وهي تحتفل بيومها السنوي.. (لا حبيبة كالأم.. ولا مدينة كبغداد)

ريا محمود

تحتفل أمانة بغداد سنوياً بيوم بغداد في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني من كل عام. ولتزامن التعداد العام للسكان لهذا العام في العشرين من هذا الشهر، أعلنت أمانة بغداد عن استعداداتها لاحتضان مهرجان يمتد لأسبوع كامل احتفالاً بالعاصمة بغداد من يوم العاشر وحتى الثامن عشر من شهر تشرين الثاني الحالي للعام 2024، لكون بغداد قد أتمت بهذا العام 1262 عاماً منذ تأسيسها من قبل الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور عام 762 ميلادي.

(تتبغدد علينا)
عاشت بغداد في قلب الوطن كعاصمة وقبلة لكل محبيها وأعدائها في آن واحد. إذ بنيت لتكون عاصمة الدولة العربية الإسلامية ومقر خلافتها، واشتهرت بأجمل المباني وأروع الزخارف والنظم الهندسية، فقد جمع الخليفة العباسي أفضل المعماريين في حينها وأبرز البنائين، ليبني مدينة السلام المدورة (الزوراء) في جانب الكرخ من بغداد، لتمتد بعدها وتتسع وتعبر النهر لتتوسع في رصافتها وكرخها.
تشير الوثائق البريطانية إلى أنه قد عاشت أقوام عديدة حول بغداد قبل أن يبنيها أبو جعفر المنصور. ويذكر بهنام أبو الصوف في أحد بحوثه عن عثورهم على تمثال الإله (إنكي)، إله الماء، عند مقام خضر الياس في الكرخ عام 1967، حين عمل حفريات أعمدة جسر الباب المعظم، ما يؤكد على أن بغداد بابلية قبل أن تكون عاصمة الخلافة العباسية.
بقيت بغداد مناراً للعلم والمعرفة والفنون والآداب والشعر والموسيقى، وصارت قبلة لكل طالبي العلم وناهلي المعرفة، وبرزت فيها أولى مدارس العالم وجامعاته، وتقدمت نظم الري والسقي حتى صارت حلماً للداني والقاصي. وقد قص (ابن فضلان) على شعوب الدول الإسكندنافية حينها (الفايكنغ) قصصاً طويلة عن تقدم بغداد ونظافتها وطرق السقاية فيها وجمال شوارعها وحدائقها، ما أثار فيهم الولع لرؤيتها، فحملوا أنفسهم في مركب وجاءوا ليتعلموا من بغداد كيفية إقامة الحمّامات والسقاية، وعادوا ليرسموا صوراً رائعة عن بغداد.
ومثلما مر بها محبو العلم والمعرفة، فقد توالت الأطماع عليها، ورزحت لسنين طوال تحت سلطة الغزاة والمستعمرين، ومرت عليها أعوام القحط والحرمان والدم على أيدي المغول تارة والعثمانيين والإنكليز تارة أخرى.
ومن كثرة تعلق العثمانيين ببغداد، صار عندهم مثل يتداول حتى يومنا هذا، أن (لا حبيبة كالأم ولا مدينة كبغداد).
تأسيس العراق
بقيت بغداد القلب النابض بعد تحريرها من الإنكليز وإعلان العراق كمملكة عربية مستقلة، وتتويج الملك فيصل ملكاً عليها عام 1923، وانضمام العراق إلى عصبة الأمم المتحدة عام 1932، واعتراف العالم الحديث بالعراق كبلد مستقل وبغداد عاصمته.
تلت تلك المرحلة أعوام من الاستقرار، وبدأ توسيع العاصمة بغداد وإرساء الطرق الحديثة في التعليم، وفتح المعاهد والجامعات التي ظلت لأعوام طوال تعد من أفضل وأجمل مدن الشرق الأوسط.
وحل ما حل ببغداد بعد إعلان الجمهورية عام 1958وما تلته من انقلابات عسكرية ومدنية. وبعد عام 2003 توسعت المدينة كأحياء وعمران، وتقلصت مشاهد العمارة القديمة، حتى ظن الجيل الجديد أن لا وجود لمدينة قبل ذلك. فقد عاشت بغداد في الأعوام الأخيرة نوعاً من الاستقرار الأمني، ما أعاد لأحيائها بعض الطمأنينة وبدأت تتشكل أفراحها من جديد. وحرص أهالي بغداد على زيارة الأحياء القديمة ليشرحوا لأبنائهم كيف كانت الحياة تبدو قبل عقود.
يعد مشروع (نبض بغداد) في قلب العاصمة بغداد أحد أفضل المشاريع التي تربط الماضي بالحاضر، إذ تتنعم بغداد اليوم بقلب نابض وشارع يؤمه كل أحبة بغداد من قاطنيها وزائريها، لتتسنى لهم مشاركة أفراح هذه المدينة التي مهما اشتدت عليها الأعصر ستبقى للأبد تتبغدد علينا.
لذلك اختارت أمانة بغداد شارعي القشلة والمتنبي مقراً لمهرجان يوم بغداد لهذا العام، كما أنها أعلنت عن احتفالات وكرنفال للجري سيقام على حدائق الزوراء، وآخر في شارع أبي نوّاس، وذلك إيمانا منها بالإرث الحضاري لكل هذه المناطق. عام سعيد نتمناه لحبيبتنا بغداد وعساها أن تبقى ملكة للتبغدد.