بشير الأعرجي /
سؤال كبير لا يمر على بال المرضى في العراق “لماذا لا يشفون من الامراض؟”، على الرغم من مراجعتهم للاطباء الاختصاص وتناولهم دواءً من مناشئ عالمية، ومع هذا تستمر الامراض على ما هي عليها لفترات طويلة، وبحسب حالة المريض ونوع المرض الذي يعانيه.
الحلقة المفقودة
يحيط بنا الكثير من المرضى، ونراهم في سقم دائم، فتستمر حضانة المرض في اجسادهم لفترات غير اعتيادية بدون شفاء تام، ونتساءل، لماذا يتعافون اذا ما عالجوا انفسهم خارج العراق، وهنا في الاغلب نجد ان أمراً غير طبيعي يحدث، فما هو؟
بعيدا عن نوعيات العلاج او نجاح او فشل العمليات الجراحية، هنالك حلقة مفقودة لا يعرفها المرضى، كما لم تجد هذه الحلقة اهتماما يليق بها داخل المؤسسات الصحية في العراق، وهي العلاج الطبيعي، خصوصا قبل وبعد العمليات الجراحية، وربما يكون هذا هو السبب الحقيقي لشفاء اغلب المرضى خارج العراق بصورة اسرع من داخله.
علاج بلا تحسن
تابعت مجلة “الشبكة العراقية” لعدة أشهر احدى الحالات المرضية، وهي لامرأة في العقد الرابع، تعاني من نتوء في عظم اسفل القدم، وهو مرض منتشر في العراق خصوصا لربات البيوت او العاملات في القطاع التعليمي وغيرها من الاعمال التي تستوجب الوقوف لساعات طويلة، والمرض عبارة عن افراز الجسم لطبقة كلسية في اسفل عظم القدم لتكون اشبه بالمسمار الذي يشعر المصاب بوخزات تمنعه من الوقوف لفترات قصيرة.
حالة المريضة (أ.ج) بدأت بالتفاقم على الرغم من مراجعتها اكثر من طبيب وتناولها لعلاج من مناشئ عالمية معروفة، ما اضطرها الى زرق ثلاثة ابر في موضع العظم الناتئ لفترات متباعدة من قبل الطبيب الذي تراجعه منذ اكثر من سنة، وقالت ان هذا الطبيب اخبرها بضرورة اجراء عملية لاستئصال النتوء وبفرص نجاح جيدة.
(أ.ج) قررت عدم خوض تجربة العملية لانها غير مضمونة النجاح وفق ما سمعته من حالات لم يطرأ عليها التحسن بعد اجراء العملية، لان النتوء يعود مرة ثانية، فقررت تغيير الطبيب الى اخصائي آخر، الذي سرعان ما نصحها باللجوء الى العلاج الطبيعي، فهو اكثر أمنا على حالتها الصحية واسرع وسيلة للعلاج. وبالفعل شفيت المريضة بعد ست جلسات علاج طبيعي بالليزر ومحفزات العضلات بالكهرباء ورياضة خفيفة تستمر لفترة ما بعد جلسات العلاج.
طريقة علاج غائبة
السؤال هنا، هل ان شفاء (أ.ج) من مرضها حالة فردية تم بالعلاج الطبيعي، ام حالة عامة غابت عن بال جميع المرض؟
توجهنا بهذا السؤال الى اخصائي العلاج لطبيعي حيدر البير الذي قال: ان “عدم نجاح العديد من العمليات الجراحية او الشفاء من الامراض هو نتيجة عدم المتابعة بالعلاج الطبيعي، وتغييب دوره في البلاد”. واضاف “العلاج الطبيعي او الطب الفيزياوي جزء مكمل لعلاج الكثير من الحالات الصعبة، وهو مستخدم بشكل روتيني في الطب خارج العراق باعتباره جزءا من العلاج”. وبيّن البير بالقول “تخيلوا ان العلاج الطبيعي سبب رئيس في نجاح عمليات الولادة الطبيعية والقيصرية والتشافي من الحروق وبتر الاعضاء وتأهيل المريض بعد الاصابة بأمراض الرئة، فما بالك بالاصابات العصبية والشوكية والمفاصل التي تنتشر اليوم بكثرة في العراق ويعاني المرضى من عدم شفائهم”.
