آية منصور/
بالطبع، لن تستطيع حصر جميع الامهات اللاتي كافحن من أجل ابنائهن، لأنك ستحتاج لمجلدات من الحميمية التي ستلتصق بك كلما قابلت احداهن، ولن تستطيع ايضا، وصف ونقل مشاعرهن الحقيقية كما في قلوبهن، لكنك على الاغلب، تحاول، تحاول جاهدا، ذكرهن، وتذكير الحياة، والعالم بهن، هنا في هذا الموضوع، سنروي حكايات لـنسوة تمكن من محاربة النمطية المأخوذة عن المرأة وارتباطها بالتربية والمنزل وحسب! هن نساء، استطعن بذل اقصى ما لديهن، لبناء جيل قوي، جيل يشبه ارواحهن المتفانية من أجل الحياة.
الفطائر المنقذة
مع الوقت, تندمل افكارنا المجروحة, وتبقى الذكريات مثل ندبة فوق جلد حياتنا, هكذا تصف لي ام سارة، صانعة المعجنات والاكلات معاناتها بعد أن قتل زوجها أمام عينيها، لم تجد ام سارة نفسها امام المرآة سوى وحدتها, واربع فتيات برقبتها.
-لقد جربت كل شيء, بعد ان افقت من مشهد قتل زوجي امام عيني, ونحن نتجه الى منزل اقاربنا, حاولت الوقوف على قدمي من اجل فتياتي ليس الا, في البداية قمت بجلب مجموعة من الملابس النسائية وعرضتها امام منزلي, لم تنجح الفكرة، ثم اضطررت لبيع مكتبة زوجي، لقد بعت ذكرياتي مع زوجي من أجل اطعام فتياتي.
وحين وجدت نفسها مفلسة أمام كل شيء وقفت كثيرا كما تروي لي، امام المرآة مرة اخرى، هذه المرة من اجل ايجاد مشروع سيغير حياتها ويجعلها أكثر قوة.
-بدأت عن طريق معارفي، بطلب ان كانوا بحاجة الى الفطائر او المعجنات, لم يكن الامر بداية سهلا, كان الاكثر صعوبة على الاطلاق, لأني لم اكن اجني شيئا، وما من احد يطلب مني الا بين فترات متباعدة, احيانا نستطيع انا وبناتي تناول العشاء واحيان اخرى ننام دون تلك الوجبة.
بعد عدة اشهر من المعاناة، تمكنت ام سارة من جمع عدة زبائن لها، فتطور مشروعها تدريجيا، حتى بدأت بناتها بمسساعدتها لكثرة الطلب على فطائرها الشهية.
-الجميع يثني على اكلاتي، اشعر ان زوجي يراقبني الان وهو سعيد بما افعل، ولم يخب ظنه بي حتى وان اجبرته تلك الرصاصة على تركي وفتياته دونه.
الحرب تبيع السمك
فيما تفتخر ام عباس ببنائها عائلة متماسكة لم يستطع احدا ما يوما تفكيكها او عرقلة سير حياتها، اذ واكبت ام عباس فقدان زوجها في حرب الثماني سنوات، فلم تعرف وقتها، هل تنتظر عودته لتربية عباس ومحمد , ام تباشر حرفته التي كانها قبيل فقدانه الاخير، ولم يعد والد عباس, وترك فراغه في المنزل وسوق الحرية الثانية, لتفاجئ جيرانها واقاربها وحتى اخوة زوجها بقرار الجلوس مكانه، لم يكن الامر سهلا ابدا لكنها تؤكد
-كان علي الاعتماد على نفسي من اجل ولديّ، والا هل يعقل البقاء تحت رحمة المتصدقين؟ رفض والدي عملي ووبختني والدتي وقتها, وقفت امام عائلة زوجي وصرخت بقوة نيتي تربية اولادي بنفسي وهذا ما حدث.
توجهت ام عباس الى السوق وجلست مكان زوجها، حتى صار كل من في السوق يناديها ابو عباس لحين عودته، ولم يعد.
-لم اكن اعرف حتى انواع او اسعار السمك، لكني بمرور الايام تمكنت من اتقان هذه المهنة المدهشة، لدرجة اني صرت صديقة لجميع الاسماك اللاتي مرن في حياتي، وشكرهن لتمكنهن من صناعة حياتي بشكل افضل استطاعت ام عباس تربية ولديها بدقة أي ام مدهشة وصانعة للحياة، استطاعت ادخالهم المدرسة، اكملوا دراستهم واستطاع عباس ان يصبح معلما، فيما اكتفى محمد بمعهد صناعة وبعد تخرجه، لازم مكان والدته في السوق.
اكتاف تطعم الآخرين
من يرى ام جاسم، سيلمح اثار اكياس الدقيق على كتفها الهزيلة، سيشاهد اكياس السكر في يديها المتجعدة، وكل تلكم السنين الثقيلة بالحمولات، لسنين وام جاسم ترعى زوجها، وتحمل اكياس الطحين لتجني الاموال وتربي ابناءها، تنتقل من سوق لآخر في مدينة الصدر، تنتقل في اليوم التالي الى الاسواق المركزية، لتساعد اخرين في الحمل، تنتقل في اليوم الاخر الى الشورجة لتحمل كذلك.
-كل كيس دقيق احمله كان لقمة اضافية لاولادي، جميع الام جسدي تختفي حينما اجدهم سعداء.
استطاعت ام جاسم بعدها بانشاء “بسطية” لبيع المواد الغذائية قرب الاسواق المركزية وكانت تتعرض للطرد وتهديم البسيطة بين يوم وآخر وتعود معللة عدم وجود مكان يأويها غيره.
-لسنوات بقيت هكذا، حتى استطعت شراء محل صغير جدا لأضمن عدم تهديمه، كان محلا صغيرا وغير مرئي ولم يشاهده احد حتى لحظة خروجي امامه لجلب الزبائن والمشترين، استمريت هكذا، وكنت اربح ربح قليلا، حتى اصبح لدي عدة زبائن ساعدوني كثيرا في عملي.
لكن المفارقة الكبيرة، المفارقة المخيبة للامال، هي زوجها الذي تركها بعد ان تناول جميع ما تملك من الاموال وذهب ليتزوج باخرى، ويترك ام جاسم وحيدة، تعيد بناء نفسها منذ الصفر
-عليك تخيل ذلك، ان اعيد كل ما فعلته، منذ البدء، وهذا ما حدث، لكن هذه المرة كانت بصورة اسرع واقوى، وكأن الله قد امدني بقوة لم يستطع احد سحبها مني مطلقا.
برعت ام جاسم بانشاء مخزن كبير للمواد الغذائية، وهي الان معروفة في منطقة المنصور بابتسامتها وترحيبها الحميمي لكل شخص، ومساعدتها لكل محتاج
-لقد تعلمت كثيرا، ان ما من مساعد لأحد سوى نفسه.
الاخت، ام ايضا.
فيما لم تخسر هبة (44) عاما، والعاملة في مخزن لبيع الادوية، شيئا حسب قولها، لربحها عائلتها، هبة التي ولدت لعائلة كبيرة من الفتيات واب مرمي في احدى الطرقات عند احدى سنين الحرب
-لقد كان الامر شاقا، ان اكون الاخت الكبرى، بمعنى ان اتجرد من مسؤولياتي نحو نفسي وانقلها واوزعها لاخواتي وهذا الذي حصل، تركت دراستي وصرت ابحث عن عمل مناسب وقريب من منزلنا، وساعدني جاري الدكتور بتوصية احد اصحاب مخازن الادوية لأصبح الام والاب في آن.