نجوم “الطشّة” أوهام افتراضية تفترس الواقع

آمنة عبد النبي /

فقاعاتٌ افتراضيةٌ عملاقة، تعتاش على ما يسمى الـ”الطشّةِ” وصناعة التفاهة وترويجها، بعد أن صارت حصيلة الإنجازات والمهارات الفردية تقاس بعدد اللايكات والكومنتاتِ وعدد المتابعين مع أن أصحابها لم يحققوا شيئاً يذكر على أرضِ الواقع، السوشل ميديا باتت تسيطر على الشباب وتشغلهم أكثر من انشغالهم بتحقيق أعمال ذات جدوى.
تُرى من يتحكم في صعودِ نجومِ التفاهةِ والأوهام على الخريطةِ الاجتماعيةِ والثقافية، وما حكايةُ جيل الشباب الذين يضعون هؤلاء المشوهين قدوة لهم، ولماذا غدت الموضوعات الجادة الهادفة اختياراً هامشياً وسط غاباتِ التسطيحِ والضحالة؟!
التوحش الافتراضي
“غول افتراضي من الخداع البصري والتغييب الفكري، يتمدد ليفترس حياتنا الواقعية ويقدم البديل الافتراضي المشوّه عوضاً عنها” بهذا التحذير، بدأ المدوّن المُلهم لآلاف المتابعين الشباب (علي بيرهوف) هجومه على ما تصدرهُ الميديا من مشاهير التفاهة، قائلاً: التنمر وإثارة الجدل غير الأخلاقي واستنساخ تجارب الآخر بدون أي خدمة للمجتمع طريقة شائعة لحصد الشهرة، ومن المؤسف أنّ أغلب المشاهير صنعوا مجدهم ورفاهيتهم وراحتهم ومستقبلهم على حساب مجاملات الناس وإيهامهم بما يعرضونه من تفاهة، وبالنتيجة خلقوا لنا جيلاً افتراضياً مشوّهاً يلقى تقديراً مُبالغاً فيه يغض الطرف عن تفاهات ما يقدّم على هذه المواقع الخادعة المليئة بالصور والادعاءات. ويعتقد بيرهوف أن هذه النماذج المشوّهة صنيعة فشل اجتماعي وصدمة لطالما أن هؤلاء ليس لأحدهم إنجاز يُذكر سواء في مجال الرياضة أو الفن أو الميديا غير التباهي بعدد المتابعين، والناس في الواقع أصبحت تحلم بشخص ناجح في حياته الواقعية لا الافتراضية الكاذبة. وختم بيرهوف حديثه بالدعوة إلى ثقافة اجتماعية تخرج هذه النماذج من حياتنا وحذفهم من حياة أطفالنا، مهيباً بالنخب الثقافية أن تتبنى حملات تثقيفية تحث على إلغاء متابعاتهم من جميع التطبيقات التي يستمدون منها بقاءهم وربحهم؛ فأوكسجينهم هو أعداد المتابعين وتفاعلهم معهم، وفور قطعه ينتهي كل شيء.
ڤايروس قاتل
“الاجيال غارقة في عصر الكذب القاتل، لأن صانع المحتوى التافه يعرف أين يضع قدمه، فيديوهات تافهة وحوارات تنمرية وأفكار مريضة لها من يسوّقها تحت غطاء الترفيه والمزاح”.
