#خليك_بالبيت
علي غني /
ازدادت حالات الحروق التي تصل إلى المستشفيات المتخصصة في السنوات الأخيرة في العراق، في الوقت الذي يعاني منه مريض الحروق من نقص حاد في الحاجة للجلد، ولاسيما في الحروق التي تكون نسبها عالية، والتي تؤدي غالباً إلى الموت. في هذا التحقيق الصحفي أردنا أن نسلط الضوء على مالايعرفه المواطن عن أسرار الحروق، وكيفية منع وقوعها، وما الذي يفعله المواطن حين يتعرض هو، أو أحد أقاربه إلى الحرق.
قبل وقوع الكارثة..
“على كل سيدة أو رجل في كل بيت، أوفي أي مكان، أن يتفحصوا طباخ الغاز، وخزانات النفط، ومكان تشغيل السخّان، كما عليهم أن يراقبوا حركة الأطفال في البيت في الشتاء لضمان عدم دخولهم في الحمام واستعمال الماء الساخن لوحدهم، إلى جانب مراقبة نقاط الكهرباء في البيت، وكذلك الأولاد والبنات الذين يهددون عوائلهم بالانتحار، تلك الأمور من البديهيات التي يجب أن لايغفل عنها أي مواطن مطلقاً، لأنها تمثل بداية الكارثة”، هذا ما أكده لي الدكتور غيث علاء السعداوي، الذي سأعود إليه ليسلط الضوء على هذه الأمور بالتفصيل.
حقائق من مستشفيات الحروق..
يقول مدير مستشفى الحروق التخصصي في مدينة الطب الأستاذ الدكتور توفيق وليد توفيق، مستشار الجراحة التجميلية، والمقرر للمجلس العلمي للبورد العربي للجراحة التجميلية والتقويمية: نحن المركز الوحيد في العراق الذي يستقبل الحالات الشديدة، وبواقع أربع حالات يومياً.
وأضاف: تقسم الحروق إلى درجات، فالأولى عادة ما تكون حروق الشمس في المسابح في الصيف، وهي لاتحتاج إلى تداخل طبي وتشفى خلال خمسة أيام أو أسبوع ولا تترك آثاراً، أما الحروق من الدرجة الثانية فهي السطحية (السلقية)، وهذه الحروق تحدث بسبب السوائل الحارة، كالماء المغالي، والشاي، وراديتر السيارات، وفي حال دخولها العمق تصبح من الدرجة الثالثة، وهي تعتمد على درجة حرارة السائل وكثافته وفترة التعرض له.
واشار الدكتور توفيق: إن المرضى من كبار السن والأطفال غالباً ما يحتاجون لنقلهم إلى المستشفى أو العيادة الخارجية، حتى وإن كانت نسب الحروق بسيطة(تشكل نحو 20بالمائة من المساحة السطحية)، كذلك الحروق الناتجة عن الكهرباء والمواد الكيميائية، إلى جانب الحروق التي تؤثر على المناطق الحساسة كالوجه أو اليدين أو المفاصل.
الإهمال وعدم الالتزام بالسلامة
قلت للدكتور توفيق: كيف نتعامل مع المريض الذي يتعرض لحريق بالبنزين أو النفط في البيت أو في مكان العمل؟ فأجاب: يجب إبعاد المصاب عن النار، وأطفاؤها باستخدام الماء، وتبريد المنطقة، وإزالة الملابس عنه، وتغطيته بشرشف قبل إدخاله إلى المستشفى، ونقله إلى أقرب مستشفى أو مركز حروق متخصص، وتجنب نقله إلى عيادات العشّابين، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى في الحروق، فالحروق السطحية يمكن شفاؤها لكن الحروق الكبيرة تحتاج إلى أطباء مختصين ومستشفى متخصص.
ظاهرة حرق النفس
أعود للدكتور غيث علاء السعداوي، الاختصاصي في مستشفى الحروق في مدينة الطب، والأول على دفعته في البورد العراقي، المشهور في إنقاذ أصعب حالات الحروق في العراق، الذي نوَّه إلى أن أغلب حالات الحروق التي ترد إلى المستشفى سببها الإهمال، وعدم الالتزام بشروط السلامة، ومنها حوادث النفط، ولاسيما عند ملء المدافئ النفطية، أو استخدام البنزين بدل النفط، وعدم الرقابة على الأطفال عند فتح الماء في الحمّامات.
وكشف السعداوي عن ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي، وهي ظاهرة حرق النفس، إذ تجاوزت هذه الحالات الـ90بالمئة، ولاسيما لدى السيدات، والتي غالباً ماتعزى إلى المشاكل العائلية، والغريب في مسائل الحرق أن صاحب المشكلة يبدأ بترهيب الأهل ثم يخرج الموضوع عن السيطرة وينتهي بالوفاة.
