ايفان حكمت/
جمعت شعورها ورحلت الى منطقة الذنب، لا تعرف لمَ، فاصوات الاتهامات كثيرة تنهال على مسامعها، تجبرها على ان تلزم الصمت مرارا دون ان تذكر حقيقة الامر، المرأة الأم، الأخت، الزوجة، الحبيبة، الصديقة، نصف المجتمع بل اكثر، تلام كثيرا على تحرش الرجال بها ومساومتها مقابل قضاء حوائجها وخاصة من اصحاب الشأن في الدوائر الحكومية.
يكاد لا يمر يوم على أية امرأة تتخطى عتبة دارها دون أن تتعرض إلى تحرش أو مساومة، من نقطة خروجها المنزل بدءا باصحاب “التكسي” او المحال التجارية في السوق وحتى شرطي المرور او الحرس المنتشرين في الشوارع، إلا أن الظاهرة التي انتشرت مؤخرا هي التحرش والمساومة في دوائر الدولة العراقية، إذ تبدأ هذه العملية بدءا من الحرس الواقفين في أبواب المؤسسات والدوائر، انتهاءً بالمدراء والمسؤولين.
وقطعاً لا نعمم الحالة، لكننا نؤكد وجودها.
متحرشون أصحاب خبرة
تقول رشا علي ابنة الـ26 عاماً في حديث للشبكة، ان “التحرش الذي أتعرض له في أغلب الأحيان لا يكون مباشراً، ويعتمد على التلميحات والإيحاءات، إذ لدى أكثر المتحرشين خبرة كبيرة في التملص من أفعالهم المشينة”، مضيفة ان “أحد الحراس في بوابة المدرسة التي يدرس بها ابني، عادة ما يتعمد توقيفي لسؤالي عن أسئلة دون معنى، إلى أين تذهبين؟، وبأي صف يدرس ابنك؟ وتتكرر هذه الأسئلة بشكل دائم وممل.”
وتلفت رشا الى ان “الأمهات نصحنني أن أتعامل معه بود بدل الرسمية العالية، كون هذا واجبه وعمله، إضافة الى انه يتحمل الحر والبرد وساعات العمل الطويل لحماية أبنائنا.. وجدت ان الأمر صائب، وبالفعل تجاوبت معه بابتسامة، لكنه سرعان ما عرض عليَّ المساعدة، مستعرضاً علاقاته مع المعلمين ومدير المدرسة بل حتى التربية التي يدرس بها ابني، ولكن بإيحاءات سيئة.”
وتشير رشا الى انه “بمجرد توبيخي له على اسلوبه في الطرح، والطلب منه ان يلتزم بعمله دون أن يتدخل بشؤون الآخرين، تعالى صوته وكأنني انا المذنبة، وانه صاحب فضل بعرضه المساعدة، أو المساومة، حتى راح يطلب من مدير المدرسة منع حضوري لابني، وأن أكف عن التعامل بشكل خشن!”
الدوائر الفاسدة تمنع إدخال الجوالات
شيماء عبد الجليل، الثلاثينية، موظفة في احدى دوائر الدولة، تتنقل من دائرة لأخرى بغية إكمال معاملة تقاعد والدها، تقول في حديث للشبكة، ان “مراجعة الدوائر الرسمية باتت أشبه بدخول نادٍ للمتحرشين، إذ يبدأ الأمر من البوابة، خاصة الموظف المسؤول عن حفظ الهواتف والتي يمنع إدخالها في أغلب الدوائر، فإدخال الهاتف للدوائر الرسمية مهمة معقدة تتطلب التوسل من موظف الاستعلامات، والاستماع إلى إيحاءاته.. وما أن تدخل الى الدائرة، ستجد على جدرانها عشرات البوسترات فيها أرقام للشكاوى حول أي تقصير يبدر من هذه الدائرة، وهنا تكمن المفارقة، تطلب الجهات الرقابية الاتصال في حال وجود تقصير أو فساد في الدائرة التي تمنع بالأساس دخول الهاتف الجوال، ولأسباب مجهولة – معروفة بذات الوقت.”
وتضيف شيماء ان “الدوائر التي اثق بعملها، وهي كثيرة والحمد لله، لا تمنع إدخال الهواتف النقالة، في حين تجد المنع في الدوائر التي يشوبها الفساد والروتين والتعامل السيئ مع المراجعين، والمنع هنا يأتي خوفاً من كشف هذا الفساد عبر تصويره بأجهزة الموبايل”.
وتلفت شيماء الى ان “الكثير من الموظفين يبدون تعاطفهم وتعاونهم مع المراجعين، ولكن هذا لا يلغي وجود شريحة المتحرشين، إذ ان هؤلاء يساومون النساء على شرفهن مقابل إكمال المعاملة، بالرغم ان من واجبه اكمال المعاملات وبمنتهى الاحترام كون مرتبه الشهري يستقطع مني ومن بقية الشعب!”
المرأة ملامة على تحرش الرجال بها.
غادة فائز، الأربعينية الناشطة في مجال حقوق المرأة، تقول ان “مجتمعنا قاس جداً، حيث تلام المرأة بكل الأحوال على تعرضها للتحرش، لذلك لا تجد هناك أية إحصاءات حول الأمر، وحتى الشكاوى نادرة جداً، لأن كشف تعرضها للتحرش يعد فضيحة تلاك بالمجالس، ويبدأ التعليل، بأن ملابسها، أو ماكياجها، أو نبرة صوتها، هي السبب”
وتضيف غادة ان “اقسى ما بالامر حين تتعرض المرأة التي صادفت حالة التحرش الى الملامة من قبل امرأة مثلها، في الأغلب تعرضت للتحرش عشرات المرات”، لافتة الى ان “هناك قوة تتنامى لدى النساء اليوم بالضد من هذا التنمر الذي يمارس عليها من قبل بعض الذكور، إضافة إلى وجود رجال كثيرين راحوا يدعمون وجود المرأة والبعض منهم مستعد للتعرض للضرب دفاعاً عن حقوق امرأة لا يعرفها، وهذه من الصفات النبيلة في مجتمعنا العراقي وهي موجودة بكثرة.”
MeToo شبه غائب عن العراق
النساء من حول العالم شاركن مؤخراً بقصص حول تجاربهن مع التحرش، عن طريق حملة
.”MeToo”
وبالرغم من اختلاف مصادر القصص إلا أن الكثير من القصص تشاركت فيما بينها، لتظهر أن مشكلة التحرّش واحدة في العالم، إلا إن الحملة لم يكن لها الحضور الواسع في العالم العربي، وفي العراق خاصة.
مديرة معهد الدراسات النسائية في العالم العربي، لينا أبي رافع، تقول في حديث تابعته الشبكة إن “لهذا الصمت أسباباً عديدة، كالعار المرتبط بالتحدّث عن الاعتداء أو التحرّش، وان الشعور بالعار المرتبط بحالات التحرّش ليس حكراً على النساء في الشرق الأوسط، بل يشكل خطراً أيضاَ على حياة المرأة الوظيفية والأسرية.”