هذا ما تخشاه الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي الكندية، الصحفية العراقية المغتربة بلقيس كاووش التي تحدّثت لنا من “تورنتو” قائلة: الباحثون عن جمهور وشهرة لا يتورعون عن فعل اي شيء يلفت لهم الانظار، ومع ذلك نجد لكل منهم جنوداً مجندين بادمغة مغسولة يحاربون بشراسة دفاعاً عن رمزهم من غير تفكير بصواب ما يقدمه أو خطئه، جيوش لديها استعداد دائم للهجوم على كل من يخالفهم الرأي وهذا هو التوحش بعينه، وأظن أن الغاية من كل هذه اللعبة؛ نشر الجهل والتطرف بكل أشكاله ما دامت الموضوعات الهادفة لم تعد هي الهدف، والمشكلة ان متابعيهم لا يعلمون أنهم السبب في شهرة أولئك الناس، لأنهم يزيدون عدد المشاهدات وهذا يشبه تماماً المساهمة في انتشار فيروس مضر بالمجتمع، والقلة القليلة ممن تحاول التمسك بالقيم والأخلاق لا تستطيع فعل شيء أمام سيل جارف من السطحية المدروسة. وتضيف كاووش: في المقابل نجد أن صناعة النجوم أو المشاهير تحترفها أوروبا وهوليوود وحتى مصر، لأنها تجري بطريقة مدروسة، إذ يلقى المبتدئ الموهوب دعماً وتشجيعاً من كل الوسائل الفنية والإعلامية، وهذا ما نفتقده تماماً في العراق.
جيوش الكترونية
“ظاهرة خطيرة أفرزت لنا جيوشاً الكترونية مدافعة عن بلهاء الطشة، المناقشات تحولت إلى نزالات عصبية لا أحد فيها يحترم اختلاف الثقافات والميول الفكرية” هكذا ابتدرنا المخرج العالمي والعراقي الاصل (جعفر مراد) من مدينة الضباب “لندن” بحديثه عن شركات الانتاج وتقييماتها الربحية، قائلاً:في أوروبا هنالك أيضاً شركات إنتاج ربحية تقيّم الشخص بحسبِ متابعيه وما يسجل من مشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها لا تشكل إلّا نسبة قليلة قياساً لما تطرحه الشركات الأوروبية العملاقة التي تعتمد الجودة الحقيقية في إبراز النماذج المحترفة في تاريخها الفني ونجاحها وأعمالها الإنسانية، لقد ظهرت في مجتمعاتنا الشرقية شريحة من التافهين والجاهلين وذوي الضحالة الفكرية، لأنَّ المقياس الجمعي أصبح يسير باتجاه تحقيق الأرباح على حساب المُحتوى، علماً أن التدرج الهرمي للنجاح أن الإنسان هو من يثقّف نفسه ويسوقها أنموذجاً يحتذي به الآخرون عبر اختياره لمجال إبداعه.
كآبة ونشاز
ورأى د. وسام جبار المهندس المتخصص في مجال التكنولوجيا، تلك الفقاعات المشهورة منوماً مغناطيسياً أنتجه الفراغ وانحدار وعي الشرائح المتلقية. وأشار إلى أن صناعة مشاهير التفاهة ليست بالأمر الجديد والخاص بمجتمعنا، بل تعود بالأصل لمجموعة من مراقبي المحتوى من سنوات طويلة، إذ لفت انتباههم اهتمام الناس وإعجابهم بشخصيات حقيقية موهوبة تستحق الاهتمام مثل “الفيس بريسلي” و”فرقة البيتلز” من مشاهير الفن والرياضة، فلاحظوا اهتمام المعجبين بأصغر تفاصيل حياتهم بينما يفترض أن يهتم المتابع فقط بالأداء، هذه الظاهرة النشاز فضلاً عن تهييج الصحافة الصفراء، أدى إلى ظهور صناعة الفقاعات التي تكسب اهتمام شريحة واسعة من المجتمع وتستغلها للدعاية والترويج، والأخطر من ذلك كله أن الجيل المهتم بهذا المجال لاسيما المتابعين سيصابون بالإحباط والكابة، على سبيل المثال المراهقين أو الشباب بعد السعي الحثيث خلف الترند وتقليده، وبعد اشهر عدة سيجد أن حياته الواقعية لم تتغيّر ولم تتأثر وسينعكس ذلك سلباً على نفسيته، أو مثلاً بنت بحساب وهمي ومشهورة فيسبوكياً وفي كل بوست تحصل على مئات التعليقات وآلاف اللايكات، بعدها ينتهي الأمر وتعود للمطبخ وتجد نفسها مستضعفة وسط أواني الطبخ والتنظيف.