هولندا.. موطن البحّارة والقباقيب!

هولندا – آمنة عبد النبي/
تخيلوا، أن البلاد المدللة والمتمايلة غنجاً بـ “قبقابها” المخمليّ، ثروتها الهائلة ليست أكثر من هواء عذبٍ “يرد الروح”، لا نفط تملك ولا مصدر للطاقة، ولو كانت هنالك مدينة تستحق لقب “فينيسا الشمال” أو “مدينة العاشقين”، فهي ليست باريس أو البندقية، وانما الليدي “أمستردام”، موطن القباقيب الجميلة وركنها اللطيف المُشكل لفلكلور البلاد.
هذه البقعة المطعمة بالروائع المعماريّة الخارجة كأنها للتو من مدينة الحُلم “دزني لاند” وعالمها الذي كنا نشاهده في طفولتنا المشاغبة، ونتمنى الدخول في تفاصيله الناعمة عبر شاشات التلفاز.
وبالرغم من أن جمال المُدن والقرى بتفاصيلها يفوق الخيال، إلا أنها تميزت بالسياحة النهرية وخفّة القنوات المائية، والطواحين الهوائية و”التوليب”، وفي داخلها قد يحملك “الراين” على موجاتهِ الهادئة للاستمتاع بجمال القرى وشاعرية المواويل، باعتبار أن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تؤسس ثقافة البلدان وتعنون جمالها البيئي المتمثل بالفطرة والالتصاق الآركيولوجي بالأرض.
متحف العالم
الكاتب الصحافيّ “راجي الزهيري” المُقيم في أمستردام مُنذ ثلاثين عاماً، اعتبر هذه البلاد جوهرة، حينما قال عنها بطمأنينة:
“معالم هولندا ثابتة مع الزمن، الطواحين القديمة وداخلها المبهر وكيف تعمل، ومصنع الجبن الأشهر في أمستردام، ومتحف القباقيب، وكيف اكتشف أحد الفلاحين أن الحذاء الخشبي هو الوحيد الذي يساعدهم في العمل بالأراضي المغمورة بالماء بعد أن أتعبهم البلاستك والجلد. هولندا متحف العالم، هناك قول مأثور عند الهولنديين يذكر أن (الله خلق العالم، الا نحن الهولنديين، نحن من خلقنا هولندا)، حين استخرجوا من البحر الرمال ودفنوا بها مابين الجزر كي يؤسسوا مدنهم الخضراء، ومازالت مبانيهم المتوسطة الارتفاع بأسسها الخشبية المغمورة في الماء عن عمر يزيد عن 200 سنة وأكثر.”
الاعتزاز بالهوية
أمّا الشاعرة المغتربة المقيمة في روتردام “علياء فاضل” فقد قالت بابتسامة:
“كل من زار هولندا أو سكنها، عشقها، وعشق ثقافتها التي يغلب عليها عطر الماء والبحارة الشجعان والجسور والقناطر، والغريب أن الاعتزاز بالهوية أجمل ما يميز هذه البلاد، خذي مثلاً عشق القباقيب الهولندية لانهم يعتزون بتاريخهم وتراثهم الحضاري، وسبق أن شاهدت رقصاتهم الجميلة بالقباقيب في مدينة لاهاي، فضلاً عن أن هولندا هي أول مصدر للورود في العالم وواحدة من ثلاثة بلدان تصدر الجبن الى كل العالم، كذلك هي البلد الأول في العالم ببناء السدود، وغير ذلك من التفاصيل التي جعلتها البلد السادس من حيث الاقتصاد، هذا إضافة الى الفن والثقافة وغيرهما الكثير. يكفي ان هناك أكثر من ثمانمائة متحف في هذا البلد الصغير.”
تراث متجدد
في حين عبّر السائح “عماد نصير” القادم من مدينة “ليل الفرنسية” لزيارتها بالقول:
“لا أحد يملك خياراً غير عشق بلاد القباقيب الجميلة، التي أعانت رعاة أبقار الحليب وزارعي الورد في إعلاء شأن هذه الأرض، الأيدي الهولندية بارعة وبإمكانها أن تحوّل قطعة عادية من الخشب الى تحفة مذهلة، ولك أن تتخيلي حجم الاعتزاز بالتراث والحضارة والالتصاق، الى درجة دخول ثيمة القبقاب الخشبي في الأعمال الفنية واللوحات التي تشير الى طبيعة وثقافة هولندا، بل وبناء الورش التي تنتجه.”