشل الإرهابي
(عباس)، أستاذ في إحدى المدارس الإعدادية، يتحدث لنا برعب كلما استرجع تلك اللحظات المخيفة، حينما كان في سيارة “كيا” متوجهاً الى عمله، في عز الصيف، عن ارتداء أحد الركاب سترة جلدية، الأمر الذي أثار ضحك البعض واستغراب البعض الآخر، لقدرة هذا الشاب على تحمل هذا الحر.
يضيف عباس: لقد خمّنت أنه قد يكون يمارس الرياضة لكونه ممتلئاً بعض الشيء، أو هذا ما شعرت به أقلها حتى لحظة إطلاقه صرخة “الله أكبر” التي لم تنقلنا وقتها الى الموت مباشرة، عمّ الصمت في السيارة، وتخيلت موتنا، ثم كررهذا الشاب صرخته “الله أكبر” مرة أخرى، وظل يضغط على الحزام لكنه لم ينفجر، والجميع في حالة صمت رهيب.
ويؤكد عباس أن الانتحاري، الذي فشل في تفجير حزامه الناسف، قام بعد ذلك وركل بقدميه امرأة كانت تجلس قبالته وهرب بين السيارات والزحام. تنفسنا الصعداء وتبادلنا عبارات الحمد على السلامة ثم أكمل السائق السير.
السقف كان الملاذ
في انفجار ضرب مدينة الصدر، فقدت عائلة سعد ابنها الوحيد المتبقي نتيجة لموت ثلاثة من إخوته في انفجارات سابقة، بعد الانفجار وجد جميع الأهالي ذويهم من الجرحى والضحايا، ولم تجد أم سعد ابنها، بحثت عنه في جميع المستشفيات وفي الطب العدلي، بحثت عنه بين بقايا الأنقاض، وعند حافات المحال التجارية المهدمة، ولم تجده، وكأنه فصّ ملح وذاب مع السيارات المحترقة. لكن أم سعد تقص علينا حكاية نجاة ابنها فتقول: عند الفجر سمع بعض الناس أنيناً خافتاً، وكان ذلك الأنين الصادر من سقف أحد المحال التجارية، هو صوت سعد، الذي قذفه عصف التفجير، لقد أنقذه الله.
الكونكريت المنقذ
وعلى ذكر “العصف” ومخلفاته التي قد تكون سبباً لنجاتنا يوماً، رأى سليم، الطالب في أكاديمية الفنون الجميلة، انتحارياً وهو يتقدم نحو السيطرة، ولولا وجود الصبّة الكونكريتية لأصبح سليم في خبر كان.. يقول سليم:
كان شكله يوحي بأنه إرهابي من الطراز الأول، كان متوتراً وخائفاً وهو يمر أمامنا، كان الحاجز الكونكريتي يفصل بيني وبين سيارته، وما أن شعرت به حتى صرخت: انتحاري..انتحاري.. وانحنيت خلف الحاجز، وفجأة حدث الانفجار، ولأن نتاج الانفجار لا يكون أفقياً، فلم أصب بأي أذى سوى الطنين الذي بقي لأيام عديدة ليخلف التهاباً في أذني فقط.
ويضحك سليم حينما يخبرنا أنه يكره هذه الحواجز الكونكريتية للغاية لكنها المفارقة أن تكره شيئاً لأنه اسهم بتدمير وجه مدينتك، لكنه ينقذك من موت محقق.!
مع الموت وجهاً لوجه
لكن حسين، المنتسب في الشرطة الاتحادية الذي احتضن انتحارياً كان يعتزم تفجير نفسه وسط زملائه ليستشهد الجميع ويخرج حياً، بعد أن واجه الموت وجهاً لوجه، يروي لنا القصة:
كان الأمر جنونياً، أن تحتضن الانتحاري وينفجر بك ثم تعيش، بالطبع أنا لم أعش، لقد واجهت الأدوية والمستشفيات وسلخ الجلد مئات المرات، لقد عملت حتى الآن أكثر من ستين عملية لكل جسدي، يدي هذه لا تزال تنمو ببعض اللحم، بسبب تشوه الأوعية وتلفها، لقد خسرت أذني اليسرى كذلك واليمنى ما زالت وكأنها مقضومة من فأر، ومع هذا أنا حيّ.!
ويرى حسين أنه قد عانى من فوبيا الاستماع للأذان وقت الغروب أو لكلمة الله أكبر، متخيلاً وجود الانتحاري، إذ أنه كان قد فجر نفسه وقت الأذان!