متى تصبح الحروق معقدة؟
يواصل الدكتور السعداوي حديثه: إذا تجاوزت الحروق نسبة الخمسين بالمئة تصبح معقدة، ومعدلات الوفيات تكون عالية، فتدخل مشاكل التسمم بالدم والتهابات الرئة والنقص المناعي ووظائف الكلية، عند ذلك فإن عملية التأهيل تحتاج إلى عمليات طويلة.
بنك الجلد
وتطرق السعداوي إلى موضوع في غاية الأهمية، هو أن العديد من الدول المتقدمة لديها بنوك للجلد تستخدمها في الحالات الخطرة، ونحن في العراق نحتاج إلى مثل هذا البنك، لأن بوساطته يمكن معالجة الحروق العالية بعد قشطها جراحياً، إذ أن بإمكاننا أن نحول الوفيات المحققة إلى حالات نجاح باستخدام هذا البنك.
وأضاف قائلاً: أذا أردنا أن ينجح اقتراحنا بانشاء بنك للجلد في العراق فنحن نحتاج إلى تشريعات قانونية ودينية، إلى جانب تخصيص أموال للشروع في هذا المشروع المهم، وقد طالبنا الوزارة أكثر من مرة بتأسيس بنك الجلد، لأن تأسيسه بالتأكيد سيغير من نتائج الحروق بنحو درامي.
يتابع الدكتور غيث علاء حديثه : يجب عزل مريض الحروق عن الآخرين، وهو ما يتساهل به أهل المريض أو المرافق له، إذ أن مريض الحروق قد نزع عنه الدرع الحصين، أي سياجه الخارجي، لذا فإنه يتعرض للالتهابات لأدنى تغيير، وعلى مرافقه العناية به وحفظه من البكتريا المتوطنة حتى في المستشفيات، لأن مريضاً واحداً يمكن أن ينقل العدوى للجميع.
نقص الملاكات التمريضية
ولفت السعداوي إلى مشكلة أساسية في مستشفيات الحروق، ألا وهي قلّة الملاك التمريضي، فنحن نحتاج إلى ما يعادل ممرضَين لكل مريض خلال ثماني ساعات في العمل لمواكبة احتياجات المريض ومتابعة فعالياته الحيوية، وبالتالي فإن ذلك يسبب إرهاقاً واستنزافاً للملاكات التمريضية.
فريق العمل
ويعود نجاح أصعب عمليات الحروق التي أجريتها (كمايقول الدكتور غيث) إلى التوفيق من الله والاطلاع المستمر، وفريق العمل من الاختصاصيين، وأطباء التخدير، وأطباء العناية المركزة، وطبيب التغذية، والأطباء النفسانيين، والملاكات التمريضية في معالجة أصعب حالات الحروق.
قصص ناجحة
يروي لنا أطباء مراكز الحروق التخصصية قصصاً عن أسباب اجتياز المرضى الحالات الخطرة بنجاح، فإحدى المريضات من مدينة الكوت كانت راقدة في مستشفى الحروق التخصصي في مدينة الطب، وهي كبيرة السن (يتجاوز عمرها السبعين عاماً)، وهي مريضة بالسكر والضغط، وحروقها من الدرجة الثالثة وبنسبة 40 بالمائة، ولديها تسمم بالدم، لكن بعد أسبوعين من العلاج المتواصل وبتعاون أطباء الاختصاص والتخدير والملاك التمريضي ومرافق المريضة استطعنا إنقاذ حياتها، وهنا أود أن أؤكد أن تعاون أهل المريض مع الأطباء والملاك التمريضي له الدور الأساس في إنقاذ المريض. ومثل آخر للمريض(أ) الذي كان راقداً في مستشفى اليرموك التخصصي للحروق، فعلى الرغم من نسبة الحرق العالية، إلا أن جهود الأطباء الاختصاص، ومنهم الدكتور أحمد أسامة، والدكتور عمار، والدكتور عبد الله، والدكتورة آية، والملاك التمريضي الخدمي (أم عذراء، نبأ، والممرضات الأخريات) ومرافقة المريض التي هي والدته، تم إنقاذه من الموت المحقق، ولا ننسى عناية الله.
