آية منصور/
كيف يمكن لمشروع عراقي، متخصص بفكرة “الصناعة فقط بحب العراق” أن يحمل بلده فوق قلبه بكل هذا الحب والشغف؟ إنه مشروع يشبه طفلا يتمسك بأمه، هكذا تتمسك نور ودعاء، الشقيقتان، مؤسستا مشروع “هيلي” بالعراق. المشروع متخصص بصناعة المنتجات العراقية الخالصة، والتذكارات العراقية، ليصبح واحداً من أهم المراجع التي يفضلها المرء في إهداء أحبته جزءاً من التراث الشعبي المحلي على هيئة هدية صغيرة.
تؤكد نور الصفار، مؤسسة مشروع هيلي، أنها بدأت بالمشروع عام 2016، وأن التفكير به كان منذ أكثر من 12 عاماً، حاولت خلالها جمع أفكارها كلها لتضعها في مكان واحد.
وتضيف: “كنت أقرأ كثيراً عن تاريخ وحضارة العراق، ووجدت الكثير من الأمور التي يجب علينا –كعراقيين- الاعتزاز بها وصقلها وجعلها متداولة فيما بيننا، فهناك أمور يمكن العمل عليها وصناعتها، لتكون جزءاً من هوية البلد.”
الأصالة والود
اكتسبت نور ودعاء خبرتهما خلال السنين، ليطلقا “هيلي”، الذي يعني باللغة السومرية (الأصالة والود)، وأيضا، كما تؤكدان لمجلة “الشبكة العراقية”، فإن بعض الزبائن يلفظونه “هَلي” من جذور الأهل والروابط العائلية. ويتميز “هيلي” بأنه “ماركة” عراقية صرف، “فلا مجال ولا جدال بفكرة عمل او استيراد البضائع من البلدان الأخرى، إذ يعتمد هذا المشروع على اليد العاملة العراقية فقط، واحترام المهارات العراقية، والكفاءات الشابة والنسوية لصناعة البضائع والحلي والسجاد، ولم نفكر يوماً بالتعاون مع جنسيات أخرى، وهذا ليس انتقاصاً من الآخرين بقدر ما أنه اعتزاز بهوية الإنسان العراقي، إذ ستكون القطعة المعمولة بحرفية وجهد حقيقي، من نتاج يد عراقية الى يد عراقية أخرى.”
التعاون مع النساء
تقول نور إن “هيلي، تعاون مع عدد كبير من النساء العاملات، المتعففات، في بغداد والسماوة والحلة، حيث أنشأنا فريقاً مدرباً مستعداً للإنتاج وبمواصفات مطلوبة وجودة عالية”، مبينه أن “هؤلاء النسوة ساهمن بعمل الإيزار والسجاد العراقي وغيرها من الأعمال اليدوية التي امتازت بحرفية عالية من قبلهن.”
وأضافت أن “عملهن الرائع أثبت أن في العراق أيادي كثيرة ملهمة ومنتجة، إذ تتوطد العلاقات الإنسانية الطيبة في أروقة المشروع، وقد استطعنا إضافة مبدأ التمكين الاقتصادي لجميع العاملات.”
لقد كان الإلهام خير عون لنور ودعاء لإضافة منتجات وبضائع جديدة مصنوعة يدوياً في مشروعهما. توضح نور أن “الإلهام يأتي من الأزقة القديمة، والقصص العراقية، وأغاني الفرح التراثية المنتشرة في أحيائنا وفي بيوت الجدات، وأحياناً نستلهم أعمالنا من رائحة البيوت، ولهذا صنعنا شاياً عراقياً خاصاً بنا، وكليجة، ورز عنبر، نستطيع أن نعتبر أن هذه التفاصيل الشعبية هي من تجعل المنتج يقاوم المستورد من خلال الابتكار وخلق منتجات جديدة، هي في الحقيقة، جزء من موروثنا.”
حقيبة بابلية
تتذكر نور أول منتج عراقي أنجزوه في مشروعهم، هيلي، وكان حقيبة بابلية فكرتها مستوحاة من بوابة عشتار، مصنوعة بمشاغل وإياد عراقية من الألف حتى الياء، وقد صنعت لتقتنيها سيدة أجنبية تعمل في إحدى البعثات الدولية.
تؤكد نور أنها تيقنت من أن الرسالة من مشروعها قد وصلت.
وتضيف: “كان شعوراً رائعاً أن تكون أول قصة نبتكرها مقتناة من قبل شخص ليس عراقياً، سيخبر الآخرين عن حضارة هذه البلاد وتراثها وصناعتها اليدوية، وأنه سيؤكد أن الصناعة اليدوية ما تزال موجودة في العراق ولم تنته كما يعتقد بعضهم.”
أبرز بضاعات هيلي
اختار “هيلي” عدداً من فناني العراق الرواد ليكونوا أبطالاً للمشروع، مع أشكال ومجسمات لهيئات عراقية وأشكال ترتدي الأزياء الشعبية التراثية، بالإضافة الى الحلي والمجوهرات المصنوعة والمستوحاة من الحضارات السومرية والبابلية والآشورية، وحتى الصحون تمت صناعتها في العراق، وبزخارف ورسوم عراقية، هذا بالإضافة الى أن هيلي يشارك طقوس العراقيين ومناسباتهم من خلال طرحه العديد من الابتكارات والمجسمات والأواني الخزفية، والمصنوعة من السعف كذلك.”
وتابعت: “نحاول إعادة التراث من خلال تصنيعه مجدداً بطريقة صديقة للبيئة، فجميع منتجاتنا يمكنها حقاً أن تكون صديقة للبيئة، ولا تسبب أضراراً كالنايلون والبلاستيك، إذ أن هدفنا إنساني محب للإنسان والأرض والموروث الحي.”
وحتماً، وكأي مشروع، فقد واجه هيلي بعض الأزمات، كان منها التوقف بسبب انتشار فايروس كورونا، إذ لم يستطيعوا التواصل مع الحرفيين والصُناع، لكن العمل عاد وبشكل مكثف بعد أن انحسر الوباء من أجل استمرار تحفيز العمل اليدوي والصناعات اليدوية.
وتبين نور أن “العديد من زبائن هيلي هم من خارج العراق، ما يدل على أن التراث والفلكلور العراقيين لهما تأثيرهما الخاص على الأجانب بشكل خاص.”