أين هم؟
وبصريح العبارة، يجهل اغلب العراقيين دور العلاج الطبيعي في الشفاء من الامراض، وخصوصا المفاصل والعظام، بل انهم يعتقدون ان الطبيب حينما يصل الى مرحلة عدم قدرته على شفاء المريض، ينصحه بتجربة الطب الفيزيائي او العلاج الطبيعي.
لكن هل شاهدنا هذا الاهتمام بالعلاج الطبيعي في المستشفيات، ام انه مغيّب؟
اخصائي في العلاج الطبيعي فضل عدم ذكر اسمه تحدث لـ”الشبكة العراقية” وقال: “نعم المعالجون الطبيون موجودون، لكن 70% منهم يزاولون اعمالا اخرى، فنراهم يعملون كاداريين او في الاستعلامات، ويصل الحال الى العمل بوحدات الدفاع المدني واللجان الطبية، فهل هذا اختصاصهم؟”
وللاجابة على تساؤل المعالج، تكفي زيارة احدى المستشفيات واستكشاف طبيعة عمل المعالجين، وربما يكون عملهم تحصيل حاصل نتيجة النقص في ملاك المستشفيات وبمختلف الاختصاصات، لكنه ليس عذراً مقبولاً، فما يريده المريض الشفاء التام من مرضه، وتكامل علاجه بدءاً من التشخيص الصحيح وصرف الدواء وتأهيله بالطب الفيزيائي.
نتائج غير متوقعة
عادل سعود، ويعمل موظفا يقضي اغلب ساعات دوامه وقوفا، اصيب قبل سنة بالتهاب في رباط مفصل قدمه، وقد شخّص حالته طبيب المفاصل، وكنوع من العلاج قام بزرق قدمه بالابر، لكن دون تحسن، تحدث لـ”الشبكة العراقية” عن طريقة تعافيه، وقال “جربت انواع الدواء والابر دون جدوى، فقررت الاستعانة بطب الفيزياء والخضوع لجلسات العلاج الطبيعي فكانت النتيجة مذهلة، كنت اظن ان الحل يكمن في العلاج بالمستشفيات خارج العراق، لكني حالتي اليوم تحسنت بشكل كبير”.
واضاف “اعتقدت مثل الكثيرين من المرضى ان عيادات العلاج الطبيعي لا تقوم الا بأمور بسيطة، لكن ما وجدته كان غير ما اعتقدته، فهناك اجهزة حديثة وطرق علاج نفسية وبدنية للعديد من الامراض، فما احوجنا اليوم الى الاهتمام بالمريض بالوسائل كافة”.
دراسات عليا
اختصاصي العلاج الطبيعي حيدر البير أكد ان الاهتمام بهذا الاختصاص له اهمية كبرى في علاج الحالات المرضية في العراق بنجاح، وقال “تهتم دول الجوار والكثير من كليات الطب والمستشفيات العربية باختصاص الطب الفيزياوي، بل وتمنح الجامعات شهادات عليا بهذا الاختصاص، لكن في العراق لا تتوفر دراسات عليا بهذا المجال”، واستدرك بالقول “لذا، الكرة الان بين وزارتي الصحة والتعليم العالي والبحث لعلمي للاهتمام بطب الفيزياء وتوفير مقاعد دراسات عليا بهذا الاختصاص، للوصول الى اطاريح علمية ورسائل تساهم في ايجاد علاج جديد للامراض التي لا يشفى منها المرضى بالسرعة المطلوبة”.
المتضرر الكبير..
ونسأل ايضا، لماذا لا يهتم العراق بطب الفيزياء؟، وهنا نطرح فرضيات تتقبل الصح والخطأ، ومفادها ان شركات الدواء الضخمة تسيطر على الامراض على مستوى العالم، وخصوصا في الدول التي تعاني مشاكل داخلية وخللا في نظامها الصحي، فلو كان العلاج الطبيعي أمرا طبيعيا في المستشفيات، وثقافته شائعة في المجتمع، فإن الكثير من الوظائف المتداخلة مع المرض وتجارة الادوية وتوزيعها وحتى تهريب العلاج سيتوقف.. نعم قد يتضرر الكثير من المتنفذين والمستفيدين، لكن على حساب شفاء المريض داخل العراق.