أطباء العراق في المقدمة
“يمتلك العراق أطباء لديهم إمكانيات فنية عالية وتدريب موازٍ للمعاير العالمية”، هذا ما أخبرنا به مستشار الجراحة التجميلية والتقويمية الدكتور توفيق وليد، الذي اصطحبنا في جولة في المستشفى، ليطلع “مجلة الشبكة” (حصرياً) على الأجهزة الحديثة في المستشفى، وكل الأمور الفنية، والأطباء المشهورين عالمياً، لكننا مع الأسف نعاني من مشاكل انعدام الثقة المتبادلة بين الطبيب والمريض، ما يؤدى إلى عزوف العديد من الأطباء عن إجراء العمليات التي فيها خطورة وتحتاج إلى تداخلات جراحية فيها بعض الإشكالات، وفيها نسب نجاح 50 بالمائة عالمياً، ما يؤدي الى العزوف عن إجراء العمليات المعقدة والتطور في هذا المجال بسبب الضغوطات المجتمعية.
دور المرافق
رئيس ممرضين أقدم فاضل علوان حمد في مستشفى الحروق التخصصي في مدينة الطب يقول: إن التزام مريض الحروق بتوجيهات الطبيب والملاك التمريضي يسهم بتسريع العلاج، كما أن التزام المرافق بأمور النظافة يسهم في حمايته من التلوث، لأن مناعة المريض ضعيفة جداً، وأن أي التهاب يقضي على حياة المريض، ما أيده الممرضان الفنيان علي زكريا سليم ومحمد صالح خضير اللذين أضافا: على مريض الحروق أن يقوي مناعته والالتزام بالعلاج والوقاية الصحية، وننصح مريض الحروق بتناول الأغذية البروتينية، وعدم تعرض مريض الحروق إلى أشعة الشمس وهو مدهون بالدهون الطبية. وأشارا إلى ضرورة الاهتمام بالأمور المعيشية للممرضين وتشجيعهم عن طريق توفير الامتيازات لهم في الحياة، لأنهم في الحقيقية يقومون بعمل كبير مع الملاك الطبي لإنقاذ حياة المرضى الذين قد يكونون وصلوا إلى الرمق الأخير من الحياة.
قوانين مهمة
الدكتور أحمد حاتم جبار، عميد كلية القانون- جامعة الفراهيدي، أجاب على سؤالنا عن الخطوات التي تحتاجها المؤسسة الصحية لإقرار قانون (إنشاء بنك الجلد في العراق): عندما ننظر إلى التشريعات القانونية الجديدة التي تخص وزارة الصحة العراقية، نجدها متأخرة جداً عما هو عليه في بقية دول العالم، ولكي تواكب النصوص القانونية العراقية بقية دول العالم، يجب أن يعمل المشرِّع العراقي على صياغة قوانين جديدة تتعلق بالمؤسسة الصحية العراقية على شرط عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية والأعراف الاجتماعية الأخرى. ومن الأمور الطبية التي لم يتطرق لها القانون العراقي ولم ينظمها بعد، نذكر منها قوانين التبرع بأعضاء وأنسجة الجسم، والتبرع بالأجنة وتفرعاته، وبنك الجلد، وغيرها من الأمور التي تتعلق بوزارة الصحة والتي تعتبر مهمة في عصرنا الحالي، إذ أن أغلب هذه المواضيع تطرقت لها الشريعة الإسلامية بالتفصيل وسبقت النصوص القانوية بذلك، وبالتالي علينا تنظيم هذه الأمور بنصوص تشريعية من خلال تشريع قوانين مقترحة من السلطة التشريعية بعد أن تقوم وزارة الصحة بتقديم تقرير إلى السلطة التشريعية تبين فيه التفاصيل وأهمية القوانين المراد تشريعها، وبعد ذلك تأخذ الإجراءات الشكلية في تقديم مسوَّدة قانون جديد بحسب المادة(60) من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005.
بعد هذه الجولة في المستشفيات التخصصية في إصابات الحروق، نرى أن من المناسب دراسة مقترح (بنك الجلد)، والاهتمام بأطباء الحروق وزجِّهم في دورات عالمية لزيادة خبراتهم العلمية، إلى جانب الاهتمام بأطباء التخدير وتحقيق مطالبهم، فضلاً عن الاهتمام بطعام الأطباء والممرضين، كما أننا شخصنا حاجة هذه المستشفيات إلى ملاك من أطباء علم النفس، لما لهم من دور مهم في علاج المرضى، ولا ننسى الدعم المادي عند تحسن أوضاع الدولة، فهؤلاء وجدناهم يعملون بأعلى من طاقتهم، وغالباً مايصابون بالإعياء، كما نهيب برجال الدين التعاون مع أصحاب القانون لتشريع بنك الجلد الذي يسهم بإنقاذ الآلاف من المصابين بالحروق.